منوشهر متقي: نلتزم بسيادة واستقلال البحرين.. ولا نرغب في فتح ملفات الماضي

أرفع مسؤول إيراني يدخل على خط الأزمة * مجلس الوزراء البحريني: التصريحات الإيرانية تهدف إلى إثارة الفتن

TT

فيما قال مجلس الوزراء البحريني إن التصريحات الإيرانية ضد البحرين تهدف إلى إثارة الفتن والاضطراب بالمنطقة، أكدت إيران أمس أنها لا ترغب في «إعادة فتح ملفات الماضي»، مؤكدة على التزامها بسيادة واستقلال البحرين، وذلك في اعتذار غير مباشر على تصريحات إيرانية شككت في سيادة واستقلال البحرين، وأحدثت ضجة عربية وعالمية واسعة. وجاء الاعتذار الإيراني على لسان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، وهو أرفع مسؤول إيراني حتى الآن يتحدث مع المسؤولين البحرينيين في محاولة لتوضيح موقف إيران من تصريحات مستشار المرشد الأعلى لإيران علي أكبر ناطق نوري حول أن البحرين المحافظة الرابعة عشرة لإيران.

وأكد وزير الخارجية الإيراني في رسالة شفوية إلى نظيره البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، التزام الحكومة الإيرانية بسيادة واستقلال مملكة البحرين، إضافة إلى التأكيد على أن «إعادة فتح ملفات الماضي ليست من صالح شعوب المنطقة»، مؤكدا على أن إيران «تتعامل بمسؤولية في ما يتعلق بالتصريحات وما أثارتها من ضجة».

وجاءت رسالة الوزير الإيراني خلال استقبال الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في مكتبه في الديوان العام لوزارة الخارجية صباح أمس، حسين أمير عبد الليهان السفير الإيراني في المنامة.

وكان وزير الخارجية البحريني قد استدعى في الحادي عشر من الشهر الجاري سفير طهران في المنامة، وأبلغه احتجاج البحرين رسميا على تصريحات إيرانية متكررة بشأن تبعية المملكة البحرينية لإيران، وكان لافتا حينها تأكيدات السفير الإيراني أن هذه التصريحات «لم تمس بأي شكل السيادة البحرينية».

وقالت مصادر بحرينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الخارجية الإيرانية لم تتعامل إيجابا مع أزمة التصريحات المشككة في استقلال البحرين، وإنها «اختارت طريقا طويلا لتطويق الأزمة»، موضحة أنه «في البداية انتظروا طويلا حتى تم استدعاء السفير الإيراني، الذي لم يقلها بصراحة، ثم اختار مسؤول إيراني محطة فضائية معروفة بعدائها للبحرين، وهي فضائية (العالم)، ليتراجع عن تصريحات رئيس التفتيش العام في مكتب قائد الثورة الإيرانية علي أكبر ناطق نوري»، وذلك في إشارة إلى تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي الذي أكد لـ«العالم» احترام طهران لسيادة البحرين واستقلالها. وأضافت المصادر البحرينية: «كان من الممكن أن تتدخل الخارجية الإيرانية منذ البداية وتطوق هذه التصريحات بإعلان صريح ومباشر، بدلا من سعيها للوصول إلى تأزيم العلاقات بين البلدين كما بلغته الأمور حاليا».

وخلال اللقاء الذي جمع أمس وزير الخارجية البحريني والسفير الإيراني، شكر الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة نظيره الإيراني على رسالته واهتمامه بالنسبة إلى التصريحات ومحاولته احتواءها، كما شكر الشيخ خالد الوزير الإيراني على اهتمامه بتطوير العلاقات بين البلدين لما فيه خير وصالح الشعبين الصديقين.

وقد أكد وزير الخارجية البحريني على أن بلاده واثقة من تأكيدات الحكومة الإيرانية في ما يتعلق بسيادة واستقلال مملكة البحرين، مشيرا إلى أن البحرين ترغب في علاقات أفضل مع جارتها إيران لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدا في الوقت ذاته على أن البحرين لا ترغب في العودة إلى الوراء وتطمح إلى علاقات قوية مع جميع جيرانها، كما أن مملكة البحرين «لا تقبل بالتعرض لسيادة أي بلد شقيق أو صديق أو قيادته». وكانت البحرين قد حذرت إيران من «جس نبضها» بإطلاق تصريحات تشكك في سيادة واستقلال البحرين بين الحين والآخر، واعتبر الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية البحريني لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، أن التصريحات الإيرانية الأخيرة بشأن تبعية البحرين هي تصريحات لا تنم عن جهل وأنها لم تأتِ من فراغ، وأنها «تزوير متعمد للحقائق».

وفي الإطار نفسه، أكد مجلس الوزراء البحريني أمس، أن التصريحات الإيرانية تسيء إلى جهود بناء الثقة بين الجانبين العربي والإيراني، «وتحول دون تعزيز الاستقرار والأمن لدعم التنمية، وتعود بالمنطقة إلى الوراء نحو عقلية الاستعمار والهيمنة التي عفا عليها الزمن، فمملكة البحرين عربية شديدة الاعتزاز بعروبتها واستقلالها وانتمائها إلى أمتها، وكأن هذه التصريحات والتدخلات تهدف إلى إثارة الفتن والاضطراب في وقت يعاني فيه العالم والمنطقة أزمة مالية حادة تتطلب التعاون والثقة حماية لمصالح الشعوب، فالمنطق يقتضي الاهتمام بالتعاون والبعد عن التصريحات اللامسؤولة واتخاذ ما يلزم لوقفها وعدم تكرارها».

وقال مجلس الوزراء في بيان بُعيد اجتماعه، إن البحرين قادرة على الدفاع عن نفسها «بكل الإمكانات والمقومات التي تملكها كدولة راسخة البنيان، إضافة إلى علاقاتها الثنائية والإقليمية والدولية التي بنتها طوال عهود بالأمانة والصدق والانفتاح على كل صديق محب للخير، والاعتماد، بعد الله سبحانه وتعالى، على تصميم شعب البحرين وعزمه ووحدته الوطنية التي حمت البحرين في كل الأوقات، وسيظل الصوت الوطني البحريني فوق كل الشبهات، ولن يتأثر بأي ادعاءات تمسّ وطنيته وهويته البحرينية الثابتة، ولشعب البحرين تاريخ طويل مشرّف في محاربة الاستعمار، وهذا ما شهد به التاريخ والعالم».

وشكرت الحكومة البحرينية «الأشقاء والأصدقاء» الذين بادروا لإظهار الدعم والمساندة للبحرين حيال تلك الادعاءات المتهافتة التي أبطلها المجتمع الدولي منذ زمن بعيد بمؤسساته كافة، بناء على موقف شعب البحرين ورفضه المسّ بعروبته وسيادة بلاده وكيانها الوطني الشرعي».

إلى ذلك، استنكر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالبحرين، وهو أعلى سلطة دينية لجميع الطوائف بالبحرين، التصريحات «المستهجَنة والمتكررة الصادرة عن عدد من المسؤولين الإيرانيين والتي تضمنت المساس بسيادة ووحدة مملكة البحرين وانتمائها الإسلامي العربي وما تضمنته من تكذيب للواقع وتزييف للحقائق الثابتة على مر التاريخ».

وأكد المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية على خطورة مثل هذه التصريحات «غير المسؤولة»، وما تشكله من تهديد لمسيرة العلاقات المشتركة بين البلدين، «وعلى الوحدة الإسلامية التي تحترم كيانات كل دولة من الدول الإسلامية»، كما نوه المجلس على ضرورة الالتزام والأخذ بمبدأ حسن الجوار وقيم الأخوة الإسلامية التي أرشد إليها الدين الإسلامي، «والتي تحقق وتكفل نعمة الأمن والأمان والاستقرار لشعوب المنطقة وتدرأ عنها شرور وويلات الفتن والنزاعات والصراعات».

إلى ذلك، جددت الكويت وتونس إدانتهما للتصريحات الإيرانية. وقالت مصادر رسمية تونسية إن تونس عبرت عن أسفها للتصريحات. ونقلت صحيفة «لابيراس» الحكومية في تونس والناطقة بالفرنسية، عن مسؤول بوزارة الخارجية، قوله إن ذلك يأتي «انطلاقا من تمسك تونس بمبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها». وأضاف المسؤول بوزارة الخارجية التونسية أن بلاده «تأسف لما صدر من تصريحات تمس سيادة مملكة البحرين واستقلالها أو تشكك في عروبتها، والتي تتعارض مع مبادئ حسن الجوار والروابط الأخوية التي يجب أن تسود علاقات الدول الإسلامية». كما جددت الكويت التأكيد على الاستياء والاستغراب من التصريحات الإيرانية التي تمس سيادة واستقلال مملكة البحرين والتي لا تخدم إطلاقا التوجه نحو علاقات طبيعية بين دول مجلس التعاون وإيران تقوم على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة بين الجانبين.

جاء ذلك على لسان وكيل وزارة الخارجية الكويتي خالد الجار الله في تصريحات صحافية أمس، في ردوده على أسئلة الصحافيين عقب مشاركته في توديع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ د. محمد الصباح، قبيل مغادرته الكويت متوجها إلى الرياض لحضور الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية والمالية لدول مجلس التعاون. وقال الجار الله إن هذا الاجتماع سيبحث هذه التصريحات الإيرانية ضد مملكة البحرين، وسيكون هناك موقف واحد يعبر عن رأي خليجي تجاه هذا الموقف. وشدد الجار الله على أن نفي طهران لتصريحات ناطق نووي بشأن إيران غير كاف «حيث إن هناك استياء منها، ومن المؤسف تكرار مثل هذه التصريحات، ونتمنى أن تقف بشكل نهائي لبدء صفحة جديدة تقوم على أساس العلاقات المتبادلة المبنية على عدم التدخل وعدم الإساءة».

على صعيد ذي صلة، قال وزير الدفاع الفرنسي هيرفيه موران إن المشروع النووي الإيراني يعد عنصرا من عناصر الخلل وعدم التوازن في المنطقة، محذرا إيران من المضي في أنشطتها النووية، مطالبا السلطات الإيرانية بالتعاون بشكل شفاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن تسهم في جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، معتبرا أن مشروعها النووي «يهدد دول المنطقة والعالم». وأكد الوزير الفرنسي في مؤتمر صحافي عقده أمس في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أن بلاده ودول الخليج ترغب في الدخول في حوار مع طهران للقضاء على هذه المشكلة «التي يعاني منها العالم». وقال إن دولة الإمارات العربية المتحدة بالنسبة إلى فرنسا شريك حقيقي، كما يظهر ذلك من خلال الاتفاقية الموقعة بين البلدين في مجال الدفاع عام 1994، والعلاقة بين البلدين ترتكز على حوار سياسي مستمر، وبخاصة في الموضوعات المتعلقة بأمن المنطقة.

وكشف وزير الدفاع الفرنسي أن القاعدة الفرنسية في دولة الإمارات، سيتم افتتاحها في شهر مايو (أيار) المقبل.