أمير الكويت يحل البرلمان «بعد أن تجاوزت الممارسات كل الحدود»

دعا لانتخابات مبكرة وطالب المواطنين بحسن الاختيار لصون مصلحة البلاد

TT

قرر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، أمس، حل البرلمان ودعوة المواطنين لانتخابات مبكرة، منهياً الاحتقان السياسي بين البرلمان والحكومة الذي شل البلاد منذ خمسة أشهر، وأدى إلى استقالة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد وفريقه الوزاري الاثنين الماضي، إثر تقديم ثلاثة استجوابات بحق رئيس الحكومة من قبل نواب إسلاميين في البرلمان.

وأتى قرار الشيخ صباح، الذي اتخذه ضمن حدود الدستور، مؤكداً انحيازه للتجربة الديمقراطية في الكويت، بعد أن ترددت أنباء على مدى اليومين الماضيين حول احتمال تعليق العمل بالدستور وحل البرلمان، ليقطع بقراره الشك الذي لف الشارع السياسي.

وقال الشيخ صباح في خطاب بثه تلفزيون الدولة الرسمي الساعة التاسعة مساء بحسب التوقيت المحلي، مخاطباً مواطنيه «لا شك أنكم تابعتم مثلي بكل استياء وألم ما تشهده الساحة البرلمانية من ممارسات مؤسفة، شوهت وجه الحرية والديمقراطية الكويتية، وهي ميراث صنعه الآباء والأجداد، وسيبقى موضع اعتزاز وفخر لنا جميعاً، ولم يعد خافياً أن تلك الممارسات قد أفسدت التعاون المأمول بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأشاعت أجواء التوتر والتناحر والفوضى، بما أدى إلى تعثر مسيرة العمل الوطني في البلاد، وامتدت طويلا وامتد معها صبر المواطنين بلا جدوى».

وأضاف «تلمست خلال لقاءاتي المتعددة مع المواطنين في مختلف مناطق البلاد مشاعر القلق والاستياء، التي باتت تقض مضاجعهم وتؤرقهم، فكلنا يدرك ما آلت إليه الأمور من تداعيات جراء الخلل المتفاقم الذي يشوب العمل البرلماني، بما انطوى عليه من انتهاك للدستور وللقانون وتجاوز لحدود السلطات الأخرى وتدني لغة الحوار على نحو غير مسبوق، وانتهاج سبل التعسف والتشكيك والتصيد والقدح بذمم الناس وأخلاقهم، وممارسة المزايدات والاستعراضات المشبوهة على مختلف المنابر والتجمعات، واستغلال وسائل الإعلام لإثارة الجماهير وشحنهم وشق الصف، تحقيقاً لغايات قصيرة ضيقة على حساب مصلحة الوطن».

وأوضح أنه تلمس هواجس مواطنيه «وانتظارهم للأمل في إصلاح العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والارتقاء بأدائهما للمستوى المنشود، ووجهتُ رسائل واضحة لأصحاب الشأن آملا الاستجابة للنصح تجنباً لما أبغض وأكره، وقد فاض الكيل».

وعاتب الشيخ صباح «المؤسسات الإعلامية بوسائلها المختلفة التي طالما حملنا لها كل الاحترام والرعاية وعولنا على دورها الإيجابي في التنوير والتوحيد والتنمية، حيث تم استغلال بعضها كمعاول هدم لمجتمعنا ولثوابتنا الوطنية».

وأعلن أمير البلاد حل البرلمان قائلا «يعلم الله أن القرار الذي اتخذته اليوم لم يكن يسيراً على قلبي، بل هو قرار حتمي تمليه عليّ أمانة المسؤولية، حيث أصبح اللجوء إلى الخيار أمراً ملحاً وعاجلا ومن الأمور التي تستوجبها المصلحة الوطنية، وهو أن ألجأ إلى حل مجلس الأمة وفقاً لأحكام المادة (107) من الدستور، ودعوة الشعب الكويتي إلى انتخاب مجلس نيابي جديد، ينهض بمسؤولياته الجسام في صيانة أمن الوطن وسيادته ويتحمل مسؤولية التطوير والتنمية في روح من التعاون الواعي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية». وطالب الشيخ صباح المواطنين بـ «ممارسة واجبكم الوطني المسؤول في حسن اختيار من يمثلكم في صون مصلحة الكويت حاضراً ومستقبلا، وتحقيق تطلعاتكم في وطن آمن مستقر مزدهر، فالكويت هي أمنا الحنون وأنتم أهلها وأحق بها، فعضوا عليها بالنواجذ، وتوحدوا حولها وتجردوا من الذاتية الضيقة والعصبية البغيضة».

ويعد البرلمان، الذي حله أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد أمس، ثالث برلمان منذ توليه مقاليد الحكم في يناير (كانون الثاني) 2006، وأتى قراره بعد أن تتابعت الأحداث يوم أمس منذ الصباح، إذ نشر عدد من الصحف اليومية على صدر صفحاتها الأولى أخباراً عن تعيين النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك رئيساً للحكومة، بدلا من الشيخ ناصر المحمد، وتواترت بعدها الأنباء عن وجود توجه لتعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان لمدة عامين بهدف فرض تهدئة على الساحة السياسية، إلا أن ذلك سرعان ما تغير بعد أن تضاربت الروايات ظهراً حول تسمية ولي العهد الشيخ نواف الأحمد رئيساً للحكومة، في خطوة تدمج المنصبين، بعد أن فصلا منذ عام 2003، وذلك بعد اجتماع ضم معه عدداً من أبناء الأسرة الحاكمة، لبحث التطورات الأخيرة.

وعصراً دعت الحكومة المستقيلة الوزراء لحضور اجتماع طارئ، انتهى إلى رفع مرسوم حل البرلمان إلى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، مع الدعوة لانتخابات مبكرة تعقد في موعد أقصاه شهرين من إعلان الحل.

ومساء أعلن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مرسوم الحل، وتوجه بخطاب إلى المواطنين أكد فيه التزامه بالدستور وضيقه من ممارسات بعض النواب، وسوء العلاقات بين السلطتين، وجاء في مرسوم الحل أن قرار الأمير جاء نظراً «لما تقتضيه الظروف التي طرأت بسبب عدم تقيد البعض بأحكام الدستور والقانون، وما قررته المحكمة الدستورية في خصوص استخدام الأدوات البرلمانية للرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ومحافظة على أمن الوطن واستقراره وبناء على عرض رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء رسمنا بحل مجلس الأمة».

وكان رئيس البرلمان، جاسم الخرافي، قد أبلغ الصحافيين ظهر أمس أنه لم يُبلّغ وقتها رسمياً بأي إجراء يتعلق بحل البرلمان أو تشكيل حكومة جديدة، وذكر أن «الشيء المؤكد هو قبول استقالة الحكومة، أما فيما يخص أي إجراءات أخرى فسمو الأمير يدرسها ويتمعن فيها، والموضوع في أيد أمينة، وسموه ـ رعاه الله - حريص على استقرار الكويت، ونرجو من الله أن يلهم سموه الصواب في أن يقرر ما هو لصالح الكويت وأهلها».

ومن الجدير ذكره أن الحكومة الكويتية تقدمت باستقالتها إلى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد بعد تنامي ظاهرة تقديم استجوابات بحق رئيسها الشيخ ناصر المحمد من قبل نواب إسلاميين حملوه مسؤولية تراجع البلاد وعدم قدرة حكوماته المتعاقبة على حل المشاكل التي تعاني منها الكويت.

وشهدت العلاقة بين الحكومة والبرلمان، منذ تولي الشيخ ناصر المحمد مسؤولية رئاسة الوزراء قبل ثلاث سنوات، أكثر من أزمة، انتهت إما باستقالة الحكومة أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، كما شكل خمس حكومات خلال ثلاثة أعوام تعاطت مع ثلاثة برلمانات. وتشكلت في الكويت 25 حكومة منذ عام 1963، تولى رئاستها أمراء الكويت الراحلون الشيخ صباح السالم، والشيخ جابر الأحمد، والشيخ سعد العبد الله، إلى جانب الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد، قبل أن يتولاها بعده الشيخ ناصر المحمد في فبراير (شباط) 2006.

ويعد المجلس الحالي هو الثاني عشر منذ عام 1963، وتم تعطيل العمل بالدستور مرتين، أدتا إلى حل البرلمان الذي تبلغ مدته الدستورية 4 أعوام مرتين، أولاهما عام 1976 واستمرت أربعة أعوام، والثانية في 1986 وامتدت ست سنوات، فيما تم حل البرلمان وفقاً للدستور مع الدعوة لانتخابات مبكرة أربع مرات في الأعوام 1999 و2006 و2008، إضافة إلى إعلان يوم أمس.