بلمار للبنانيين قبل انتقاله إلى لاهاي: المحكمة الدولية من أجل الحقيقة ولن تخضع للاعتبارات السياسية

القضاء اللبناني يرفض إطلاق الضباط الأربعة مجددا.. ونقلهم إلى مقر المحكمة بات محسوما

لافتة كبيرة مرفوعة في وسط بيروت، تحصي الأيام التي مرت منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري (أ ف ب)
TT

أكد رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، المدعي العام الدولي القاضي الكندي دانيال بلمار أن «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا تسعى إلى الانتقام بل إلى الحقيقة»، جازما بأن عمله كمدعٍ عام للمحكمة «لن يخضع لأي اعتبارات سياسية» ومشددا على أن لا تكون نتائج تحقيقات مكتب المدعي العام وخلاصة عمل المحكمة موضع أحكام مسبقة أو تكهنات.

وقال بلمار، في رسالة وجهها إلى اللبنانيين عشية بدء أعمال المحكمة في لاهاي: «إن المساعي التي بدأتها الحكومة اللبنانية نيابة عن شعبها وبمساندة المجتمع الدولي لوضع حد للإفلات من العقاب ستشكل منعطفا تاريخيا هاما. ففي الثامن والعشرين من فبراير (شباط) 2009 (اليوم) ينتهي تفويض لجنة التحقيق الدولية بعد زهاء أربع سنوات من العمل الدؤوب. وسوف ينهي ذلك اليوم مرحلة هامة في تاريخ تعزيز العدالة وسيادة القانون. وسيسجل الأول من مارس (آذار) 2009 معلما تاريخيا آخر، هو انطلاق أعمال المحكمة الخاصة بلبنان. ومما لا شك فيه أن الحدثين سيحتلان مكانيهما في تاريخ لبنان والعدالة الدولية».

وأضاف: «إن لجنة التحقيق الدولية المستقلة كيان فريد، إذ إنها الأولى من نوعها. كما أن قيامها يشكل سابقة متفردة من نواحٍ عدة. وشأنها شأن أي عمل جديد، لم تكن اللجنة على درجة الكمال المرجوة. لكننا تمكنّا من التعاطي مع هذا الواقع. ووجدنا حلولا لم تكن موجودة. ومع اقتراب انتهاء عمل اللجنة سنخلف وراءنا سلسلة من الدروس المستفادة لعل الآخرين يستفيدون منها عند الحاجة. إلا أنه يظل هناك شيء واحد لا يطاله أي شك، وهو أن سبب قيام هذه اللجنة والمتمثل في مساعدة الشعب اللبناني للوصول إلى الحقيقة ووضع حد للإفلات من العقاب، هو قضية نبيلة تستحق التزامنا وجهدنا الجماعي».

وتابع: «ونحن نستعد للمغادرة، إنني أدرك أكثر من أي وقت مضى الآمال التي يعلقها الشعب اللبناني علينا، كما أنني مدرك أيضا المخاوف والشكوك التي يولدها أي عمل لم تعرف نهايته بعد. وكما أسلفت القول، فإن ثقة الرأي العام في العمل وفي المؤسسة القائمة عليه أمر جوهري لنجاح تفويضنا. وعليه فإننا سوف نواصل شراكتنا مع أجهزة الإعلام لتعزيز هذه الثقة. كما أن أبوابنا ستظل مشرعة أمام أجهزة الإعلام بغية مساعدة ممثليها في نقل الوقائع الحقيقية والتي على ضوئها يمكن للرأي العام أن يحدد ما يراه من مواقف».

وتوجه بلمار إلى اللبنانيين قائلا: «لم أشأ أن أغادر لبنان من دون مخاطبتكم مباشرة لأبلغكم أن انتهاء تفويض اللجنة ما هو إلا انتهاء فصل واحد من فصول القضية، وليس انتهاء مهمتنا. إننا سنواصل عملنا بحماس وعزم متجددين. وإننا ملتزمون بالتفويض الذي منحنا إياه الشعب اللبناني من خلال مجلس الأمن. ولن تحبط عزائمنا لا العراقيل ولا ضخامة التحديات. إننا عاقدو العزم على أن نمضي حيثما تقودنا الأدلة. وسوف نبذل كل جهد لتحقيق غايتنا».

وأفاد: «سوف تتواصل تحقيقاتنا من لاهاي في هولندا. إلا أن مكتب مدعي المحكمة الخاصة بلبنان سيكون له مركز ميداني في بيروت. وسيكون هذا الفرع بمثابة قاعدة للمحققين الذين سيأتون إلى لبنان في مهام منتظمة لجمع الأدلة ومقابلة المسؤولين اللبنانيين وكذلك الشهود حسب الحاجة والاقتضاء».

وتوجه القاضي الكندي بالشكر للسلطات اللبنانية «لما قدمته من مساعدة وتعاون قيمين للجنة. ويقيني أن مكتب مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان سيحظى بذات القدر من التعاون. كما أود أن أعبر عن عميق امتناني للشعب اللبناني الذي ظل منذ عام 2005 يحيط اللجنة بكرمه ودعمه. كما أود أن أحيِّي شجاعة اللبنانيين وقدرتهم على الصمود أمام المحن وقوة عزيمتهم من أجل صنع مستقبل أفضل للأجيال القادمة. لقد تعلمنا الكثير من لبنان وشعبه. وإن التزامي تجاهكم هو أن أخدم قضية العدالة وفقا لمنهج تمثّل الحقائق والأدلة قاعدته الحصرية».

وأكد أن «مكتب المدعي العام، شأنه في ذلك شأن اللجنة، لن يكون عرضة لتأثير الاعتبارات السياسية، إذ إنه لا يمكن، ولا ينبغي، أن تُستخدم العدالة كأداة سياسية. ومثلما هي الحال بالنسبة إلى عمل اللجنة، ينبغي أن لا تكون نتائج تحقيقات مكتب المدعي العام والخطوات التي سوف أقررها بصفتي مدعيا عاما، وكذلك ما ستخلص إليه المحكمة الخاصة بلبنان، موضع أحكام مسبقة أو تكهنات». وجزم بأن «المحكمة الخاصة بلبنان لا تسعى إلى الانتقام، بل إلى الحقيقة. وأن جميع المعنيين، شهودا كانوا أم موقوفين أم متهمين، ستتم معاملتهم بشكل يحفظ كرامتهم. إن مقتضيات العدالة لا تقبل بأقل من ذلك. وحفظ كرامة الإنسان هي السمة المميزة لأي مسار عدلي يراد له أن يتسم بالمصداقية والإنسانية». وطمأن الجميع إلى «إنني وفريقي سنبذل كل جهد ممكن، إنسانيا وقانونيا، لجلاء الحقيقة وجلب المسؤولين عن الجرائم التي تقع في نطاق اختصاصنا إلى العدالة. وهذا هدف ينبغي أن لا ينفرد به مكتب المدعي، بل يجب أن يكون هدفا عاما يصر على تحقيقه كل أفراد الشعب اللبناني».

وفي سياق متصل وقبل يومين من بدء عمل المحكمة الدولية، رد أمس المحقق العدلي في قضية اغتيال الرئيس الحريري، القاضي صقر صقر، طلبات تخلية سبيل الضباط الأربعة الموقوفين في القضية، جميل السيد وعلي الحاج وريمون عازار ومصطفى حمدان. وقرر إبقاءهم موقوفين.

وبهذا القرار تصبح مسألة نقل الضباط الأربعة موقوفين إلى لاهاي محسومة، لأنه اعتبارا من يوم غد الأحد لن يتسلم القاضي صقر طلبات مماثلة ولن يستدعي أيا من الضباط إلى التحقيق مجددا، لكون المحكمة الدولية والمدعي العام الدولي أصبحا أصحاب الاختصاص للنظر في هذه القضية، وعلى الضباط انتظار موعد نقلهم إلى مقر المحكمة في لاهاي.