الخرطوم: غارتان وليس واحدة على قافلتين شرق السودان.. تحملان بشرا وليس سلاحا

وزير النقل السوداني لـ«الشرق الأوسط»: 800 قتيل.. بينهم 200 من السودانيين معهم 13 بندقية للحراسة

صورة أرشيفية لمقاتلة إسرائيلية اثناء اقلاعها من احد المطارات الحربية بالقرب من بئر السبع جنوب اسرائيل (ا ب)
TT

أكدت الخرطوم أمس الأنباء التي أشارت إلى أن «طائرات»، ربما كانت إسرائيلية، هاجمت قافلة في شرق السودان، يشتبه في أنها لمهربي أسلحة إيرانية، بينما كانت في طريقها من السودان إلى مصر ثم إلى قطاع غزة في يناير (كانون الثاني)، مما أسفر عن مقتل معظم أفراد القافلة. لكن الخرطوم نفت أن تكون القافلتان تحملان السلاح، بل مئات المهاجرين غير الشرعيين، من إريتريا والصومال وجيبوتي والسودان، إلى مصر ومن ثم أوروبا، وزادت أن الهجمات ليست واحدة، بل اثنتان، استهدفتا منطقة صحراوية نائية في شرق السودان سقط خلالها نحو 800 شخص بين قتيل وجريح.

وبينما ألمحت إسرائيل أمس، على لسان رئيس وزرائها إيهود أولمرت، إلى أن قوات سلاح الجو الإسرائيلي هي التي قصفت شاحنات السلاح الإيراني وهي على الأراضي السودانية، متوجهة إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، قالت مصادر سودانية لـ«الشرق الأوسط» إن الطائرات أميركية أو فرنسية، ورفضت السفارة الأميركية في الخرطوم أمس التعليق، ومع ذلك ذكرت شبكة تلفزيون «سي.بي.إس» الإخبارية الأميركية بموقعها الإلكتروني أمس، أن مراسلها للشؤون الأمنية علم أن طائرات إسرائيلية نفذت هجوما في شرق السودان، مستهدفة شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى مقاتلي حركة حماس في غزة.

وتقول المصادر السودانية إن السلطات تواصل، وبتكتم وحذر شديد، التحقيق في تعرض قافلتين لغارات في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين. وقال الجيش السوداني في أول تعليق له أمس، إن الحكومة السودانية كانت على علم بالضربات التي تعرضت لها القافلتان، وشرع في اتخاذ الإجراءات الضرورية. وتقوم السلطات في الخرطوم بالاتصال بجميع الأطراف ذات الصلة بالموضوع.

وظلت الحكومة السودانية تضرب جدارا من الصمت حيال ضرب القافلتين في شرق السودان، وتضاربت الأنباء حول عددها، وفيما قال وزير سوداني تحدث لأول مرة عما حدث إنهما حادثتان، قالت مصادر في الشرطة لـ«الشرق الأوسط»إن الحوادث وقعت ثلاث مرات: الأولى في 27 يناير (كانون الثاني)، والثانية في 11 فبراير (شباط)، والثالثة نهاية فبراير (شباط). وذكرت المصادر أن قوات مكافحة التهريب ظلت تطارد إحدى القافلتين منذ دخولها السودان من إريتريا، وقبل أن تدخل معها في مواجهة شنت طائرات مجهولة، حسب المصادر، غارات على قافلة التهريب في منطقة عورة في سلسلة جبال البحر الأحمر قرب الحدود مع مصر.

وكشفت المصادر أن فريقا من المباحث الجنائية السودانية زار موقعي الغارتين وفحص المكان، وأخذ عينات من الصواريخ التي استخدمت في ضرب السيارات، قبل أن يعود إلى الخرطوم ويعد ملفا كاملا للتحقيق في الغارتين.

وروى مبارك مبروك سليم وزير الدولة بوزارة النقل، رئيس تنظيم ««الأسود الحرة» (كان يقاتل الحكومة في شرق السودان) لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل الحادثة، وقال: «هما في الأصل حادثتان، الأولى في 27 يناير، والثانية في 11 فبراير.. الاثنتان في منطقة (جبل صلاح) قرب الحدود السودانية المصرية». وقال إن عدد القتلى 800 من جنسيات مختلفة، بينهم إريتريون وصوماليون وسودانيون، وحدد عدد القتلى السودانيين بـ200 سوداني.

وكشف أن تنظيمه «الأسود الحرة» مشغول الآن برعاية نحو 200 أرملة وأكثر من 600 طفل في شرق السودان، خلفهم قصف القافلتين بقتل أولياء أمورهم. وحول تأخر إعلان الموضوع قال سليم: «الموضوع يعرفه أي شخص، ولكن العالم كان مشغولا بالحرب على غزة»، ولكن سليم نفى أكثر من سؤال بأن تكون القافلتان تحملان السلاح، وقال إنهما مخصصتان لتهريب البشر إلى مصر ومنها إلى أوروبا، غير أنه استدرك أن كميات الأسلحة التي وجدت عبارة عن 13 بندقية خفيفة للحراسة الشخصية للقافلتين.

واستنكر سليم الضربة، وقال: «إنها استهدفت ناسا فقراء من سائقين وحمالين ليسوا أكثر»، وأضاف أن من نفذ الضربة هي الطائرات الأميركية والإسرائيلية، وعبر البحر الأحمر، وقال إنهم تكهنوا عبر الأقمار الصناعية بأن القافلتين تحملان السلاح، مع أنهما تحملان «بشرا يتم تهريبهم عبر الحدود السودانية والمصرية إلى أنحاء أخرى في العالم».

وأقر سليم بوجود تجارة الأسلحة في القرن الإفريقي يقوم بها تجار كبار أوروبيون وإسرائيليون، وصفهم بأنهم تجار «ماركة خمسة نجوم»، غير أنه نفى بشدة أن يكون السودان مصدرا لتجارة السلاح، وقال: «هو فقط للعبور وليس منشأ لمثل هذه التجارة».

وحسب سليم فإن القرن الإفريقي مزدحم بالسلاح وبالناس الذين يرغبون في مغادرة بلادهم بحثا عن حياة أفضل في أماكن أخرى. وردا على سؤال حول تقييمه لحجم التهريب في المنطقة، قال سليم إن الظاهرة موجودة، والحل يكمن في الإصلاح عن طريق محاربة الفقر في المنطقة، وأضاف: «لا يحل بالضرب والقانون وإنما بإنشاء مشروعات تنهي الفقر في المنطقة»، ومضى: «هؤلاء تضطرهم ظروف فقرهم والعطالة التي تتفشى بينهم إلى ممارسة التهريب»، واقترح سليم إنشاء مشروعات زراعية وفتح مدارس صناعية في شرق السودان لإنهاء مشكلة العطالة.

وفي أول تعليق رسمي على الحادثة أمس أكد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة في السودان العميد الدكتور محمد عثمان الأغبش، أن الحكومة السودانية كانت على علم بالضربات التي تعرضت لها السيارات، وشرعت في اتخاذ الإجراءات الضرورية وقامت بالاتصال بجميع الأطراف ذات الصلة بالموضوع. وحول ما إذا كانت هناك اتصالات بالأميركيين قال الأغبش: «إن الحكومة السودانية اتصلت بالمصريين وبكل الأطراف عبر وزارة الخارجية السودانية»، لكنه لم يؤكد أو ينفِ إجراء اتصالات مع الإدارة الأميركية. وحول تأخير الإعلان عن هذه الغارة لشهرين كاملين قال الأغبش: «إن الحكومة وأجهزتها المختصة هي التي تقرر الوقت المناسب لذلك».

وكانت الغارة الأولى نشرت بعد يومين من وقوعها في شكل خبر مقتضب في أكثر من صحيفة إسرائيلية، دون أن يعلق عليها مسؤول إسرائيلي، حيث كانت الصحف ووسائل الإعلام المحلية للدول العربية والعالمية تركز على مجرى الحرب الإسرائيلية على غزة. ولم تشِر إلى أحداث شرق السودان سوى صحيفة «الوفاق» السودانية، التي يرأس تحريرها الصحافي إسحق أحمد فضل الله، على مرتين: المرة الأولى بعد أسابيع من وقوع الغارة الأولى، والمرة الثانية في افتتاحيتها لعدد الإثنين الماضي.