إعلان خاتمي نظر انسحابه من الانتخابات يقسم الإصلاحيين.. ويريح أحمدي نجاد

توقع إعلان نجاد ترشحه للرئاسة قريبا.. ولاريجاني ينتصر في معركة تعديلات الميزانية

TT

خيم الغموض أمس على الدوافع الحقيقة لإعلان الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أنه يبحث سحب ترشحه لانتخابات الرئاسة المقررة في يونيو (حزيران) المقبل لصالح مرشح إصلاحي آخر، لم يعلن عنه، وذلك بهدف توحيد صف الإصلاحيين قبل الانتخابات الرئاسية. لكن، وفيما كان المعسكر الإصلاحي منقسما بالفعل بين مؤيد ومعارض لاعتزام خاتمي التخلي عن ترشحه، كان معسكر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مرتاحا بسبب ترجيح انسحاب خاتمي على أساس أنه يشكل التحدي الحقيقي أمام فرص فوز أحمدي نجاد بولاية ثانية.

وقالت مصادر وسط الإصلاحيين إن خاتمي يريد التنازل لصالح رئيس الوزراء الإيراني السابق مير حسين موسوي الذي أعلن بدوره الترشح للرئاسة قبل أيام. وأوضح مصدر قريب من خاتمي في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الإيرانية أن الرئيس السابق «قرر الانسحاب وسيعلن ذلك هذا المساء أو غدا (الثلاثاء) في بيان». وبذلك يبقى في الساحة مير حسين موسوي ورئيس البرلمان خلال ولاية خاتمي ورئيس حزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي. ولم يعلن أحمدي نجاد حتى الساعة عن نياته لكن مقربين منه أكدوا أنه سيقدم ترشيحه. ويُعتقد أن هذا الإعلان قد يكون قريبا وعلى مسافة أيام فقط، وذلك بعدما تخلص أحمدي نجاد على ما يبدو من أبرز منافس له.

ويرجح أن يبرر خاتمي انسحابه بضرورة تجنب تشتيت فرص الإصلاحيين والمعتدلين في الاستحقاق. ونقلت وكالة أنباء مهر عن خاتمي الأحد قوله إن «بعض خصوم الإصلاحيين يسعون إلى زرع الشقاق بين مناصريّ ومناصري موسوي». وأضاف بحسب الوكالة: «هذا ليس في مصلحتنا.. ومن منطلق أن بعض المحافظين يميل أيضا إلى موسوي الذي يؤمن بضرورة تغيير الأمور، أفضل أن يبقى موسوي في السباق نظرا إلى شعبيته وقدرته الأكبر على تطبيق برامجه». وكان خاتمي أعلن في السابق أنه «سيكون بنفسه أو مير حسين موسوي مرشحا». إلا أن هناك روايات أخرى تردد أن إصلاحيين ربما دفعوا خاتمي لإعادة النظر في ترشحه على أساس أنه يمثل خيارا غير محبذ أبدا من قبل بعض المحافظين، بينما مير حسين موسوي وكروبي مقبولان أكثر من التيار المحافظ، مما يفتح لهما الباب ربما للحصول على أصوات من المحافظين من غير المؤيدين للسياسات الاقتصادية لأحمدي نجاد، خصوصا بعد ارتفاع التضخم إلى أكثر من 26%، وبالتالي تتزايد حظوظ فوز الإصلاحيين بالرئاسة، إلا أن هذا السيناريو لا يبدو مرجحا لأن كروبي ومير حسين موسوي لا يتمتعان بالشعبية الجماهيرية وسط الشباب والنساء، وهما قوة هامة في الانتخابات.

إذ يتمتع موسوي المولود عام 1942 بشعبية في صفوف المحافظين والإصلاحيين الوسطيين. وقد لعب دورا محوريا في إيران ما بعد الثورة كمدير المكتب السياسي في حزب الجمهورية الإسلامية الحركة الرئيسية التي جمعت أنصار آية الله الخميني. كما اضطر إلى الاستقالة من منصبه كرئيس وزراء لإدارة اقتصاد أرهقته الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). ثم أصبح ـ وما زال ـ عضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام. وبدا متحفظا جدا طوال هذه الفترة، ولم يجر أي مقابلة إعلامية. ولعب بهدوء دور مستشار للرئيسين المحافظ أكبر هاشمي رفسنجاني (1989-1997) والإصلاحي محمد خاتمي (1997-2005). أما كروبي فهو أيضا إصلاحي وسطي لعب دورا دائما كهمزة وصل بين الإصلاحيين والمحافظين.

وأعلن خاتمي ترشحه في فبراير (شباط) موضحا أنه اتخذ هذا القرار مرغما. وحكم خاتمي بين 1997 و2005 في ولايتين طبعتهما محاولات إصلاحية غالبا ما اعترضها المحافظون. وخاب أمل عدد من مناصري الإصلاحيين مما اعتبروه قصورا في الشجاعة السياسية، وعلى الأخص غياب الاعتراض على القمع الذي مورس على الطلاب المحتجين عام 1999. لكنه ألهم الشباب الإيراني بوعود الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. وتمكنت الصحافة في عهده من التحرك قليلا، فيما انفتحت البلاد أمام الاستثمارات ولانت العلاقات مع الغرب.

غير أن هذا التوجه انعكس كثيرا مع تولي أحمدي نجاد الرئاسة، فبعد فوز الرئيس الحالي عام 2005، التزم خاتمي في البدء الصمت ثم انتقد من حين إلى آخر السياسة الاقتصادية وخطابات خلفه المعادية للغرب. كما انتقد ضمنيا دعم النظام مجموعات متمردين في المنطقة. ويبقى على المرشحين للانتخابات تسجيل طلباتهم لدى وزارة الداخلية اعتبارا من الخامس من مايو (أيار)، في مهلة من خمسة أيام. بعدئذ يعود إلى مجلس صيانة الدستور الذي يسود فيه المحافظون المصادقة على الترشيحات.

إلى ذلك، اتهم الرئيس الإيراني البرلمان بانتهاك الدستور بعد رفضه مبدأ رئيسيا في خطه لإصلاح نظام الدعم في إطار خلاف يزداد اتساعا حول السياسات الاقتصادية قبيل انتخابات الرئاسة، وذلك في خطاب بعث به نجاد إلى رئيس البرلمان علي لاريجاني احتجاجا على تعديلات أجراها البرلمان على مشروع ميزانية أحمدي نجاد للعام المالي المقبل.

وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية «إرنا» إن أحمدي نجاد قال في الخطاب إن البرلمان «انتهك بعض مواد الدستور في التعامل مع ميزانيته المقترحة». وصوّت البرلمان في التاسع من مارس (آذار) الجاري لصالح شطب فقرة في مشروع ميزانية عام 2009 ـ 2010 كان من شأنها تغيير نظام الدعم السخي في إيران، وقال نواب البرلمان إنها ستزيد التضخم في رابع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. وقال التلفزيون الإيراني الحكومي في موقعه على الإنترنت إن البرلمان أقر الميزانية في وقت لاحق لكن دون خطة إصلاح الدعم الحكومية التي تبلغ قيمتها 19 مليار دولار.

وما زال يتعين أن يوافق مجلس صيانة الدستور على الميزانية. وقالت وسائل الإعلام إن أحمدي نجاد يرى أن البرلمان تجاوز الحد في التعديلات التي أدخلها على مشروع ميزانيته، لكن محمد باهونار نائب رئيس البرلمان قال إن البرلمان عمل في حدود صلاحياته. ورفض لاريجاني ـ وهو سياسي محافظ يختلف مع الكثير من سياسات أحمدي نجاد ـ في خطاب موجه إليه. ونقلت الوكالة عن خطاب لاريجاني قوله: «مجلس صيانة الدستور هو المخول وحده سلطة تحديد انتهاكات الدستور، وتدخل الرئيس غير مشروع»، موضحا أن تعديلات البرلمان نهائية ولا رجعة فيها، وأن البرلمان عمل في إطار صلاحياته القانونية. ويقول منتقدون إن خطة الحكومة لرفع أسعار الطاقة والمرافق وتعويض الأسر محدودة الدخل بمدفوعات مباشرة سيزيد من التضخم المرتفع فعلا في وقت تنخفض فيه أسعار النفط وتتصاعد التوترات الاقتصادية. ويتهمون أحمدي نجاد بتبديد إيرادات استثنائية من ارتفاع أسعار النفط في وقت سابق، مما ترك البلاد في وضع أكثر هشاشة في وقت صعب مثل الوقت الراهن.

ويقول أحمدي نجاد إن خطته ستساعد على «تطبيق العدالة وإزالة التمييز»، وإن التغيير مطلوب بشكل أكثر إلحاحا الآن في ظل انخفاض أسعار النفط بنحو مائة دولار للبرميل من ذروتها التي تجاوزت 147 دولارا للبرميل في يوليو (تموز) الماضي، مما أضر بمصدر الدخل الرئيسي في إيران.