قضية فريمان سفير أميركا السابق بالسعودية تفتح جدلا في أميركا حول نفوذ اللوبي الإسرائيلي

مجموعة من المدونين الموالين لإسرائيل وموظفو منظمات عملوا من وراء الكواليس لإثارة مخاوف الكونغرس

TT

أثار انسحاب مستشار استخباراتي بارز من الترشح لرئاسة مجلس الاستخبارات القومي، في أعقاب شن حملة على شبكة الإنترنت لمنع توليه المنصب، جدلا حول ما إذا كان اللوبي القوي الموالي لإسرائيل يمارس نفوذا كبيرا على نحو مفرط فيما يخص اختيار المسؤولين في إدارة أوباما.

كان تشارلز دبليو فريمان قد أعلن يوم الثلاثاء اعتذاره عن تولي رئاسة مجلس الاستخبارات القومي، الذي يتولى الإشراف على وضع التقارير الممثلة لوجهات نظر الوكالات الاستخباراتية الأميركية، التي تبلغ 16 وكالة. وندد فريمان في رسالة عبر البريد الإلكتروني بـ«وابل القذف والتشويه الذي تعرض له تاريخه، والذي لم يكن ليتوقف حال شغلي المنصب».

وتحدث فريمان بصراحة شديدة حيال من يعتبرهم مسؤولين عن هذه الحملة، حيث كتب يقول: «من شهروا بي، وعناوين بريدهم الإلكترونية التي يسهل تتبعها، يكشفون بشكل قاطع وجود لوبي قوي عاقد العزم على الحيلولة دون ظهور أي وجهة نظر مخالفة، ناهيك عن المشاركة في صياغة طريقة فهم أميركا للتوجهات والأحداث داخل الشرق الأوسط».

وفي إشارة لما أسماه بـ«اللوبي الإسرائيلي» قال فريمان: «يهدف هذا اللوبي إلى السيطرة على عملية صياغة السياسات من خلال رفض تعيين الأفراد الذين يطعنون في حكمة آرائه». وأوضح أن إحدى النتائج التي ترتبت على ذلك: «عجز الرأي العام الأميركي والحكومة عن مناقشة ودراسة أي خيار أمام السياسات الأميركية في الشرق الأوسط تعارضه الفرقة الحاكمة على الصعيد السياسي الإسرائيلي».

ورغم النبرة الغاضبة في خطاب فريمان، السفير الأميركي السابق لدى السعودية، فإن الجدال الدائر حوله تجاوز السياسات المرتبطة بالشرق الأوسط، حيث أثار اختيار دينيس سي. بلير، مدير الاستخبارات القومية، لفريمان عاصفة من الشكاوى بشأن صلاته التجارية الحديثة مع الصين، علاوة على تنامي التساؤلات حيال ما إذا كان فريمان متساهلا على نحو مفرط إزاء قادة الصين.

إلا أن النصيب الأكبر من اهتمام الحملة التي تعرض لها فريمان على شبكة الإنترنت انصب على عمله لحساب مجلس سياسات الشرق الأوسط، وهو منظمة لا تهدف إلى الربح، مقرها واشنطن، تتلقى جزءا من تمويلها من السعودية. إلى جانب انتقاداته الهامة السابقة ضد إسرائيل، ومن بين هذه الانتقادات خطاب أدلى به عام 2005 أمام المجلس القومي للعلاقات الأميركية - العربية، حيث أشار إلى سياسات إسرائيل «المتعالية التي ستعود عليها بالسلب»، الناجمة عن «الاحتلال والاستيطان في الأراضي العربية»، التي وصفها بأنها «عنيفة بطبيعتها».

جدير بالذكر أن عددا قليلا فقط من المنظمات اليهودية أعلن صراحة معارضته لتعيين فريمان رئيسا لمجلس الاستخبارات القومي، ومع ذلك عملت مجموعة من المدونين الموالين لإسرائيل وموظفو منظمات أخرى من وراء الكواليس لإثارة المخاوف لدى أعضاء الكونغرس والمعاونين لهم ووسائل الإعلام إزاء فريمان.

وعلى سبيل المثال، صرح جوش بلوك، المتحدث الرسمي باسم لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية، المعروفة اختصارا باسم «إيباك»، وعادة ما توصف هذه المنظمة بأنها أقوى جماعة ضغط موالية لإسرائيل في واشنطن، بأن المنظمة: «لم تتخذ موقفا محددا إزاء هذه القضية ولم تمارس جهود ضغط داخل الكونغرس حيالها».

إلا أن ثلاثة من الصحافيين الذين تحدثوا إلى بلوك أشاروا إلى أنه رد على أسئلة المراسلين الصحافيين وقدم مواد تحوي انتقادات لفريمان، وإن كان بعيدا عن الأضواء، بمعنى أن تعليقاته كان من المتعذر نسبتها إليه. وفي رده على سؤال حول هذا الأمر قال بلوك أمس: «مثلما الحال مع الكثير من القضايا التي تظهر كل يوم، عندما يكون هناك اهتمام إعلامي عام بأمر ما، غالبا ما أقدم معلومات متاحة على الصعيد العام إلى الصحافيين دون نسبتها إلي».

بالأمس أثنى المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، الذي حاول إعاقة تعيين فريمان، على انسحابه من الترشح للمنصب، إلا أنه استطرد قائلا: «نعتقد أن إسرائيل وأي (لوبي) آخر مزعوم كان تأثيرهما أقل بكثير على النتيجة النهائية عن الاعتقاد الصائب بأن الشخص المؤتمن على حراسة المعلومات والاستخبارات لرئيس الولايات المتحدة ينبغي ألا يكون قد تلقى أموالا من حكومات أجنبية». وأثار انسحاب فريمان عن الترشح للمنصب ورسالة البريد الإلكتروني التي بعث بها نقاشا كبيرا داخل المدونات، فعلى سبيل المثال كتب جوناثان تشيت هازئا في مدونته التي تعرف باسم «نيو رببليك»: «الفكرة القديمة كانت ترى أن ترشح فريمان وفشل منتقديه يكشف مدى الشر الذي ينطوي عليه اللوبي الإسرائيلي... أما الفكرة الجديدة فهي أن استقالة فريمان تكشف أن اللوبي الإسرائيلي أقوى وأكثر شرا مما كان يعتقد».

أما ستيفين والت، أحد الناقدين اللذين اشتهرا عام 2006 بوصف نفوذ اللوبي الإسرائيلي بـ«الخطير»، فكتب على موقع ForeignPolicy.com، فيقول: «إلى كل من راوده الشك في وجود (لوبي إسرائيلي) قوي، أو من اعترفوا بوجوده لكنهم لم يروا أن لديه نفوذا بالغا... عليكم إعادة التفكير في الأمر». (يذكر أن موقع ForeignPolicy.com مملوك لشركة فرعية تتبع شركة واشنطن بوست).

من ناحيته أعرب جو كلين في مقال نشرته مجلة تايم عن اعتقاده بأن فريمان: «ضحية لمجموعة من الدهماء، وليس للوبي. وتألفت هذه المجموعة من العوام بصورة رئيسة من عناصر يهودية من المحافظين الجدد، جرى تحريضهم من قبل موظفين حكوميين يفتقرون إلى الشجاعة... جعلوا من واشنطن مكانا أقل انفتاحا أمام من لا يخشون التعبير عن آرائهم، والمشاكسين، ومن يتحدون المعتقدات السائدة».

ومن جانبه جاءت تصريحات البيت الأبيض بالأمس، الذي تجنب الرد على أسئلة حول فريمان مرتين خلال أسبوع واحد، مقتضبة، حيث اكتفى المتحدث الصحافي روبرت غيبس بالقول: «ليس لدي ما أضيفه على ما ناقشه الأدميرال بلير بالأمس بشأن قبول قرار فريمان بعدم المضي قدما في ترشحه وإبدائه أسفه على ذلك». ولم يرد البيت الأبيض بالأمس على سؤال حول التأثير الخارجي على قرارات تعيين المسؤولين. ويذكر أن أول صيحة اعتراض على تعيين فريمان - والتي صدرت قبل أسبوع من الإعلان عن اختياره - جاءت من قبل ستيف روزن، الذي عمل سابقا لصالح «إيباك». وكتب روزن في 19 فبراير (شباط) في مدونته أن فريمان «ناقد حاد لإسرائيل»، واصفا تعيينه المحتمل بأنه: «مثال نموذجي للتوجه القديم الموالي للعرب»، الذي «تتشابه وجهات نظره إزاء المنطقة مع الآراء التي من المتوقع وجودها داخل وزارة الخارجية السعودية».

وقال روزن بالأمس إنه كان «لديه شعور إيجابي» حيال التعيينات السابقة التي أقرها الرئيس أوباما، ولكنه «دهش» إزاء اختيار فريمان. وأضاف أن «وجهات النظر بالغة التطرف» الخاصة بفريمان ليست هي ما يتوقعه بالنسبة إلى من يتولى رئاسة مجلس الاستخبارات القومي. الملاحظ أن روزن يتمتع بمكانة فريدة داخل واشنطن. عندما كان يعمل لصالح «إيباك» اتهمته إدارة الرئيس جورج بوش وزميل له عام 2005 بانتهاك قانون التجسس، ليصبحا بذلك أول موظفين غير حكوميين يتعرضان لهذا الاتهام، وعليه استغنت «إيباك» عن خدماته، ومن المقرر محاكمته في مايو (أيار).

في تلك الأثناء يقتصر دور روزن على ما يمكنه فعله، ومن ناحيته قال روزن إنه ليس بإمكانه الحديث إلى موظفي «إيباك» أو ممارسة ضغوط وحشد تأييد داخل الكونغرس، وأشار إلى أنه تحدث إلى «عدد من الصحافيين» الذين أجروا اتصالات معه لسؤاله حول فريمان، لكنه لم يتحدث إلى أعضاء في الكونغرس.

وكانت وجهة النظر سالفة الذكر التي كتبها روزن في مدونته الأولى من بين 17 مقالا كتبها حول فريمان خلال 19 يوما. وتضمنت بعض هذه المقالات وجهة نظر روزن الشخصية، بينما أشار البعض الآخر إلى آراء مدونات أخرى. وعمد روزن إلى اقتفاء أثر الاهتمام المتنامي داخل المدونات بتعيين فريمان، بما في ذلك التغطية التي عرضها غولدبرغ من أتلانتك، ومايكل غولدفارب من ويكلي ستاندرد، وتشيت ومارتين بيريتز في نيو رببليك. والواضح أن الاهتمام حيال هذا التعيين تزايد بين أعضاء الكونغرس أيضا.

في 2 مارس (آذار) بعث عضو مجلس النواب بيتر هوكسترا، بخطاب إلى بلير أثار خلاله المخاوف حيال تعيين فريمان، بناء على ما قرأه عن مواقفه. وبعد يومين دعا بلير إلى سحب اختيار فريمان.

وفي اليوم ذاته دعت المنظمة الصهيونية الأميركية إلى دعم خطاب وضعه عضو مجلس النواب مارك ستيفين كيرك، دعا خلاله مدير الاستخبارات القومية إلى التحقيق حيال احتمال وجود تعارض في المصالح فيا يخص تعيين فريمان نظرا إلى علاقات المالية بالسعودية. وقّع على الخطاب كيرك وسبعة آخرون من أعضاء الكونغرس، بينهم زعيم الأقلية داخل مجلس النواب جون إيه. بوهنر، وتم إرسال الخطاب إلى المفتش العام إدوارد ماغوير في الثالث من مارس (آذار).

ويرى مراقبون أن هذا الطلب شكّل نقطة تحول في جهود منع تعيين فريمان في منصب رئيس مجلس الاستخبارات القومي. أما مدونة روزن فبدأت في التركيز بصورة تكاد تكون حصرية على مسألة تعيين فريمان.

يوم الإثنين كتب سبعة من أعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري إلى بلير لإعلان اعتراضهم على اختيار فريمان، الذي لم يتم عرضه على مجلس الشيوخ للتصديق عليه. وهدد الأعضاء بمراجعة عمل مجلس الاستخبارات القومي ما دام فريمان قد ظل في رئاسته.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»