مصادر فرنسية: لم نستطع فعل شيء.. لأن الخرطوم لم تساعدنا في الوقت المناسب

قالت إن باريس كانت تفضل خيار وقف الحرب وتفعيل السلام.. على مطلب العدالة الدولية ومحاكمة البشير

TT

طلبت فرنسا من الخرطوم منذ إعلان قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق سكان دارفور، أمرين: الاستجابة لطلب المحكمة والتعاون معها بتوقيف وتسليم البشير وعودة الخرطوم عن قرار طرد المنظمات غير الحكومية العاملة في دارفور مثلما طلب ذلك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

ولم تحد باريس في هذين الأمرين عن ردة الفعل الغربية حيال طلب المحكمة وردة الفعل السودانية الأولى. ومنذ ما قبل صدور القرار يوم الأربعاء الماضي، قال مسؤول فرنسي رفيع المستوى لـ «الشرق الأوسط» التي سألته عن الأسباب التي دفعت باريس للتخلي عن «وساطتها» للبحث عن مخرج «معقول» لأزمة الخرطوم مع المحكمة الجنائية الدولية: «أنا كمسؤول لم يعد باستطاعتي أن أفعل شيئا للبشير». ولما سئل عن السبب أجاب: «السودانيون لم يقوموا بما طلبناه منهم في الوقت المناسب. لقد فوتوا فرصة ثمينة كان يمكن أن يستغلوها لكي لا تصل الأمور إلى ما وصلت إليه». ولما سئل هذا المصدر عن «الآثار» المترتبة على مطلب توقيف البشير وهو رئيس يمارس المسؤولية على استقرار السودان وعلى اتفاقيات السلام رد قائلا: «أعرف أن الدول العربية والجامعة ودولا أفريقية تنبهنا لهذه المخاطر ولكن لا نعتقد أن ثمة طريقا آخر غير المحكمة». والواقع أن كلام المسؤول الفرنسي يعكس، كما تقول مصادر أخرى، «خيبة» باريس من فشل جهود الوساطة التي حاولت القيام بها بين الخرطوم من جهة والدول الغربية والأسرة الدولية. ومنذ أن كان موضوع قرار توقيف البشير محض فرضية، قال مصدر رئاسي فرنسي في شرحه للجهود التي بذلتها الديبلوماسية الفرنسية والرئيس ساركوزي بالذات ما يلي: «ما بين مطلب العدالة الدولية ومحاكمة البشير من جهة وبين الحاجة إلى السلام والاستقرار ووقف الحرب الأهلية في دارفور من جهة ثانية، فإننا نفضل الخيار الثاني». وللتذكير، فإن الرئيس ساركوزي قال علنا في الأمم المتحدة، الخريف الماضي إن باريس «مستعدة» للنظر في موضوع تفعيل الفقرة الـ16 من ميثاق المحكمة التي تعطي مجلس الأمن صلاحية وقف تنفيذ مفعول قرار المحكمة لمدة عام قابلة للتجديد إذا ما قام السودان بعدد من البادرات. وعندما كانت المصادر الفرنسية تسأل في الأسابيع الأخيرة عن الفقرة 16، كانت تجيب بأن «لا أكثرية في مجلس الأمن توافق على مطلب كهذا». وخلال الأشهر الماضية، لم ينقطع التواصل الفرنسي ــ السوداني بشأن المخرج العتيد. وحصلت زيارات من الجانبين فذهب إلى الخرطوم مبعوث رئاسي فرنسي وجاء وفد رئاسي سوداني إلى باريس. غير أن البادرة الأهم كانت لقاء الرئيس ساركوزي والرئيس البشير في الدوحة بطلب من قطر، على هامش مؤتمر اقتصادي في العاصمة القطرية نهاية شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي. ومرة أخرى كرر ساركوزي المطالب الفرنسية «والدولية» حتى تستطيع باريس تسويق «مخرج» مشرف للجميع بدعم من بريطانيا وروسيا والصين والدول العربية والأفريقية. وتعرضت باريس لحملة من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بسبب ما اتهمت به من سعيها إلى «صفقة» مع نظام البشير وهو ما نفته فرنسا بل إنها نفت أن تكون أصلا بصدد وساطة مع الخرطوم.

وما كانت تطلبه باريس كان ممكن التحقيق: محاكمة علي هارون «وزير الشؤون الإنسانية السابق» ومحمد قشيب «المعتبر زعيما لميليشيا الجنجويد» أمام محكمة سودانية بحضور ممثلين عن هيئات قضائية دولية لضمان جدية المحاكمة، تسهيل نشر القوة الدولية في دارفور، تطبيع العلاقة مع تشاد وأخيرا الاستمرار في المفاوضات مع الحركات الدارفورية بمن فيها تلك التي رفضت التوقيع على اتفاقيات هدنة مع الخرطوم والمحافظة على دور الوساطة الإفريقية إلى جانب الدور القطري. وتقول المصادر الفرنسية إن «لا شيء محسوسا قد تحقق» وأن الخرطوم «كانت تعد ولا تفي بوعودها» ما يمكن تفسيره بأن باريس قد «نفضت» يدها وتركت الأمور تسلك المسار الذي أفضى إلى إصدار قرار توقيف ومحاكمة البشير. لكن مصادر سودانية ترد بقولها إن فرنسا «التحقت بالركب الأميركي وخضعت لما تريده واشنطن والمنظمات الضاغطة في الولايات المتحدة الأميركية والمنظمات الإنسانية الدولية». وبين هذا الرأي وذاك، تجد باريس نفسها في موقف حرج وتجد بعض مصالحها الحيوية في المنطقة مهددة ومنها استقرار تشاد التي هي أحد مرتكزات باريس المهمة في القارة الأفريقية.