الخرطوم تعتبر بان كي مون خصما وليس حكما.. وتهدد بطرد منظمات دولية جديدة

الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص بات مهددا في دارفور.. ونبحث تصنيف طرد المنظمات كجريمة حرب * 118 منظمة تنتظر المجهول

احد موظفي المنظمات غير الحكومية العاملة في السودان يجمع اغراضه امس استعدادا للرحيل (أ.ف.ب)
TT

صعّدت الحكومة السودانية من إجراءاتها المتشددة حيال المنظمات الأجنبية العاملة، ورجحت أن تسفر إجراءات جديدة عن طرد عدد جديد من المنظمات، فيما شنت هجوما عنيفا على الأمين العام للأمم المتحدة كي مون، ووصفته بأنه «صار خصما وليس حكما»، كما اعتبرت أن تصريحات مون حول طرد المنظمات «تفتقر إلى الحكمة الدبلوماسية». وحذرت الأمم المتحدة من جانبها من أن طرد المنظمات غير الحكومية يهدد بحرمان ما يزيد عن مليون شخص من المواد الغذائية والعناية، ويهدد حياة آلاف السكان.

ويأتي التصعيد الحكومي مع المنظمات الأجنبية العاملة في السودان بعد طردها 13 منظمة أجنبية غربية على مدى يومين، كرد فعل لقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير، بعد أن اتهمتها بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وقال الدكتور كمال عبيد وزير الدولة للإعلام والاتصالات بالسودان في تصريحات أمس، إن أي منظمة يثبت أنها تعدت التفويض الممنوح لها سيكون مصيرها مثل سابقاتها، قبل أن يكشف أن الأجهزة المختصة في حكومته تعكف حاليا على إعداد تقييم جديد، من المرجح أن تتبعه قرارات تطال العديد من المنظمات الأجنبية التابعة للأمم المتحدة.

وشن عبيد هجوما عنيفا على الأمين العام للأمم المتحدة وتعاطفه مع المنظمات التي تم طردها مؤخرا، وقال إن مون أصبح خصما وليس حكما، ووصف تصريحات مون بأنها تفتقر إلى الحكمة الدبلوماسية، وأضاف: «بدلا أن يقدم الرجل النصح إلى المحكمة الجنائية وقراراتها الباطلة أصبح يتعاطف مع منظمات تحيد من مهامها وتتجاوز الخط الأحمر الخاص بالسيادة الوطنية». وأشار عبيد إلى أن كافة المنظمات التي تم طردها تلعب دورا استخباراتيا مرفوضا في السودان، وقال إن العمل الإنساني لن يتأثر حتى لو تم طرد كافة منظمات الأمم المتحدة، وأضاف أن ما قدمته هذه المنظمات لمواطني دارفور يمكن أن تقوم به المنظمات الوطنية بكل سهولة ويسر.

وتقدر الحكومة عدد المنظمات الأجنبية العاملة في السودان بنحو 118 منظمة أجنبية، ونحو 40 عربية، و2600 منظمة وطنية سودانية. وقالت مصادر في مفوضية العون الإنساني لـ«الشرق الأوسط» إن نحو 60% من جملة هذه المنظمات تعمل في إقليم دارفور، شمالا وجنوبا وغربا، بعضها في المعسكرات وأخرى في المدن.

وتتضارب التقارير حول عدد النازحين في دارفور فيما تقول المنظمات إنه نحو أكثر من مليون نازح في الولايات الثلاث في الإقليم، وتقدر تقارير حكومية عدد النازحين بنحو 700 ألف نازح، وتشير إلى أن عددهم في تناقص مستمر، وتكشف تقارير أخرى أن عدد النازحين في شمال دارفور في بداية الأزمة نحو 180 ألف نازح، عاد منهم حتى العام الماضي نحو 90 ألفا إلى ديارهم، وأكثر من 113 في جنوب دارفور، و211 نازحا في غرب دارفور، فضلا عن نحو 90 ألف لاجئ في تشاد. ويقول مسؤولون في مجال العون الإنساني في دارفور تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن عملية العودة الطوعية للنازحين وللاجئين تواجه جملة مشكلات، منها عدم توفر الأمن في بعض مواقع النازحين الأصلية، وتفضيل بعض النازحين البقاء في المعسكرات بعد أن أصبحت، حسب المسؤولين، مناطق جاذبة من حيث الخدمات التي توفرها المنظمات العاملة وسط المعسكرات.

وقال حسبو محمد عبد الرحمن مفوض العون الإنساني في تصريحات إن حكومته لديها أدلة أن عددا من هذه المنظمات لديها اتفاقيات تعاون مع المحكمة، والبعض الآخر قدم تقارير ضد السودان، وعددا منها أرسلت شهودا إلى المحكمة عبر طائراتها. وأضاف: «المنظمات الموقوفة منها ثلاث أميركية، وثلاث فرنسية، وجميع هذه المنظمات تأكد أنها تعمل ضد أمن البلاد واستقرارها وضد سلامة المواطنين».

وشرح أسباب إيقاف منظمتين سودانيتين هما «مركز الخرطوم الإنساني لحماية البيئة»، و«منظمة أمل»، وذلك بسبب مخالفتهما لقانون العمل الإنساني، ومخالفات مالية. وهدد مفوض العون الإنساني أن المفوضية لن تتوانى في محاسبة أي منظمة يثبت عدم التزامها بقوانين وقواعد العمل الإنساني بالبلاد، قبل أن يشجب هذه المنظمات ويصف سلوكها بـ«غير الأخلاقي». وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة إليزابيث بايرز في مؤتمر صحافي: «برحيل المنظمات غير الحكومية، وإذا لم تعدل الحكومة عن موقفها، سيترك 1,1 مليون شخص دون غذاء، و5,1 مليون شخص دون رعاية صحية، وأكثر من مليون شخص دون مياه شرب». ومن جهته قال المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة روبرت كولفيل، إن هذا القرار قد «يهدد حياة آلاف الأشخاص».

وبين هذه المنظمات خصوصا، الفرنسيتان «أطباء بلا حدود» و«تحرك ضد الجوع»، و«المجلس النرويجي للاجئين»، ومنظمات أميركية بينها «كير»، وأخرى بريطانية مثل «أوكسفام» و«سيف ذي تشيلدرن». وقال مسؤول في الأمم المتحدة لوكالة الصحافة الفرنسية، طالبا عدم كشف هويته، إن «هذا يمثل نحو نصف» برامج الأمم المتحدة على الأرض.

واستمع المجلس إلى تقرير شفهي قدمته نائبة منسق الأمم المتحدة لعمليات الإغاثة الطارئة كاثرين براغ، عن الأثر الذي تركه قرار الحكومة السودانية بطرد 13 من المنظمات غير الحكومية من دارفور. وأفادت كاثرين براغ في تصريح للصحافة أن المنظمات الثلاث عشرة هي مسؤولة عن تنفيذ نصف العمليات الإنسانية في دارفور، وقالت إن «دورها كشريك حيوي بالنسبة إلى الأمم المتحدة وإلى وكالاتها المختصة لإيصال المواد الغذائية ولتوفير العناية الصحية». واعتبر بان مون دور هذه المنظمات حيويا للغاية لإبقاء حياة 4,7 مليون سوداني في دارفور.

وفي تطور آخر يبحث مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرار الحكومة السودانية بطرد المنظمات الإنسانية دارفور وفي احتمال أن يصنف هذا الإجراء كواحد من جرائم الحرب. ويشير مكتب الأمم المتحدة إلى اتفاقيات جنيف التي تعتبر تجويع السكان من خلال منع الوصول إلى المواد الغذائية بشكل مقصود ومتعمد غير قانوني ويتناقض مع القانون الإنساني الذي يسري على الوضع في حالة النزاع الدولي. والأمر الذي يبدو غير واضح فيما إذا كانت الولايات المتحدة بالاشتراك مع حلفائها الغربيين تنوي اعتماد بيان رئاسي من مجلس الأمن يصنف إجراء قرار حكومة البشير بطرد منظمات الإغاثة الإنسانية جريمة من جرائم الحرب. وأفادت مصادر مجلس الأمن أنه إذا تقدمت الولايات المتحدة أو بريطانيا بمسودة بيان ستعارضه الدول الإفريقية الأعضاء في المجلس على أساس أن السودان دولة ذات سيادة واستقلال وأن الإجراء الذي لجأت إليه يعتبر شأنا داخليا.

وأوضحت وكالات الأمم المتحدة، الجمعة، أنها تلجأ إلى هذه المنظمات غير الحكومية التي تعمل بعقود فرعية لتأمين المساعدة التي تبلغ 4,7 مليون شخص في دارفور.

وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إنه ينوي اتخاذ إجراءات لتجاوز النقص الذي سيسببه رحيل المنظمات غير الحكومية، لكنه «لا يستطيع تغطية هذا النقص بالكامل».

من جهة أخرى قال كولفيل إن المفوضية العليا للأمم المتحدة التابعة للأمم المتحدة ستدرس الوضع لترى ما إذا كان حرمان منطقة نزاع من المساعدة يشكل جريمة حرب أو انتهاكا للقوانين الدولية. وأضاف: «سندرس ذلك بالتأكيد، لكن لا أستطيع التعبير عن موقف في هذه المرحلة»، إلا أنه رأى أن «حرمان مدنيين بسبب قرار للمحكمة الجنائية الدولية هو تقصير في واجب الحكومة حماية شعبها».

وأخيرا قالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة إنها تخشى أن يدفع هذا الوضع مزيدا من الأشخاص إلى الفرار من البلاد، وخصوصا من دارفور، ليلجأوا إلى الدول المجاورة التي تضم أصلا لاجئين من السودان. وصرح الناطق باسم المفوضية رون ريدموند أن «تجربتنا تدل على أنه عندما لم يتمكن السكان الضعفاء من الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها، فسيذهبون إلى مكان آخر سعيا إلى حماية ومساعدة».