مصر: خبير ينصح الخرطوم بمعركة قانونية.. وتوقع تعامل القاهرة بـ«نهج لوكربي»

انزعاج رسمي.. وحشد شعبي خلف الخرطوم.. ومنظمات حقوقية تطالب البشير بتسليم نفسه

TT

رغم أن المصريين لا يذهبون بعيدا حين يتعلق الأمر بقرار دولي، وينفذونه بدقة شديدة فإن الانزعاج الرسمي والتعاطف الشعبي الواسع يذهبان إلى أبعد من مجرد إعلان موقف.. ولما لا؟.. إنها السودان (روح المصريين ومقتلهم).. الدوائر الرسمية أعربت عن انزعاجها الشديد، والمراكز البحثية أدارت عجلات البحث. دبلوماسيون سابقون يتجهون لسفارة السودان في القاهرة لتقديم المشورة.. اجتماعات مكثفة لطاقم السفارة مع خبراء في القانون الدولي.. رسائل مشفرة مع الخرطوم.. هكذا بدا المشهد في القاهرة فور إعلان المحكمة الجنائية الدولية قرار توقيف البشير واعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

رسميا.. بدا المشهد السياسي في القاهرة متماسكا إلى حد كبير حيث طلبت مصر تأجيل تنفيذ القرار.. وتحاول كسب الوقت لإجراء اتصالات تمكنها من التدخل فعليا لدى مجلس الأمن لتأجيل القرار، وشعبيا تحتشد القاهرة خلف الخرطوم في محنتها الحالية.

ووفقا لوقائع التاريخ، وحقائق الجغرافيا، فإن مصر والسودان يشكل كل منهما عمقا استراتيجيا وأمنيا للآخر، ويرتبطان بعشرات الاتفاقيات التي تسهل السفر والحركة والتنقل بين البلدين، كما تستضيف مصر أكبر جالية سودانية في العالم، إذ يعيش السودانيون، إلى جانب إخوانهم المصريين مثلهم تماما، ويتمتع عدد كبير منهم بنفس حقوق المواطنة التي يتمتع بها المصريون. وحول النهج الرسمي المصري علق خبير دبلوماسي عربي شارك في اجتماعات مع مسؤولين سودانيين بالقاهرة قائلا «إن مصر طوال عمرها هكذا.. لا ترفض قرارا دوليا ولا تتصادم معه لكنها تحاول التعاطي مع تعقيداته قدر الإمكان، وسبق أن فعلت ذلك مع ليبيا حين كان النظام الليبي يواجه أزمة لوكربي، لقد التزمت مصر بكافة القرارات الدولية حرفيا، لكنها كانت تتعامل معها بمرونة شديدة، وكان المجتمع الدولي يبادلها ذات المرونة».

وأضاف الخبير الذي طلب إغفال اسمه «يبدو أن مصر ستكرر نفس المنهج (الذي اتبعته مع أزمة لوكربي)، في تعاملها مع قرار توقيف الرئيس السوداني، فضلا عن محاولة كسب مزيد من الوقت لصالح الخرطوم». ووضع السفير الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير خارجية مصر الأسبق، وهو خبير في القانون الدولي، خريطة طريق لإنقاذ الرئيس البشير، وقال: الحكومة السودانية إزاء عمل جاد بالفعل وعليها إذا أرادت تجاوز الموقف أن تخوض معركة قانونية جادة مع المحكمة الجنائية الدولية أمام محكمة العدل الدولية، وللسودان طريقان لمواجهة الموقف، الأول هو رفع دعوى مباشرة على المحكمة الجنائية الدولية أمام محكمة العدل الدولية بموجب رأي استشاري صدر من محكمة العدل الدولية عام 1949، بعد 3 سنوات من صدور ميثاقها الأساسي (1946)، وهذا الرأي ينص على «أن للمنظمات الدولية شخصيتها القانونية الدولية مثل الدول تماما فيجوز لها أن ترفع ضدها الدعاوى».

وأشار الأشعل إلى أن هذا الرأي صدر بمناسبة مقتل الكونت برنادوت في فلسطين، عندما تنازعت السويد والأمم المتحدة حول أحقية كل منهما في مقاضاة إسرائيل دوليا.. والسودان يستطيع استخدام هذه الرخصة.

وأضاف «أنه يمكن للسودان أيضا أن ينازل المحكمة الجنائية قانونيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن طريق طلب عقد دورة استثنائية للجمعية العامة بناءً على طلب أفريقي عربي، مشيرا إلى ضرورة استخدام التأييد الأفريقي والعربي الواسع لموقف السودان في هذا الشأن، ويطلب السودان حينئذ من الجمعية العامة الفصل بينه وبين المحكمة، في تفسير القانون الخاص بالمحكمة».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الدكتور الأشعل سلم مسؤولين سودانيين دراسة شاملة حول «سبل المواجهة القانونية لقرار الجنائية الدولية». وأكد الدكتور بطرس غالى الأمين العام السابق للأمم المتحدة، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أن المجهود الرئيسي لحل القضية السودانية الآن هو أن نعمل ونطلب من مجلس الأمن تأجيل تنفيذ هذا القرار لمدة عام تستطيع خلاله الحكومة السودانية تصحيح أوضاعها.

شعبيا نظم اتحاد عمال مصر مؤتمرا تضامنيا مع عمال وشعب السودان، حضره سفير السودان في القاهرة عبد المنعم مبروك، أعلن خلاله حسين مجاور رئيس الاتحاد رفض مصر القاطع لقرار توقيف الرئيس السوداني. من جانبه اتهم السفير إدريس سليمان، نائب رئيس البعثة السودانية بالقاهرة، إسرائيل بمحاولة إشعال المنطقة حول مصر، وقال «إن السودان مستهدف كجزء من استهداف الأمن القومي المصري، ولأن إسرائيل لا تستطيع الاقتراب من مصر بشكل مباشر، فهي تسعى لإشعال النار حولها».

من ناحية أخرى ينظم المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط ندوة حول قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن البشير، وذلك يوم الخميس، يتناول فيها الأبعاد القانونية لقرار المحكمة وانعكاسات هذا القرار على الداخل السوداني وتطبيقات اتفاقية نيفاشا، وكذلك التطورات المحتملة في دارفور في ضوء القرار، وانعكاسات القرار على الاقتصاد السوداني. كما تُعقد جلسة خاصة حول كيفية التعامل المصري مع تطورات الأزمة السودانية في ضوء هذا القرار.

في المقابل تناصب المنظمات الحقوقية المصرية، نظام حكم الرئيس البشير العداء، وترى أنه يجب عليه أن يسلم نفسه للعدالة الدولية، وقال مركز القاهرة لحقوق الإنسان إن توجيه المحكمة الجنائية الاتهام للبشير لا يعني بالضرورة الإدانة، الأمر الذي يستوجب من الرئيس السوداني أن يعد رده على الاتهامات الموجهة إليه، بدلا من الاكتفاء بتسفيهها، ومن الضروري في هذا السياق أن يوضح البشير كيف سقط 10 آلاف قتيل في دارفور؟ (وهو الرقم الذي يعترف به البشير، من 300 ألف قتيل وفقا للتقارير الدولية)، وما هي هوية الطائرات التي قصفت وأحرقت مئات القرى في دارفور، هل هي إسرائيلية؟ أم أميركية؟ أم سودانية؟ وإذا كانت سودانية فهل كان ذلك بتوجيه منه أو بعلمه؟ أم أن سلاح الجوي السوداني خرج عن السيطرة ويتمتع باستقلال ذاتي خاص؟