مصادر فرنسية رسمية: إيجاد مخرج للبشير ما زال ممكنا.. ولكن بشروط

باريس تنتقد استقبال القاهرة للرئيس السوداني.. وتذكر قطر بالالتزامات القانونية الدولية

نازحات سودانيات في انتظار العلاج في أحد مخيمات النازحين بالقرب من الفاشر أمس (أ. ب)
TT

تلتزم باريس موقفا متشددا إزاء قرار المحكمة الجنائية الدولية وتوقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير، لكنها رغم ذلك ووفق ما فهم من مصادر رسمية فرنسية على اطلاع واسع على الملف، لم تغلق بشكل نهائي الباب أمام احتمال التوصل الى «مخرج ما» لمأزق البشير، غير أنها تضع شروطا، «تبدو تلبيتها أمرا بالغ الصعوبة».

ويتأرجح الموقف الفرنسي بين التشدد والإصرار على تنفيذ مذكرة توقيف البشير الصادرة بتاريخ 4 مارس (آذار) وسوقه أمام المحكمة الجنائية الدولية من جهة وبين الإبقاء على بصيص ضوء يؤمل بإمكانية صوغ «تفاهم ما» مع الخرطوم ومع العالمين العربي والأفريقي لتجنيب السودان هزات وحروبا إضافية. وفي باب المواقف المتشددة، لم تتردد مصادر فرنسية رسمية من انتقاد استقبال القاهرة للرئيس السوداني التي زارها أول من أمس. وأمس، سئلت الخارجية الفرنسية عن ردة فعلها على زيارات البشير الخارجية التي تعد تحديا لقرار المحكمة الجنائية، فرد أريك شوفاليه، الناطق باسمها، بالقول إنه «يعود لسلطات الدول التي تستقبل البشير أن تحدد ما هي الالتزامات التي تريد احترامها» بخصوص قرار المحكمة الجنائية وعلى ضوء القرار 1593 الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي يطلب من الدول، الموقعة وغير الموقعة على معاهدة روما التعاون.

لكن المصادر الفرنسية عبرت عن «عدم ارتياح» باريس للزيارة التي قام بها البشير الى القاهرة وقالت إن فرنسا «لم تكن سعيدة» بها. وردت هذه المصادر على تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أول من أمس التي اعتبر فيها أن مصر غير مطالبة بتنفيذ قرار المحكمة الجنائية بالقول إن «القرار 1593 الذي أقر تحت الفصل السابع يطلب تعاون كل الدول مع المحكمة الدولية، ولذلك، فإن مصر «معنية» كغيرها من الدول بالتعاون دون أن يعني ذلك حصرا إلزامية توقيف البشير بل فقط «التعاون» مع المحكمة».

وفي السياق عينه، كشفت المصادر الفرنسية أن باريس أبلغت قطر موقفها من احتمال حضور البشير للقمة العربية في الدوحة نهاية الشهر الجاري. وفهم من هذه المصادر أن باريس ترى أن هذه المشاركة غير مرحب بها أيضا مضيفة، «لقد ذكرناهم بالإطار القانوني لمذكرة اعتقال البشير، وقلنا لهم إن قرار مجلس الأمن يطلب من قطر البلد غير العضو في نظام المحكمة التعاون مع قرارات المحكمة»، وشددت على أن الدوحة «غير ملزمة» بتوقيف الرئيس السوداني لكنه يعود إلى السلطات القطرية أن تقرر كيف ترغب أن تتعاون مع المحكمة الدولية على ضوء تواصلها وتشاورها معها. وتربط قطر وفرنسا علاقات دبلوماسية قوية. وتعاون البلدان بشأن ملفات عديدة بينها الملف اللبناني والملف السوداني ومواضيع أفريقية أخرى.

تفاديا لأي لبس، ولتحاشي إعطاء انطباع بأن باريس تتدخل في مسائل سيادية، أشارت المصادر الفرنسية الى أن تعاون قطر مع المحكمة يتعلق بقرار داخلي لدولة قطر. وتميز باريس في قراءتها للقرار 1593 بين مفهوم «الإلزام» المتوجب على الدول الموقعة على معاهدة روما من جهة وبين مفهوم «التعاون» الواجب على الدول غير الموقعة بسبب قرار مجلس الأمن. وتقع قطر ومصر في الخانة الثانية.

وسبق رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أن أشار في زيارة قام بها مؤخرا الى الخرطوم إلى وجود ضغوط غربية على بلاده من أجل عدم استقبال البشير في الدوحة. لكن مقابل هذا الموقف المتشدد، فإن مصادر فرنسية رسمية ترسل إشارات مختلفة. وقالت هذه المصادر إن باريس ترى أنه ما زالت هناك إمكانية متوافرة للعثور على مخرج لهذه الأزمة. وخلال زيارته الى السعودية يوم الأحد الماضي وعقب استقباله من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز وبناء على طلب الملك، التقى الوزير برنار كوشنير والوفد المرافق له سريعا الوفد السوداني الذي كان في القصر الملكي السعودي وكان برئاسة علي عثمان طه، نائب رئيس الجمهورية السوداني وعضوية مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس وآخرين.

لكن باريس تضع شروطا مقابل قبولها هذا المخرج وتفعيل الفقرة 16 من معاهدة روما التي تسمح بقرار من مجلس الأمن بتعليق ملاحقة البشير لمدة عام قابلة للتجديد. وشروط باريس يختصرها طلبها بحصول «تغيير جذري» في سياسة السودان في دارفور ما يعني عمليا عودة السودان عن قراره إبعاد المنظمات الإنسانية الـ13 من دارفور ومحاكمة المطلوبين الآخرين من المحكمة الجنائية علي هارون وأحمد كشيب ووقف الأعمال العسكرية في دارفور والسير حقيقة بخطة سلام تشمل الجميع فضلا عن الامتناع عن تهديد استقرار تشاد. لكن المصادر الفرنسية غير متفائلة بحصول تغير كهذا «لأن البشير لم ينفذ أيا من وعوده» ولأنه «بدد أشهرا كثيرة» من غير أن يتحرك.

ولا يختلف موقف فرنسا عن موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي اعتبر قبل يومين أنه «لم يفت الأوان بعد على قيام البشير بإجراءات قانونية داخلية»، في إشارة إلى محاكمة هارون وكشيب. لكن مشكلة باريس، وبان كي مون وكل الذين يدعون إلى مخرج، مزدوجة: فمن جهة، لا توجد في الوقت الحالي أكثرية من 9 أصوات في مجلس الأمن تقبل تفعيل الفقرة 16 ومن جهة أخرى، سيفتح سير باريس بمخرج كهذا الباب أمام سيل من الانتقادات والحملات المنددة بفرنسا وبمجلس الأمن الدولي خصوصا من قبل المنظمات الإنسانية وبعض الدول الأوروبية، واشنطن. وبأي حال، ما زال هذا الاحتمال بعيدا ويحتاج لمداولات ومشاورات ولكنه يحتاج خصوصا لحصول تغير حقيقي في سياسة السودان.