شاهد عيان: هرولت بالسائحة الفرنسية القتيلة إلى عربة شرطة والأهالي يصيحون: مدد يا حسين

«الشرق الأوسط» في منطقة الانفجار الإرهابي في حي الحسين وسط القاهرة

شرطي مصري في حوار مع سائح أمس (أ.ب)
TT

«مدد.. يا حسين.. مدد».. في لحظة تحولت هذه العبارة من نجوى داخلية خاصة، إلى نشيد جماعي، صرخت به حناجر المئات من أهالي حي الحسين بوسط العاصمة المصرية القاهرة، إثر التفجير الإرهابي الذي ضرب الحي السياحي الشعبي العريق مساء أول من أمس، وبدل لحظات المرح والسمر على وجوه زواره من السياح العرب والأجانب، إلى لحظات مسكونة بالخوف والقلق. وكان عبوتان ناسفتان قد وضعتا تحت مقعد حجري، انفجرت إحداهما مخلفة مقتل سائحة فرنسية، وإصابة 24 آخرين، بينما لم تنفجر الثانية وتمكن رجال مكافحة المفرقعات من إبطال مفعولها.

لكن أجواء الحي سرعان ما تلبدت، فقد انتشرت فرق من قوات الأمن في كل الأرجاء، خبراء مفرقعات يفتشون هنا وهناك، وأبواق سيارات الإسعاف تدوي حاملة المصابين، وصيحات الأهالي تتعالى «مدد .. ياحسين» .. وبدا المكان أشبه بساحة الحرب.

«الشرق الأوسط» اخترقت الحواجز الأمنية وعاشت هذه الأجواء: فإلى بازار البدري المجاور للباب الخلفي لفندق الحسين دلفت سائحة فرنسي في السابعة عشرة من عمرها تقريبا، اختارت أربع قطع من الأشكال الفرعونية المغناطيسية وهمت بإخراج عدد من أوراق اليورو، لكن الشاب المصري سيد طرابيشي، 30 عاما لم يكن يرغب في البيع والشراء في هذا الوقت لأنه كان يشاهد بتركيز مباراة كرة القدم لناديه المفضل الأهلي، فأصر على أن تدفع له بالجنيه المصري حتى ترحل، لكنها أصرت أن تأخذ القطع وقالت له إنها ستذهب لأهلها عند مكان تجمع الوفد الأجنبي لتحضر له عمله مصرية، فقام ووضع القطع الأربع في حقيبة على شكل فرعوني، وطلبت منه السائحة الشابة أن يتبعها أمام الفندق بالقطع لأن الوفد الذي يضم عائلتها تجمع وعلى وشك الرحيل. وبينما هي تقترب من الفوج وسيد يتبعها حتى انفجرت القنبلة ووجد الفتاة قد اشتعلت لأن القنبلة انفجرت عند موقع قدميها ارتمت البنت على الأرض. يقول سيد وجسده يرتعد: «كانت الساعة حوالي السادسة والربع بعد صلاة المغرب وكنت أتبعها لأعطيها القطع ولم أصدق نفسي وأنا أراها تصرخ وتحترق وتقع على الأرض، وهي التي كانت تتحدث معي من ثوان معدودة، وقد طمس الحريق جسدها وغطت الدماء شعرها الأصفر، وقميصها الأبيض وبنطالها البني الفاتح الذي كانت ترتديه».

يتابع سيد: «وقعت الحقيبة من يدي وتناثرت القطع وجريت لأحملها، كان هناك مصابون آخرون أعتقد أن معظمهم من أهلها، وبرغم أن الناس كانت تجري بعيدا عن مكان الحادث خائفين من أن تحدث انفجارات أخرى، جريت عليها وحملتها وكانت النار قد أحدثت ثقوبا بمناطق كثيرة بجسدها. وكذلك حمل محسن وهو شاب يعمل سايسا في المنطقة طفلة فرنسية حوالي 12 عاما من العمر، كانت حالتها خطيرة لكن حالة الفتاة التي كنت أحملها كانت الأخطر. وبحثت عن عربة إسعاف فلم أجد فوضعتها في عربة شرطة لتحملها إلى المستشفى. لقد شعرت وأنا أحملها أنها أختي فأحسست بالإهانة والظلم». وأشار سيد بتأثر شديد إلى ملابسه قائلا «ها هي آثار دمائها على ملابسي، لا يمكن أن يكون من فعل ذلك إنسانا طبيعيا.. لابد أنه مختل عقليا». كان سيد أثناء حديثنا معه يرتدي بلوفر أصفر وسروالا بنيا فاتحا وكانت آثار الدماء واضحة بقوة على ملابسه. يقول سيد إنه منذ عمل في هذه المنطقة لم يحدث مثل هذا الحادث المروع إلا حادث الموسكي الذي ساهم في كساد السياحة في الحسين لمدة 6 أشهر، متسائلا بتحسر: «فما بالك بحال السياحة مع حادث داخل الحسين نفسه؟». ويتحدث سيد عن الأجواء التي سادت بعد الانفجار فقال إن الناس كانوا يتحدثون عن قنبلتين ألقيتا من الكافيتريا التي تقع بالدور الرابع لفندق الحسين الذي يمتلكه إبراهيم أبو المجد، وأن محمد الزغبي صاحب محلات الدهان للكباب المجاور للفندق أسرع إلى إغلاق باب الفندق حتى لا يهرب الجناة حيث تم رؤية منقبتين.

ويعتقد سيد أن تلك (المنقبتين) خدعة رتبها الجناة للتمويه وأن القنابل وضعت من أحد الجالسين أو المارين وعندما وقع الحادث خرج صوت من الجناة يقول إن الجاني بالكافيتريا وأنه تم رؤيته حتى يهرول الأمن إلى أعلى. تصور سيد عن الحادث يتطابق إلى حد كبير مع ما قاله لنا الطفل سامي أحمد سامح، 13 عاما ابن صاحب قهوة السنوسي. وحسب سامح الذي كان يقف في الطابق الأعلى من مبني القهوة فإنه رأى رجلا رفيعا يرتدي ملابس رياضية بيضاء يضع شيئا على الأرض بجوار «التندة» الرخام التي تفجرت بعد الحادث وبعد أن رحل بفترة قليلة انفجرت القنبلة وهرول الطفل للداخل.

الحاج محمد دقدق، يعمل في قهوة السنوسي المجاورة لفندق الحسين، يتملكه الخوف مثله في ذلك مثل معظم العاملين بهذا المكان، من أن يتسبب هذا الحادث في قطع عيشهم، كان يجلس حزينا يشاهد ضباط الأمن المنتشرين. وقال الحاج دقدق لـ «الشرق الأوسط» «إن من قام بالحادث لا يستحق أن يكون إنسانا لأن هؤلاء السياح يساهمون في «فتح بيت» عشرات العائلات»، مضيفا أنه يخشي أن تساهم الصحافة بشكل خاطئ في تدعيم الصورة المخيفة للمكان، في حين أنه شهد الحادث ولم يكن هناك غير صوت دوي قوي تسبب في انفجار أذن سائح ألماني كان يمر أشار إلى الرصيف المقابل للقهوة حيث آثار الدماء كانت مازالت على الرصيف آنذاك. وأضافت سيدة عبد المعطي، صاحبة مقهى الحرمين المجاور لمسجد الحسين أنها لا تعرف من أين جاء الانفجار، لكن صوته هز الناس في بيوتها وأسرتها، «وأنا أصبت بالذعر فهرولت من بيتي بالحي إلى القهوة فوجدت بعض السياح مختبئين بها ومنهارين من البكاء». عارف علي زكريا قهوجي بمقهى الزهراء الذي وقعت أمامه الحادثة مباشرة يقول إنه كان يرى هذا الطفل المصري البالغ من العمر، 11 عاما، ذا البشرة السمراء والجسد الهزيل منذ فتره قليلة، يأتي كل يوم ليبيع السلاسل والخواتم للسياح ولم يكن يعرف اسمه، وقبل الحادث بثوان كان يخدم على بعض السياح ولمح هذا الطفل يندس بين الفوج الفرنسي، يحاول أن يبيع لهم وفجأة وقع الحادث في نفس المكان الذي يقف فيه الولد فوقعت الصينية من يده وهرول إليه وهو بين الحياة والموت، وقد تسببت الشظايا في تآكل رجليه ويديه. يقول عارف «حملته وأنا أبكي، وأتساءل أين أهله، وكان على يميني وشمالي سياح مصابون ولكني لم أر غيره ولم أتمالك أعصابي لأوقف تاكسي ولكني حملته جريا إلى مستشفى الحسين، وكان أول حالة تدخل المستشفى حيث لم يكن يعلم أحد بالحادث». وأضاف عمار بأسى: «زرته بعد ذلك في المستشفى لكنني لم أستطع الدخول إليه لأنه كان في العناية المركزة قائلا إنه «لابد من محاسبة الجاني لأن الطفل كان منظره أبشع من التصور». وبنبرة ممزوجة بالألم والمرارة قال محمود إبراهيم عامل بأحد المقاهي المجاورة لمكان الحادث «حسبي الله ونعم الوكيل رزقنا انقطع لفترة لا يعلمها إلا الله» وأضاف: «كنت أقف خارج المقاهي ألبي طلبات الزبائن وكنت موليا ظهري لمكان الانفجار، وفجأة سمعت صوت ارتطام شيء يلقى من أعلى وعندما التفت لأرى ماذا يحدث شاهدت الانفجار على الرصيف المواجه حيث كان يجلس فوج أجنبي. توجهنا على الفور لإنقاذ المصابين ونقلنا بعضهم إلى ساحة المسجد بعيدا عن القنبلة الثانية التي لم تنفجر». وأشار محمود إلى أن جراح المصابين كانت عبارة عن تهتكات في البطن والساقين.

أما إبراهيم جاد وهو بائع في أحد البازارات المنتشرة في المنطقة، فيقول «كنت أجلس داخل المحل وفي حوالي الساعة السابعة فوجئنا بانفجار مدو أمام المحل وساعدنا في نقل الجرحى بعيدا عن المكان، ولكن همنا الأكبر كان إحاطة القنبلة الأخرى التي لم تنفجر بعدد من أكياس الرمل حتى لا تحدث أضرارا في حال انفجارها.. منهم لله كنا نسينا هذه العمليات الإرهابية منذ فترة طويلة».ويروي أيمن حسن: «كنت أجلس على أحد المقاهي ومعي صديق جزائري يزور مصر، بعد الانفجار أخذنا نجري في كل اتجاه، وكان يجلس معنا على المقهى رجل ملتح وسيدتان منتقبتان أخذ البعض يشير إليهم قائلين: الإرهابيين.. الإرهابيين، إلا أنه أكد أنه لم ير منهما أي تصرفات مريبة ولا يعرف من أين جاءت القنبلة. وتحكي مولي فيون سائحة فرنسية في الرابعة والعشرين من عمرها: «كنت أجلس على مقهى بخان الخليلي مع صديق مصري وسمعت صوت انفجار ضخم هز المقهى الذي كنا نجلس فيه، وقمنا مسرعين لنرى ماذا حدث ففوجئنا بالضحايا ينزفون ومنعنا رجال الأمن من الاقتراب منهم لمساعدتهم». تضيف مولي «العمليات الإرهابية تحدث في كل مكان، ولا أعتقد أن هذا الحادث سيمنعني من زيارة مصر ثانية».