عمليات الجيش الأميركي في شمال العراق تقدم دروسا مفيدة لإدارة أوباما

نجاحات ميدانية بعدد أقل من الجنود .. واستراتيجية فاعلة للتصدي لظاهرة الانتحاريات

TT

عندما كان الميجور جنرال مارك بي هيرتلينغ يستعد لتولي مهمة قيادة قوات الائتلاف في شمال العراق لمدة 15 شهرا، حملته المعلومات الاستخباراتية والتقييمات العسكرية والتحليلات السياسية على الاعتقاد بأن مهمة فرقته ستكون 70 في المائة منها إعادة إعمار وتنمية، و30 في المائة فقط عمليات قتالية.

لكن العدو كان مختلفا عما كان يتوقع. ووصل الجنرال هيرتلينغ والفرقة المدرعة الأولى في خريف عام 2007، ليواجه ارتفاعا حادا في أعمال العنف من جانب الإرهابيين والمتمردين، حيث كانت معظم الهجمات التي تشن في البلاد تقع في شمال العراق على مدار أشهر. ولأن الجنرال هيرتلينغ كان معه عدد من القوات أقل مما يحتاج إليه، كان عليه هو وفرقته أن يجدوا وسيلة أخرى لبناء قوتهم القتالية. وتقدم قراراتهم، التي تم تحليلها في مراجعة قام بها قادة هنا الشهر الحالي، دروسا لإدارة الرئيس باراك أوباما وهي تستعد لزيادة تخفيض أعداد القوات الأميركية. ويشير التحليل إلى أنه ربما تكون هناك وسائل بالفعل أمام الجيش الأميركي يمكن أن يحقق بها الكثير بعدد أقل، وهذا ما سيكون مطلوبا في الشهور المقبلة.

وجد القادة أنه كان من الممكن ترك بعض مناطق شمال العراق بدون تغطية بشكل أو بآخر، لتركيز قواتهم في أماكن أخرى في مجموعة من المهمات تشمل عمليات قتال وإعادة إعمار. لذا كانت قوات القتال وأفراد الأعمال المدنية يتحركون باستمرار لدرجة أن القادة أطلقوا على خريطة تحديد أماكنهم في أرض المعركة «الأيقونات الراقصة». ومع انتشار القوات التقليدية في الشمال، اعتمد القادة بشدة على قوات العمليات الخاصة للقيام بمهام ضد المتمردين البارزين وقيادات الإرهابيين.

ومن أجل تعزيز التنسيق، تم تعيين الجنرال توني توماس، أحد أفراد الجيش الذي كان أنهى لتوه جولة عمليات خاصة، نائبا لقائد الفرقة المدرعة الأولى قبل أسبوع من تعبئتها. وكُلِّف بموقع في قيادة في الموصل، وهي مدينة يسكنها مليونا شخص، حيث قام بالمساعدة على قيادة قوة أميركية صغيرة والتنسيق مع وحدات العمليات الخاصة الأميركية والجيش والشرطة العراقيين. وازداد اعتماد القوات الأميركية على قوات الجيش العراقي في الشمال، التي تضاعفت أعدادها لما يزيد على ثلاث مرات، لتصل إلى 63.000 جنديا، أثناء جولة الفرقة. واعترف البعض في الفرقة بأنه في بعض الأوقات كان العراقيون يقومون بمهمات بدت تهدف إلى دعم سياسات الحكومة الشيعية في بغداد على حساب مصلحة قادة السنة المحليين. وسعت الفرقة أيضا إلى تعزيز العلاقات بين القادة المحليين والحكومة المركزية، بإقناع بعض أعضاء مجلس الوزراء بترك بغداد لأول مرة ليتمكنوا من لقاء الزعماء المحليين.

وكانت الحرب ضد الانتحاريات في الشمال هي الاختبار الحقيقي للقوات الأميركية. وكان من المستحيل العثور على سترة ناسفة مخبأة تحت عباءة فضفاضة ترتديها امرأة لأنه لا يمكن أن يفتش الرجال النساء. وكان هناك حل واحد لمحاربة فكرة أن التفجيرات مبررة دينيا. وكان الأميركيون يريدون أن يصلوا إلى اعتراف بأن على الأقل بعضا من السيدات اللاتي قمن بالهجمات كن مجبرات، على الرغم من أن بعضهن أرامل لإرهابيين وبعضهن دفعهن الغضب بسبب مقتل الأزواج والأشقاء والآباء.

ونظمت الفرقة مؤتمرا للنساء في أربيل وخاطب الجنرال هيرتلينغ المشاركات «قدموا لي قائمة بالسيدات الشجاعات اللائي يردن الانضمام إلى قوات الشرطة». وذهب الجنرال هيرتلينغ ومعه قائمة بأسماء المتطوعات إلى قائد الشرطة في محافظة ديالى، مركز التفجيرات الانتحارية التي تقوم بها سيدات. وبتردد بالغ، وافق القائد على إلحاق السيدات بالتدريب. وتخرجت أول دفعة مكونة من 27 شرطية في غضون أسبوع. واليوم يوجد أكثر من 60 سيدة في جميع أنحاء ديالى يعملن شرطيات مكلفات بمهام في الأسواق والمواقع العامة الأخرى للتفتيش عن الانتحاريات.

وسعى القادة أيضا إلى الاستعانة بالعراقيين لردع السيدات عن المشاركة في الهجمات. وتحقق الإنجاز عندما تم القبض على رانيا (التي تبلغ من العمر 15 عاما) قبل أن تنفجر السترة الناسفة التي ترتديها في إحدى نقاط التفتيش. وأخبرت المحققين بأنه تم إعطاؤها عصيرا جعلها تشعر بالدوار والغثيان، وتم وضع هذه السترة حولها قبل أن تُدفع باتجاه نقطة التفتيش. وسمحت المعلومات التي تم استخلاصها منها للأميركيين والعراقيين باستيعاب كيف يتم تجنيد بعض من هؤلاء السيدات على الأقل.

وأراد القادة الأميركيون أن ينشروا خبر أن رانيا وغيرها لسن انتحاريات طواعية، وأن قتل العراقيين الأبرياء لا يمكن الدفاع عنه كفعل ديني. ولكنهم أرادوا تحقيق ذلك بدون ترك البصمات الأميركية التي ربما تحول دون وصول الرسالة. وعقد الضباط الأميركيون جلسات مع ساسة ونشطاء وصحافيين عراقيين تم فيها تناول التهديدات الإرهابية. وقدموا معلومات عن التفجيرات الانتحارية من بينها شهادة رانيا. واقترحوا طرقا لتعزيز النقاش العام.

لكن يقول القادة إنه على العكس من الأيام الأولى للحرب، عندما كان الجيش الأميركي يكتب ويخرج حملات التوعية في وسائل الإعلام الإخبارية العراقية، وبل ويدفع للمراسلين المحليين، تُرك مضمون هذه المناقشات للعراقيين. ويقول الكولونيل داريل ويليامز، الذي أدار الوحدة التي تحلل آثار العمليات القتالية وغير القتالية في الفرقة: «لقد حاولنا أن نصل إلى دوافع هؤلاء الذين ربما يكونوا انتحاريين. وقدمنا اقتراحات ومعلومات. لكن لم يكن لدينا سيطرة على المحتوى الصحافي».

وقد سلطت وسائل الإعلام الإخبارية العراقية الضوء على الخبر، وقدمت مذيعة إذاعية في الشمال العراق حوارات حول قضية رانيا وأصبحت هذه من أشهر الحلقات في الإذاعة المحلية.

وفي الوقت الذي سلمت فيه الفرقة المدرعة الأولى قيادة شمال العراق للقوات العراقية في ديسمبر (كانون الأول)، كانت نسبة وجود انتحاريات في المنطقة قد انخفضت إلى حد كبير، على الرغم من أن هذا التهديد لم يختف تماما.

* خدمة «نيويورك تايمز»