المحكمة الجنائية الدولية تصدر قرارها حول مذكرة توقيف البشير في 4 مارس

القرار سيعلن على موقع المحكمة.. الناطق باسم يوناميد لـ«الشرق الأوسط»: سنبقى لحماية المدنيين

TT

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي أمس أنها ستصدر في الرابع من مارس (آذار) المقبل، قرارها بشأن طلب إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، الذي يتهمه مدعيها العام لويس أوكامبو، بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم بحق الإنسانية في دارفور، وفيما ترجح مصادر حقوقية ودبلوماسية، صدور قرار بالموافقة على مذكرة أوكامبو، إلا أنها أشارت إلى احتمال استبعاد تهمة الإبادة الجماعية. وقللت الخرطوم من شأن الخطوة، وأرسلت تضمينات للبعثات الدولية، إلا أن مخاوف تساور مسؤولين دوليين من مخاطر قد تواجه قوات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (يوناميد) الموجودة في دارفور، في حال صدور قرار بإيقاف البشير، إلا أن قائد هذه القوة أكد لـ«الشرق الأوسط» أن قواته ستبقى لحماية المدنيين في دارفور واستبعد الرحيل عن المنطقة كما أشارت أنباء أخيرا. وينتظر صدور هذا القرار بشدة، نظرا لأن البشير هو أبرز الشخصيات التي لاحقتها المحكمة منذ تأسيسها عام 2002، وأول رئيس يمكن أن يوجه له اتهامات من مثل هذا النوع وهو ما زال على السلطة. وجاء في بيان صادر عن المحكمة الجنائية الدولية أن «القرار سيعلن كما جرت العادة عن طريق بيان صحافي عادي وسينشر على موقع المحكمة الإلكتروني». وكان مدعي المحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو طلب في 14 يوليو (تموز) 2008 من قضاة المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني بتهمة ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور بغرب السودان الذي يشهد حربا أهلية منذ 2003. وأوضحت الغرفة الابتدائية الأولى للمحكمة في قرار نشر على موقع المحكمة الإلكتروني أنه «ظهرت العديد من الشائعات في الأسابيع الأخيرة بشأن الموعد المحتمل لإعلان القرار وبشأن القرار نفسه الذي ستتخذه الغرفة». ومن ثم قررت الغرفة الإعلان مسبقا عن موعد إصدار قرارها. واستنادا إلى مدعي المحكمة الذي يحقق منذ 2005 بشأن دارفور بموجب قرار لمجلس الأمن فإن الرئيس السوداني عمر البشير «لديه نية الإبادة». وأكد في طلبه «لقد استهدف بطريقة محددة ومخطط لها مدنيين ليسوا طرفا في أي نزاع بنية القضاء عليهم كمجموعة».

وأشار الاتهام إلى أن السكان المستهدفين وهم ينتمون إلى قبائل الفور والمساليت والزغاوة تعرضوا للقتل والاغتصاب والتعذيب والنهب والنزوح القسري. وإذا تقرر إصدار هذه المذكرة فإنها ستكون الأولى التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس دولة يمارس مهام منصبه.

وقللت الحكومة السودانية من أهمية الخطوة، وقالت إنها «لن تسلم البشير» ولن تعير أي قرار في هذا الخصوص أي اهتمام وستمضي قدما في خطواتها لتحقيق السلام والاستقرار في إقليم دارفور، وأرسلت تطمينات إلى البعثات الأجنبية في السودان بأنها ملتزمة بكل تعهداتها الدولية حيال البعثات الأجنبية المعتمدة في السودان.

وقال الناطق باسم الخارجية علي الصادق لـ «الشرق الأوسط» إن حكومته لن تسلم البشير أو أي سوداني إلى أية جهة، وأضاف «كما أننا لا نعير أي اهتمام بما سيصدر عن المحكمة الجنائية في أي وقت حول السودان»، وكشف الصادق أن حكومته ستمضي إلى الأمام لتحقيق السلام في البلاد وفي إقليم دارفور عبر 3 محاور هي: تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بنشر 26 ألفا من القوات الأفريقية والدولية لحفظ السلام في الإقليم «قوات يوناميد»، والثاني تنفيذ مبادرة الرئيس عمر البشير المعروفة بمبادرة أهل السودان لتحقيق المصالحة في دارفور وتأمين معسكرات النازحين وترتيبات عدوة للاجئين والنازحين إلى ديارهم ونقل المعونات للمستحقين في الإقليم، والثالث إنجاح التسوية السياسية للأزمة في دارفور عبر المفاوضات التي انطلقت أخيرا في العاصمة القطرية الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة المسلحة في دارفور تحت الوساطة القطرية والوساطة الأفريقية الأممية. ونوه الصادق في هذا الشأن على الدور العربي عن طريق الجامعة العربية والدول العربية والدور الأفريقي والأممي لدفع عملية سلام دارفور إلى الأمام. وردا على سؤال حول مخاوف بعض الجهات الأجنبية في السودان من احتمال تعرضها لردود فعل غاضبة بعد صدور القرار، قطع الصادق بأن وزارة الخارجية السودانية ملتزمة بتعهداتها الدولية المعروفة حيال السفارات الموجودة في الخرطوم والبعثات ووكالات ومنظمات الأمم المتحدة في البلاد. وردا على سؤال حول مدى تأثير صدور القرار على تحركات الرئيس عمر البشير، أكد الصادق أن الرئيس البشير يمارس عمله كالمعتاد وينفذ برامجه الداخلية والخارجية كما هو مرتب لها، وقال «هذا موضوع خاضع لتقديرات مستمرة لأنه رئيس جمهورية».

وفي تصريحات صحافية، اعتبر الصادق إشادة بابا الفاتيكان باتفاق النوايا الحسنة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة الموقع في الدوحة بأنها تأتي كإضافة ذات قيمة مقدرة في الدعم الدولي الذي وجده الاتفاق، وقال: إننا نشجع ما صدر عن بابا الفاتيكان من دعوات للمجتمع الدولي من أجل تحقيق السلام في دارفور بعيدا عن الضغوط والتهديد والابتزاز السياسي، وأضاف أن اتفاق النوايا الحسنة وبناء الثقة قد حظي بمباركة وتأييد دولي كبير.

في السياق، قال نور الدين المازني الناطق باسم القوات المشتركة الأفريقية الأممية «يوناميد» لحفظ السلام في دارفور لـ«الشرق الأوسط» إن قوات «يوناميد» ليست لها أية علاقة بالمحكمة الجنائية الدولية وقراراتها. وأضاف أن بعثة «يوناميد» باقية في دارفور حسب التفويض الممنوح لها وتفويضها معروف وهو حماية المدنيين في دارفور من أجل دعم السلام والاستقرار في الإقليم، ومضى «نحن جهاز مستقل له مهمة محددة ورسالة نبيلة نقوم بها في دارفور في إطار تفويض معروف.. وماضون في ذلك الاتجاه». وتوقع الناطق باسم «يوناميد» المازني أن يتم انتشار القوات في الإقليم بنسبة عالية في الفترة المقبلة، وكشف أن نسبة الانتشار الآن تجاوزت 64% بعدد حوالي 15 ألفا و204 جنود وشرطيين.

من جهتها عبرت الحركات المسلحة في دارفور عن فرحتها عن تحديد موعد إعلان توقيف البشير، واعتبرت أن السودان أصبح مقبلا على عهد جديد بتحقيق العدالة. ودعا اتحاد أبناء دارفور في المملكة المتحدة وايرلندا السودانيين إلى الخروج في تظاهرات للتعبير عن فرحتهم.

وقال رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي أن إعلان المحكمة الابتدائية بصدور قرار توقيف البشير يعتبر من الأخبار السارة التي ظل السودانيون عامة وأهل دارفور بصفة خاصة ينتظرونه، وأضاف «هذا انتصار لرحلة طويلة من معاناة أهل الإقليم والإعلان قضية قانونية»، مناشدا العالم الوقوف إلى جانب تحقيق العدالة وأن يؤيد قرار إيقاف البشير، وتابع «العالم أصبح أمام قانون جديد بأن من يرتكب إبادة جماعية وجرائم حرب لا يمكن أن يكون بعيداً عن العدالة»، داعيا الدول التي تحاول أن تستخدم المادة 16 من ميثاق روما لتأجيل أمر القبض على البشير ألا يفكروا في شخص واحد وهناك مئات الآلاف تم قتلهم والملايين تم تشريدهم في الداخل والخارج. من جهته قال الناطق باسم حركة العدل والمساواة أحمد حسين آدم لـ«الشرق الأوسط» إن السودانيين كانوا ينتظرون هذا اليوم الذي سيعلن فيه قضاة لاهاي قرارهم بتوقيف البشير، واصفا القرار انتصارا لضحايا القتل والإبادة في الإقليم ولكل السودانيين الذين تضرروا من سياسات الحكومة.

وهذه المحكمة هي المحكمة الدائمة الوحيدة المختصة بمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة. وقد سعى السودان، مدعوما من الدول العربية الأفريقية، إلى إقناع مجلس الأمن بتعليق اتخاذ أي إجراء ضد الرئيس البشير لمدة عام قابلة للتجديد. وقد سبق أن أصدرت المحكمة في مايو (أيار) 2007 مذكرات توقيف ضد وزير الشؤون الإنسانية السوداني أحمد هارون وزعيم ميليشيا الجنجويد المزعوم الموالية للحكومة علي كوشيب لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويرفض البشير حتى الآن تسليم الاثنين.

كما طلب أوكامبو في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 من قضاة المحكمة الجنائية الدولية أصدر مذكرات توقيف ضد ثلاثة زعماء متمردين لاتهامهم بجرائم حرب. وهم متهمون بقيادة هجوم قتل خلاله 12 جنديا من قوة السلام الأفريقية في 29 سبتمبر (أيلول) 2007 في حسكينيتة. ولم يصدر القضاة قرارهم بعد في هذا الشأن.