أوروبا تتعهد بـ554 مليون دولار لمؤتمر إعمار غزة.. وفرنسا تضع 4 أهداف سياسية

باريس: مستعدون للعمل مع حكومة تضم حماس.. وما نطلبه اعترافها بمبادرة السلام العربية

شاحنة تحمل مساعدات اماراتية وصلت الى قطاع غزة أمس (إ.ب.أ)
TT

فيما يستعد مؤتمر «دعم الاقتصاد الفلسطيني وإعادة إعمار غزة» للانعقاد بعد غد الاثنين في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، قالت المفوضية الأوروبية أمس إنها تتعهد بتقديم 436 مليون يورو (نحو 554 مليون دولار) لدعم الشعب الفلسطيني خلال العام الجاري (2009)، وأضافت في بيان وزعه وفدها بالعاصمة المصرية القاهرة أمس أن هذه الأموال سيتم تخصيصها للمعونات الإنسانية، وأنه سيتم تخصيص جزء من المساعدات لإزالة آثار المباني المهدمة في قطاع غزة على مدار العام ودعم الأطفال المتضررين من العدوان الإسرائيلي هناك. وكانت الأمم المتحدة أطلقت منذ ثلاثة أسابيع نداء خاصا يطالب بجمع تمويل يقدر بنحو 613 مليون دولار لتنفيذ عمليات الإغاثة الطارئة في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة، من أجل تنفيذ الإصلاحات في المجالات الحيوية مثل مياه الشرب والصرف الصحي وتوفير السلع الأساسية، خاصة الطعام.

ودعت المفوضة الأوروبية إلى ضرورة فتح كافة المعابر في القطاع بلا أي شروط من أجل ضمان تسهيل دخول المعونات والاحتياجات الإنسانية والبضائع التجارية، مؤكدة على أهمية انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الذي سترأسه كل من مصر وفرنسا والنرويج ويشارك فيه ممثلون عن الرباعية الدولية (أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وخافيير سولانا المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي) ووزير خارجية التشيك الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي، إضافة لعدد كبير من الدول والجهات المانحة. كما يشارك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في المؤتمر بصفته أحد رؤساء المؤتمر، الى جانب الرئيس المصري حسني مبارك وذلك امتدادا لما سمي «المبادرة الفرنسية ـ المصرية المشتركة» التي ساهمت في وضع حد للحرب الإسرائيلية على غزة وفتحت الباب أمام القرار الدولي رقم 1703.

واستبقت باريس توجه الرئيس ووزير خارجيته برنار كوشنير الى شرم الشيخ ببيان غرضه مساعدة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مساعيه الهادفة الى تحقيق المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية. وأكدت باريس مجددا «استعدادها للعمل مع حكومة وحدة وطنية تعكس مواقفها وأفعالها مبادئ مسار السلام وغايتها الوصول الى دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة، ديمقراطية وقابلة للحياة وتعيش بسلام وأمن الى جانب إسرائيل».

وقالت مصادر رسمية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «لا تطلب من منظمة حماس سوى القول إنها تقبل مبادرة السلام العربية» وذلك في مسعى فرنسي واضح لتحاشي العودة الى المرحلة التي تلت وصول حماس الى السلطة عقب انتخابات عام 2006 وتسهيل اجتياز حماس لـ«عقبة» الاعتراف المباشر بإسرائيل. وأكدت هذه المصادر أن فرنسا «تعمل لدى شريكاتها في الاتحاد الأوروبي ولدى الولايات المتحدة لدفعها باتجاه مواقف لينة لا تقطع الطريق على المصالحة الفلسطينية».

وكان الموقف الفرنسي السابق يلتزم موقف اللجنة الرباعية التي فرضت على حماس ثلاثة شروط للتعامل معها، وهي الاعتراف بإسرائيل ووقف العنف والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية. وفيما رحبت الخارجية الفرنسية بالنتائج الأولى التى أفضت اليها جلسات الحوار الفلسطينية في القاهرة معتبرة أنها «خطوة إيجابية» نحو تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف وأنها تعيد ترميم الوحدة الفلسطينية، شددت الى جانب الأهداف الاقتصادية، على أهداف سياسية طموحة لمؤتمر شرم الشيخ الذي ستشارك فيه حوالي ثمانين دولة ومنظمة.

وقالت الخارجية الفرنسية إن باريس تريد، في شرم الشيخ، التركيز على أربعة أهداف «سياسية» هي: اعتبار فتح المعابر مع غزة أولى الأولويات، دعم جهود الوساطة المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية التي يمكن أن تظهر عبر حكومة وحدة غرضها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية باعتبار أن هذه الوحدة ضرورية لأن «لا اتفاق سلام مع جزء من الشعب الفلسطيني ولا دولة فلسطينية قابلة للحياة من غير غزة»، دعم أبو مازن وجعل السلطة الفلسطينية في «قلب» عملية إعادة الإعمار، وأخيرا إعادة إطلاق مسار السلام سريعا. وبحسب الوزير كوشنير، فإنه يتعين أن يكون عام 2009 عام قيام الدولة الفلسطينية بعد أن خاب أمل الفلسطينيين بإقامتها في العام الماضي وفق الوعد الأميركي.

ويلتقي ساركوزي وبعده كوشنير وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على هامش أعمال المؤتمر. وفي هذا السياق، حرصت باريس على القول على لسان أحد مستشاري قصر الإليزيه بمناسبة تقديمه لمشاركة ساركوزي في مؤتمر شرم الشيخ إن باريس تعتبر أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما «فرصة لتحقيق السلام» في الشرق الأوسط بسبب تأكيده على الرغبة بـ«الانخراط في عملية السلام» داعيا الى دينامية مشتركة بين الجهود الأميركية والجهود الأوروبية للسلام في الشرق الأوسط.

ونقلت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع عن المبعوث الرئاسي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل قوله إنه «لا بد من حكومة وحدة فلسطينية». غير أن ميتشل لم يقل، بحسب المصادر الفرنسية، إذا كانت واشنطن تقبل العمل مع حكومة تضم وزراء من حماس أم أن أقصى ما تقبله هو حكومة تضم حياديين أو تكنوقراط يلقون دعما من حماس. وتؤكد باريس أن فرنسا تقبل «كل ما يقبله أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية». لكن المجهول الأكبر في باريس هو شكل الحكومة الإسرائيلية التي ستفرزها المشاورات القائمة وعمليات التجاذب بين نتنياهو ولفيني. وعزا مصدر رسمي فشل ليفني النسبي لكونها لم تلتزم موقفا يدعو صراحة الى السلام ولأنها دخلت في «مزايدات» مع اليمين الإسرائيلي.

ولا تنحي باريس العلاقة القائمة بين الوضع الفلسطيني والخلافات العربية. وقال المستشار الرئاسي أمس إن المصالحة العربية «شرط أساسي» للمصالحة الفلسطينية وللوصول الى التوافق الفلسطيني. وترى باريس أن غياب حكومة وحدة فلسطينية سيضع الكثير من العراقيل بوجه إعادة إعمار غزة. ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار الدعوة الفرنسية لحكومة وحدة وطنية، فإن باريس ما زالت ترى في الرئيس محمود عباس الجهة الواجب دعمها باعتباره «شريك» إسرائيل في المفاوضات والطرف المعتدل الواجب دعمه بكل الوسائل.