دبلوماسي «العصا الغليظة والكلام الناعم».. مستشار خاص لكلينتون للخليج وإيران

دنيس روس يعود للمنطقة لوضع «أفكار جديدة» * أردوغان: على حماس الاعتراف بإسرائيل

دنيس روس, الثاني من اليمين, مع سوزان رايس سفيرة أميركا في الأمم المتحدة وديفيد اكسيلرود مستشار اوباما (أ.ف.ب)
TT

في خطوة قد لا تريح الكثيرين وسط التيار المحافظ في إيران، عينت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دنيس روس، الخبير المخضرم في شؤون الشرق الأوسط، «مستشارا خاصا» لشؤون الخليج ومنطقة جنوب غرب آسيا التي تشمل إيران. وكمستشار خاص سيقدم روس نصائح استراتيجية وتصورات حول المنطقة إلى وزيرة الخارجية الأميركية وكبار المسؤولين بوزارة الخارجية، كما سيعرض تقييمه للأوضاع وسيتحرك من أجل ضمان سياسات أميركية فعالة ومتسقة حيال المنطقة، كما سينسق مع المسؤولين الكبار في الخارجية فيما يتعلق بأفكار وصيغ جديدة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وغرب آسيا. وقالت جولي ريسيد المتحدثة باسم الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن منصب روس كـ«مستشار خاص» مختلف عن منصب جورج ميتشل كـ «مبعوث خاص»، موضحة أن روس لن يتفاوض بنفسه في أي من ملفات المنطقة. وتابعت: «دور روس سيكون إعطاء وزيرة الخارجية نصائح استراتيجية لتطوير سياسات أميركية طويلة المدى. لن يكون مفاوضا، بل سيكون واضعا للخطوط الاستراتيجية للطريقة التي ينبغي أن نتحرك بها حيال إيران والخليج. سيكون من مهامه السفر والتحدث مع المسؤولين، لكنه لن يكون مفاوضا بشكل مباشر»، دون أن تستبعد أن يقوم روس بجولة قريبة للشرق الأوسط. وأوضحت ريسيد أن الخارجية الأميركية ما زالت تراجع وتقيّم سياساتها حيال إيران التي بدأت منذ تولي الرئيس الأميركي باراك أوباما. وتعيين روس هو استكمال لما بدأته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من تعيين مسؤولين أميركيين بارزين في مناصب مبعوثين خاصين. فقد سبق ذلك تعيين ريتشارد هولبروك في منصب «ممثل خاص» لباكستان وأفغانستان، وتعيين ميتشيل «مبعوث خاص» للشرق الأوسط. ومثل ميتشيل يتمتع روس بخبرة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وإن كانت سمعته كـ«صقر» تتجاوز سمعة ميتشيل، فروس من المدافعين بشدة عن مبدأ «العصا والجزرة» في السياسة الخارجية الأميركية، ومن المنتقدين لسياسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش فيما يتعلق بإيران وسورية. وكان روس قد قال في حوار مع «الشرق الأوسط» في ديسمبر (كانون الأول) عام 2006 إن مشكلة إدارة جورج بوش هي أنها لم تحدد بدقة لا «العواقب» ولا «المحفزات» فيما يتعلق بسورية وإيران، موضحا: «المشكلة أنه ليس لدى واشنطن وضوح في العواقب والمحفزات. التحدي أمامنا هو فصل السوريين عن الإيرانيين، وإقناعهم بوقف تسليح حزب الله، ووقف دعم عناصر حماس في الخارج. كي أفعل هذا لابد من نهج متشدد. إدارة بوش في ولايتها الأولى أرسلت 3 مرات مبعوثا رفيع المستوى إلى بشار الأسد. حمل وعودا وتحذيرات، غير أن الإدارة الأميركية لم تنفذ الوعود ولا التهديدات. قدمت إدارة بوش 15 طلبا إلى سورية، ولم يعرف السوريون ما هي الطلبات الأكثر أهمية، وإذا فعلوا شيئا لم يعرفوا ما الذي سيحصلون عليه في المقابل، أو ما هو العقاب باستثناء الكلمات المتشددة. بمعنى آخر سياساتنا عنيفة لغويا، ناعمة فعليا. على عكس ثيودور روزفلت الذي قال: تحدث بلطف واحمل عصا غليظة. هذه الإدارة تتحدث بصوت عال وتحمل عصا صغيرة».

وسيكون على روس التنسيق مع ميتشيل وهولبروك، في ضوء تشابك دور إيران في الشرق الأوسط وعلاقتها بحماس وباقي الفصائل الفلسطينية في دمشق وحزب الله في لبنان، بالإضافة إلى تشابك علاقات إيران في أفغانستان وباكستان، وهي التشابكات التي دعت الاتحاد الأوروبي لطهران للمشاركة في مؤتمر خاص حول الأمن في أفغانستان يحضر له حاليا. وبحسب معلومات «الشرق الأوسط» فإن روس قد غادر منصبه كباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومن المقرر أن يستقر في الخارجية الأميركية خلال أيام لبدء مهام عمله.

وقال روبرت وود المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان أن وزيرة الخارجية الأميركية «يسرها الإعلان عن تعيين دنيس بي. روس مستشارا خاصا لدى وزيرة الخارجية للخليج وجنوب غرب آسيا». ولم يذكر البيان الذي صدر من دون ضجيج إعلامي ليل أول من أمس، إيران بالاسم، التي تعتبر الهدف الأساسي لهذا التعيين المنتظر منذ بضعة أسابيع.

وقال وود «هذه منطقة تخوض فيها أميركا حربين (العراق وأفغانستان) وتواجه تحديات مع استمرار الصراع والإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل وفي الحصول على الطاقة والتنمية الاقتصادية ودعم الديمقراطية وسيادة القانون». وأوضح وود أنه في ضوء كل هذه التحديات «سيكون علينا إكمال سياستنا ووضعها موضع التنفيذ وهو ما سيقوم به عدد كبير من المكاتب وكبار مسؤولي وزارة الخارجية». وأضاف «سيكون عليه، روس، بشكل أكثر تحديدا أن يقدم لوزيرة الخارجية ومسؤولي الوزارة وجهة نظره الاستراتيجية ومعرفته بالمنطقة.. سيعرض تحليله وسيعمل على التأكد من ملاءمة وتماسك سياستنا في المنطقة وسينسق مع المسؤولين الآخرين من أجل وضع أفكار جديدة لسياساتنا، وسيشارك، بناء على طلب وزيرة الخارجية، في أنشطة حكومية مرتبطة بالمنطقة». وخلص وود إلى أن «روس يقدم خبرة واسعة ليس بشأن مشاكل المنطقة فحسب، بل أيضا بشأن التحديات السياسية والعسكرية الأكثر اتساعا التي تثيرها هذه المنطقة والتي يتعدى أثرها الخليج وجنوب غرب آسيا»، مضيفا أن «وزيرة الخارجية ستكون سعيدة بالاستعانة بخبرته ورؤيته الدبلوماسية».

ويعد الانتشار النووي ودور إيران في القضايا الإقليمية نقطتي الخلاف الرئيسيتين مع إيران التي تواصل برنامج تخصيب اليورانيوم المثير للقلق رغم مطالبة الغرب لها بوقفه، كما تواصل سياسات تعتبرها أميركا «سلبية» فيما يتعلق بدعم أجندة متشددة لحزب الله وحماس وسورية. وكان دنيس روس، مفاوض بيل كلينتون السابق في الشرق الأوسط، قد عين خبيرا في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية في «واشنطن أنستيتيوت فور نير إيست» (معهد واشنطن للشرق الأدنى) وهو مركز الأبحاث الذي يعتبر قريبا من اليمين في أميركا بعد ترك منصبه في الخارجية الأميركية. وكان تعيينه مستشارا لكلينتون بهذا الشكل أو بآخر موضع تكهنات مكثفة منذ أسابيع. ورأى فيه بعض الخبراء وسيلة لإدارة أوباما لطمأنة إسرائيل في الوقت الذي تبدي فيه عزمها على فتح حوار مع إيران. وتجري إدارة أوباما مراجعة لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. وتبحث سبلا للتعامل مع إيران بشأن عدد كبير من القضايا، من السعي للحصول على تعاونها في أفغانستان، إلى التخلي عن أنشطتها النووية الحساسة. وكانت مصادر في الخارجية الأميركية قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن عملية مراجعة سياسات أميركا حيال إيران ما زال أمامها عدة أشهر، وان الملامح الرئيسية لهذه المراجعة ستظهر بشكل واضح بعد الانتخابات الإيرانية المقررة في يونيو (حزيران) المقبل.

وكان روس قد قال في حواره مع «الشرق الأوسط» في ديسمبر (كانون الأول) 2006، أنه من المؤيدين لحوار مع إيران وسورية لكن بعد تحديد أهداف الحوار والعواقب والمحفزات، موضحا آنذاك: «لا يمكننا التظاهر بعدم وجود سورية. إذا كان يجب علينا الحديث، يمكننا الحديث. هذا لا يعني الاستسلام. الحوار يعني أن لدينا أجندة والآخرون لديهم أجندة. إذا أردت أن تغير سلوكهم، عليك أن تخبرهم ما الذي سيكسبونه وما الذي سيخسرونه. إذا فشل الحوار، ما الذي ستخسره أميركا؟ أنت لا تخسر شيئا بالحوار. الإدارة الأميركية تفصل بين إيران وسورية. أنا شخصيا لا أفصل بين الاثنين. اعتقد أنهما الشيء نفسه، كما أعتقد أن سورية لا تربطها علاقات أيديولوجية بإيران. انه زاوج مصالح. سورية تنظر إلى حزب الله وحماس كأدوات. غير أنني كذلك لا أعتقد أنه يجب أن نذهب إلى سورية وإيران ونعرض عليهما حوافز كثيرة، لأن هذا يؤكد وجهة نظرهم من أن الكروت التي يلعبون بها ثمينة، ونحن نريد أن نقنعهم بالتخلي عن هذه الكروت». وحول إيران تحديدا قال: «واشنطن استخدمت لغة تهديد قوية من دون عواقب حقيقة. خلال السنوات الخمس الأخيرة، الإيرانيون لم يدفعوا أي ثمن بسبب مواصلتهم برنامجهم النووي. لم يخسروا شيئا. نحن في الشهر السادس من المناقشات في مجلس الأمن من أجل فرض عقوبات على إيران. العقوبات التي تم بحثها، ولم يتم حتى تبنيها بعد، عقوبات ناعمة جدا. هذا يعزز اعتقاد الإيرانيين أنهم على حق. إذا كنت تريد فرض عقوبات، عليك أن تجمع في موقفك الأوروبيين واليابانيين وربما الصينيين، ولا أعتقد أننا سنحصل على دعم الروس.. إيران لديها أجندتها الإقليمية وهي السيطرة على المنطقة. لا ينبغي على دول المنطقة أن تخشى من الحوار الإيراني الأميركي. قلق بعض دول المنطقة من أن إيران لن تغير سلوكها وتجري تغييرات جوهرية على سياساتها. لكن لا ضير في أن تختبر أميركا هذا. نحن سنكون في موقف أقوى إذا اختبرنا نوايا إيران، وخرجنا بنتيجة أنها تريد كل الحقوق لكن لا تريد مسؤوليات، وهذا ما اعتقد انه سيحدث. لكن لماذا لا يتم اختبار هذا كي يصبح دليلا دامغا بدلا من أن يكون حجة منطقية؟. ولهذا موقفي ليس سلبيا من فتح حوار معهم. لكن عندما نتجه للتفاوض يجب أن نعرف أولا لماذا نتفاوض، ثم ما هو الممكن تحقيقه من المفاوضات، ثم تحديد الجزرة والعصا بمعنى عملي حقيقي وليس كلاما». يذكر أن روس من مواليد مدينة سان فرانسيسكو الأميركية عام 1948، من أب كاثوليكي وأم يهودية. ونال شهادته الجامعية في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا، ثم تخصص لاحقا في الاتحاد السوفياتي، ثم شؤون الشرق الأوسط، وعمل مع وزراء الخارجية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت. وكان روس مسؤولا عن ملف سلام الشرق الأوسط مع أولبرايت خلال ولاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، غير أن روس تعرض لانتقادات من الطرفين، ففيما شكك الفلسطينيون في حياده على أساس جذوره اليهودية، سمته بعض الأوساط المتشددة في إسرائيل «اليهودي الكاره للذات»، مشككة أيضا في حياده. ويعد روس من المسؤولين الأميركيين السابقين الأعلى أجرا فيما يتعلق بإلقاء المحاضرات بالخارج. ويأتي ذلك فيما قال مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشيل سيزور تركيا خلال جولته المرتقبة للمنطقة، موضحا أن زيارة ميتشل لأنقرة تتناول جهود السلام الأميركية في المنطقة وما يمكن أن تفعله تركيا بوصفها شريكا استراتيجيا لأميركا. وتزامن الإعلان عن زيارة ميتشل اليوم لتركيا مع تصريحات لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ليل أول من أمس قال فيها إنه يتعين على حماس الاعتراف بإسرائيل، كما يتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو الاعتراف بفلسطين كدولة إذا أرادت إسرائيل بصدق سلاما دائما في الشرق الأوسط.