ساركوزي يؤكد لسليمان أن لا تسويات على حساب لبنان.. ويلتزم ببعثة أوروبية لمراقبة الانتخابات

أول رئيس عربي يجري «زيارة دولة» إلى باريس في عهده

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدى استقباله نظيره اللبناني ميشال سليمان في قصر الإليزيه بباريس أمس (أ.ب)
TT

قال الرئيس اللبناني ميشال سليمان إنه حصل على تأكيدات من الرئيس ساركوزي أن لا تسويات ستحصل في المنطقة على حساب لبنان مضيفا أن لبنان نفسه «لا يسمح أن تتم تسويات على حسابه». وأعلن سليمان رفض لبنان الدخول في مفاوضات مع إسرائيل معتبرا أن أية مفاوضات ثنائية «ستكون رهن تنفيذ القرارات الدولية وتحديدا القرارين 425 و1701 إذ أنه لا يوجد ملف خارج هذين الملفين وخارج هذين القرارين بين لبنان وإسرائيل».

وجاءت تصريحات سليمان في قصر الإليزيه عقب لقائه والوفد الذي يرافقه، الرئيس الفرنسي ومساعديه في اليوم الأول من «زيارة الدولة» التي يقوم بها إلى فرنسا والتي تستمر إلى يوم الأربعاء.

وقالت مصادر الإليزيه إن ساركوزي استقبل سليمان «كصديق وكرئيس بلد مهم» بالنسبة لفرنسا مضيفا أن تكريم سليمان هو «تعبير عن دعم فرنسا الكامل للدولة اللبنانية». وقال ساركوزي إن لبنان «يستطيع الاعتماد على فرنسا وعلى دعمها للحفاظ على استقلاله وسيادته». مضيفا أن باريس سترسل مراقبين إلى لبنان من ضمن المراقبين الأوروبيين للإشراف على إجراء الانتخابات النيابية موضحا أن فرنسا «لا تدعم أي طرف لبناني ضد طرف آخر بل هي تدعم الحوار الوطني والإجماع اللبناني».

وأعلن سليمان أن محادثاته مع الرئيس الفرنسي تناولت العلاقات الثنائية وملفات الشرق الأوسط مؤكدا أن وجهات النظر «كانت متطابقة» ولفت سليمان ردا على سؤال إلى أن «الأمور تسير بيننا وبين سورية بشكل منتظم» في إشارة إلى خطوات التطبيع بين بيروت ودمشق، مؤكدا أن الرئيس الفرنسي «مهتم بهذا الموضوع بشكل أساسي». وطمأن سليمان الجانب الفرنسي وفق ما أعلنه ووفق ما أفاد به المصدر الرئاسي إلى أن الانتخابات اللبنانية «ستجري بكل ديمقراطية وشفافية». وبحسب قصر الإليزيه، فإن سليمان أبلغ ساركوزي أنه «يريد أن يبقى فوق الأحزاب» نافيا بذلك رغبته في أن تكون له كتلة نيابية.

وكان الرئيس اللبناني قد وصل إلى مطار أورلي بعيد ظهر أمس وانتقل بالطوافة إلى ساحة الأنفاليد ومن هناك في موكب رسمي إلى مقر إقامته في قصر الضيافة المعروف بـ «قصر مارينيي» وهو يلاصق الإليزيه. وازدانت ساحة الأنفاليد وجادة الشانزليزيه بالأعلام اللبنانية والفرنسية. واتخذت إجراءات أمنية في محيط قصر الضيافة الذي ينزل فيه سليمان بينما ينزل الوفد المرافق في أحد الفنادق الفخمة في العاصمة الفرنسية. وانتقل الرئيس اللبناني الذي هو أول رئيس دولة عربي يقوم «بزيارة دولة» إلى فرنسا في الساعة الخامسة إلى قصر الإليزيه لجولة محادثات رسمية مع الرئيس ساركوزي دامت 45 دقيقة شارك فيها أعضاء الوفد وهم وزراء الخارجية والداخلية والاقتصاد وأمين عام القصر الرئاسي ناجي أبو عاصي وسفير لبنان في فرنسا بطرس عساكر. وعقب ذلك قلد ساركوزي ضيفه اللبناني وسام جوقة الشرف من رتبة الصليب الأكبر ثم أقام على شرفه والوفد الرسمي المرافق عشاء رسميا في قصر الإليزيه. وأعدت باريس برنامجا حافلا لسليمان يشمل لقاء الرؤساء الأربعة (الجمهورية والحكومة والنواب والشيوخ) واستقبالا رسميا في بلدية باريس وصعود جادة الشانزليزيه ووضع إكليل من الزهر على نصب الجندي المجهول تحت قوس النصر ولقاء الجالية اللبنانية وبيت الطلبة اللبنانيين في مدينة باريس الجامعية. واستبق القصر الرئاسي وصول الرئيس سليمان إلى باريس بإصدار بيان اعتبر فيه الزيارة «مناسبة للاحتفاء بالصداقة الفريدة من نوعها التي تربط بين البلدين والشعبين اللبناني والفرنسي» فضلا عن أنها فرصة «لإعادة تأكيد التزام فرنسا لصالح حرية لبنان وسيادته واستقلاله ودعمها الثابت لمصالحة اللبنانيين». وتناولت محادثات ساركوزي وسليمان العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي والمساعدات المالية الفرنسية للبنان وتتمات التزامات باريس ـ3 المالية إزاء لبنان وشروط صرفها والتعاون الثقافي وكذلك التعاون العسكري.

وينحصر الدعم الفرنسي في عمليات التأهيل والإعداد والخبرة الفنية والتجهيزات. وتناول الرئيسان الوضع السياسي اللبناني بكليته بما في ذلك العلاقات اللبنانية ـ السورية والاستحقاقات اللبنانية الداخلية وأهمها من وجهة النظر الفرنسية الانتخابات التشريعية المقبلة. وتقول المصادر الفرنسية إن باريس «حريصة على أن تجرى وفق القواعد الديمقراطية وبشفافية تامة» كما تعرب عن استعدادها للمشاركة في بعثة المراقبين الأوروبيين التي ستذهب إلى لبنان لمراقبة العملية الانتخابية. وتؤكد فرنسا أن عمل المراقبين «لا يجب أن ينحصر بيوم الانتخاب وحده بل قبل ذلك للتأكد من مناخ حرية الرأي والتعبير بعيدا عن الضغوط الداخلية أو الخارجية».

وفيما وصف البيان التعاون القائم بين باريس وبيروت بأنه «ممتاز ويتناول كافة الميادين»، اعتبر أن الزيارة ستساهم في «تكثيفها» كما أنها ستتيح لفرنسا «أن تؤكد وقوفها إلى جانب لبنان ودعمه على طريق السلام والازدهار». وتؤكد باريس دعمها «المطلق» لسير المحكمة الدولية الخاصة بلبنان و«تطمئن» المتخوفين على استمراريتها لكونها «أصبحت واقعا ولم يعد بوسع أية جهة أن توقف سيرها» وأن «لا إمكانية مطلقا لعقد صفقة ما» على حساب البحث عن الحقيقة ومحاكمة من تعتبرهم المحكمة مسؤولين عن اغتيال الحريري ورفاقه. وأبلغ ساركوزي سليمان رفض فرنسا الإفلات من العدالة ورفضها تسييس المحكمة.

وترى باريس أن الزيارة التي تحمل «شحنة رمزية» هي أولا «تجسيد لوقوف فرنسا إلى جانب الرئيس سليمان» لكونه يمثل الشرعية اللبنانية، ولكون أدائه منذ انتخابه «مُرضيا للغاية حيث نجح في البقاء فوق الأطراف في الداخل وبعيدا عن المحاور في الخارج».

وحظيت الملفات الإقليمية بنصيب وافر من محادثات الرئيسين وتحديدا الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي والوساطة المصرية ومشروع قمة السلام في الشرق الأوسط والقمة العربية القادمة في الدوحة والتطورات الإيجابية الحاصلة بين الدول العربية وهو ما تمثل في قمة الرياض الرباعية.

وفي الموضوع السوري، تنظر باريس، وفق ما قالت مصادر رفيعة المستوى لـ «الشرق الأوسط» بـ «ارتياح» للانفتاح الأميركي والأوروبي على دمشق وتعتبر أنها كانت «سباقة» في هذا المجال. وفي هذا السياق، قالت مصادر فرنسية رسمية لـ «الشرق الأوسط» إن هناك «منطقا جديدا» في التعامل مع دمشق «إذ انتقلنا من السياسة العدائية ومنطق العزل والفرض إلى سياسة الحوار المتطلب بحثا عن الإقناع. وبأي حال، تؤكد هذه المصادر أن فرنسا «حريصة على أن تنفذ دمشق تعهداتها التي صيغت وفق خريطة طريق» لتطبيع العلاقات الفرنسية ــ السورية بين الرئيسين ساركوزي والأسد. غير أن العلاقة مع سورية تذهب أبعد من الملف اللبناني، إذ ترى باريس أن إحدي وظائف الانفتاح هي «توفير خيار إضافي للسلطات السورية غير خيار التحالف مع إيران» ما يعيدنا إلى المطلب الغربي بفك التحالف الإستراتيجي بين دمشق وطهران.