مشردو الحرب في غزة يحتمون من المطر بركام منازلهم

بعد أن عصفت الرياح بخيامهم الجديدة

TT

سابق جميل عوكل وولده الريح، وهما يهرولان مسرعين صوب ركام منزل العائلة الذي يبعد 200 متر عن معسكر «الخيام» الذي يعيشون فيه، بعدما تسببت العواصف الشديدة والأمطار الغزيرة التي هطلت بدون توقف على المنطقة مرة أخرى، في اقتلاع الخيام وتطايرها لمسافات بعيدة. وبمجرد أن وصل الاثنان إلى ركام المنزل احتميا في غرفة صغيرة في طرف المنزل لم يسقط سقفها بينما انهار أحد جدرانها، ووقف كل منهما في زاوية من زوايا الغرفة وظلا يرتجفان من شدة البرد، حتى أصبح الصباح. جميع نزلاء معسكر «الخيام» المقام بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، لإيواء الأهالي الذين أضحوا بدون مأوى بعد أن دمرت الحرب الإسرائيلية منازلهم، هاموا على وجوههم. وكما يقول عوكل فإنه تحمل عناء البرد في الغرفة، ولم يرغب في التوجه للالتجاء في بيت من البيوت في المنطقة التي لم تدمر، قائلا إنه لم يرد إزعاج الناس في ساعة متأخرة من الليل، سيما أن التيار الكهربائي قد قطع ويسود الظلام الدامس. ولجأ الكثير من نزلاء المخيم لنفس السبب إلى ركام المنازل للاحتماء ببعض الغرف التي لم تسقط. لكن ليس كل نزلاء المخيم كالشيوخ والنساء والأطفال كان بإمكانهم تسلق الركام في ظل البرد والمطر، والالتجاء إليه. ولتفادي المطر وضعت الحاجة آمنة الجندي التي تجاوزت السبعين عاماً، على رأسها كيسا من النايلون للاحتماء من المطر وأخذت طريقها صوب أحد البيوت القريبة، ولحسن حظها أن أصحاب المنزل كانوا مستيقظين، ففتحوا لها الباب فور طرقه. ورغم العناء الشديد والإعياء الكبير، إلا أن الحاجة آمنة تشعر بارتياح شديد لأن أيا من أحفادها الأطفال ليسوا معها، مشيرة إلى أن أحفادها أصيبوا بوعكات وإسهال ومغص في المرة السابقة عندما اقتلعت الرياح الخيام وهم نيام تحتها. وتمكن الكثير من الآباء والأمهات الذين كانوا في المعسكر، من إيداع أطفالهم لدى أقاربهم في المنطقة أو في مناطق أخرى.

واللافت للنظر أن جميع معسكرات «الخيام» التي أقيمت لإيواء مشردي حرب الأسابيع الثلاثة الإسرائيلية، سواء في محيط بلدة بيت لاهيا، أو إلى الشرق من مخيم جباليا، أو في حي الشجاعية، أو في مدينة رفح، أقيمت في مناطق مفتوحة، الأمر الذي جعلها أهدافا سهلة للرياح العاتية التي ضربت المنطقة. ويقدر عدد الفلسطينيين الذين ظلوا بدون مأوى بعد تدمير منازلهم جراء الحرب بخمسين ألف شخص، معظمهم في مدينة غزة وشمال القطاع، حيث كانت هذه المنطقة ساحة العمليات العسكرية الإسرائيلية الرئيسية.

لكن كثيرا من العائلات التي دمرت منازلها ونجحت في استئجار شقق للإقامة فيها، تعاني من نقص الأثاث، وتحديداً الفراش والغطاء، في ظل اختفاء أسرة النوم والحشيات (المراتب) من الأسواق بفعل الحصار. معظم العائلات التي دمرت منازلها حصلت على المساعدات الحكومية الطارئة التي قدمتها الحكومة المقالة التي تبلغ قيمتها 4 آلاف يورو، فضلا عن أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تقوم في أغلب الحالات بدفع تكاليف أجرة الشقق، إلا أن هذه العائلات غير قادرة على شراء حشيات (مراتب) بسبب نفادها من السوق. حمدان نوير من مخيم النصيرات للاجئين، وسط القطاع والذي دمر منزله في القصف الإسرائيلي ويقطن في شقة استأجرها يقول إنه وأفراد عائلته العشرة ينامون على ست مراتب فقط، مؤكداً أن المعاناة الناجمة عن نقص الفراش تتضاعف في فصل الشتاء بفعل البرد الشديد.