«الجنائية الدولية»: تسليم كشيب وهارون لا يمكن أن يكون بديلا عن الرئيس السوداني

المتحدثة باسم المحكمة في لاهاي: لا نستطيع أن نجبر قطر على تسليم البشير

الرئيس السوداني عمر البشير يحيي أنصاره في الخرطوم أمس (أ.ب)
TT

لا يمكن أن تجبر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، دولة قطر، على اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وتسليمه للمثول أمام المحكمة، للرد على الاتهامات الموجهة إليه، حول ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إقليم دارفور السوداني، جاء ذلك في تصريحات للمتحدثة باسم المحكمة لورانسا بلايرون، أدلت بها إلى «الشرق الأوسط» أمس، وأضافت القول إن الخطوة القادمة، وبعد أن صدر قرار المحكمة مطلع الشهر الجاري، هو أننا في انتظار أن يأتي الرئيس البشير طواعية إلى لاهاي، أو أن تقوم الحكومة السودانية بتسليمه لنا، وفي حال استمر الرئيس البشير على رفضه المثول أمام المحكمة، ورفضت الحكومة السودانية تسليمه، سيقوم القضاة بتحويل الملف إلى مجلس الأمن، لاتخاذ الخطوات اللازمة، وأشارت المتحدثة إلى أنه لا يوجد فترة زمنية محددة، أو مهلة محددة يجب أن يقوم خلالها البشير بتسليم نفسه أو تسليمه من جانب السودان أو أي دولة أخرى، كما أنه لا يمكن تحديد فترة زمنية يجب خلالها أن يتخذ القضاة قرارا بتحويل الملف إلى مجلس الأمن، وقد يكون الأمر بعد أسبوع أو شهر أو عام.

وحول وصول البشير إلى قطر لمشاركته في القمة العربية القادمة، قالت المتحدثة إن قطر تشكل حالة خاصة، لأنها ليست من الدول التي وقعت على النظام الأساسي للمحكمة، وبالتالي لا يمكن أن تجبرها المحكمة على اعتقال البشير وتسليمه، ولكن في الوقت نفسه قطر عضو في الأمم المتحدة، وينص قرار إنشاء المحكمة من جانب المنظمة الدولية، على إلزام الدول الأعضاء، بالتعاون مع تلك المحكمة، واحترام قراراتها،وبالتالي إذا سلمت دولة قطر البشير إلى المحكمة، فإنها بذلك تكون قد تعاونت مع المحكمة تنفيذا لقرار سابق، وإذا لم تعتقل البشير ورفضت تسليمه إلى المحكمة، في حال وصل إليها للمشاركة في القمة، في هذه الحالة تقوم المحكمة بإبلاغ مجلس الأمن الدولي بالأمر، وعليه سيقوم المجلس باتخاذ الخطوات المناسبة اتجاه قطر، أو أي دولة أخرى يصل إليها البشير، ورفضت أن تتعاون مع المحكمة الدولية.

وحول سؤال بشأن قيام الحكومة السودانية بتسليم المطلوبين الآخرين على كوشيب وأحمد هارون، للمحكمة الدولية، وتأجيل قرار اعتقال الرئيس البشير أو إلغائه، قاطعتني المتحدثة على الفور، وقالت: «لا، أبدا، لن نقبل بمثل هذا العرض، ولن يكون هناك أي بديل لتنفيذ قرارات المحكمة الدولية، سواء بشأن البشير أو المطلوبين الآخرين».

وفي يوم الأربعاء 4 مارس (آذار) 2009، وافقت المحكمة على الطلب الذي قدمه الادعاء في 14 يوليو (تموز) 2008 لإصدار أمر بالقبض على الرئيس السوداني عمر البشير. ويذكر أنه في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، قدّم المدعي العام طلبا يلتمس فيه من الدائرة التمهيدية الأولى إصدار أمر بالقبض على ثلاثة من قادة المتمردين في دارفور، لجرائم حرب ارتكبت ضد أفراد حفظ السلام التابعين للاتحاد الإفريقي، في حسكنيتة في دارفور، في 29 أيلول (سبتمبر) 2007. وأحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الحالة في دارفور، إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب قراره رقم 1593 (2005)، الصادر في 31 آذار (مارس) 2005. وفي 6 حزيران (يونيو) 2005 قرَّر المدعي العام فتح التحقيق في هذه الحالة. وتُعتبر القضية ضد القادة الثلاثة المعنيين، القضية الثالثة المرفوعة في إطار هذه الحالة، وسبق للدائرة التمهيدية الأولى أن أصدرت أمرين بالقبض على السيد أحمد محمد هارون، وهو وزير الدولة السابق للشؤون الداخلية في حكومة السودان، ووزير الدولة للشؤون الإنسانية حاليا، وعلى السيد علي محمد عبد الرحمن (المعروف باسم علي كوشيب)، قائد ميليشيا الجنجويد، وذلك استنادا إلى مسؤوليتهما المزعومة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إلا أن المحكمة الجنائية الدولية في قرارها الأخير مطلع الشهر الجاري استبعدت اتهامات تتعلق بالإبادة الجماعية وقلصت قائمة الاتهامات ضد البشير من عشر إلى سبع اتهامات فقط. وجاء في قرار الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة. «يُشتبه في أن عمر البشير مسؤول جنائيا، باعتباره مرتكبا غير مباشر أو شريكا غير مباشر، عن تعمد توجيه هجمات ضد جزء كبير من السكان المدنيين في دارفور بالسودان، وعن القتل والإبادة والاغتصاب والتعذيب والنقل القسري لأعداد كبيرة من المدنيين، ونهب ممتلكاتهم». وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض على رئيس دولة حالي. وأشارت الدائرة التمهيدية الأولى إلى أن منصب البشير الرسمي كرئيس دولة حالي لا يعفيه من المسؤولية الجنائية ولا يمنحه حصانة من المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية. ووفقا للقضاة، يُدّعى أن الجرائم المذكورة آنفا ارتكِبت في أثناء حملة لمكافحة التمرد شنتها حكومة السودان على مدار خمس سنوات على حركة (جيش) تحرير السودان وحركة «العدل والمساواة» وجماعات مسلحة أخرى معارضة لحكومة السودان في دارفور. ويُدّعى أن هذه الحملة بدأت بُعَيد الهجوم الذي شُنّ على مطار الفاشر في نيسان (أبريل) 2003 بموجب خطة مشتركة جرى الاتفاق عليها على أعلى مستويات السلطة السودانية بين عمر البشير وقادة سياسيين وعسكريين سودانيين آخرين رفيعي المستوى. وقد استمرت الحملة حتى 14 تموز (يوليو) على الأقل، وهو تاريخ إيداع طلب الادعاء إصدار أمر بالقبض على عمر البشير.

تَمثّل أحد العناصر الأساسية لتلك الحملة في الهجوم غير المشروع على سكان دارفور المدنيين ممن ينتمون في معظمهم إلى جماعات الفور والمساليت والزغاوة التي تعتبرها حكومة السودان مقربة من الجماعات المسلحة المعارضة لحكومة السودان في دارفور. فكان ينبغي أن تشن قوات حكومة السودان، بما فيها القوات المسلحة السودانية وميليشيا الجنجويد المتحالفة معها وقوات الشرطة السودانية وجهاز والمخابرات الأمن الوطني ولجنة المساعدة الإنسانية، هجمات غير مشروعة على السكان المدنيين المذكورين. ورأت الدائرة أن عمر البشير، بصفته فعليا وقانونيا رئيس دولة السودان والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية فعليا، مشتبه به بالقيام بتنسيق وضع خطة حملة مكافحة التمرد وتنفيذها. واستطرادا، رأت الدائرة أيضا أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأنه كان يسيطر على جميع فروع «جهاز» الدولة السودانية وأنه سخّر هذه السيطرة لضمان تنفيذ حملة مكافحة التمرد.