موسى يدعو لوقف الأصابع الأجنبية عن عبثها في الفضاء العربي

اعتبر العدوان الإسرائيلي على غزة دليلا على وصول الفكر العسكري الإسرائيلي إلى مرحلة تقترب من الجنون

TT

تمنى عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية أن تكون هذه القمة فاتحة صلح ووئام، ومنطق تضامن وتفاهم وسلام، وأن «يتجذر في إطارها توافق عربي في مواجهة تطورات دولية وإقليمية لا تخفي حساسيتها ومزالقها ومخاطرها».

وبعد الإشادة بالإنجازات التي تحققت تحت قيادة الرئيس السوري خلال العام الماضي، حيث هبّت كما قال «نسمات من التوافق والهدوء على العلاقات العربية»، وجه موسى التحية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمبادرته لإعادة الأمور إلى نصابها داخل البيت العربي، وكذلك جهود الرئيس المصري حسني مبارك في إعادة الأمور إلى نصابها داخل البيت الفلسطيني. وإلى مساعي أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، رئيس القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية، في لمّ الشمل وجمع الكلمة.

ورحب موسى بالشيخ شريف شيخ أحمد رئيس جمهورية الصومال الذي يشارك لأول مرة في قمة عربية، متمنياً له وللصومال كل التوفيق في إعادة بناء الدولة. وقال عمرو موسى إن القمة تعقد في أحد المفاصل الدقيقة التي يمر بها العالم العربي والمنطقة على اتساعها، «إذ لم تعد التحديات تقتصر على مشاكل سياسية أو أمنية فقط، وإنما أصبحت مشاكل المال والاقتصاد، وتأثير الأزمة العالمية المتعلقة بهما تدق بشدة على أبواب الجميع، ولكن الأهم والأخطر هو ذلك التحدي الذي فرضته سياسات عالمية كانت شديدة المحافظة والحدة في عنتها وكبرها والتباس نظرياتها السياسية ومنطلقاتها العقائدية، ذلك التحدي الذي أنتج أزمة غير مسبوقة في العلاقات بين الغرب والإسلام والعروبة». وأضاف «آن الأوان لأن نوقف أو أن تتوقف الأصابع الأجنبية عن عبثها غير المسؤول في الفضاء العربي، وتجاهلها للمصالح والقضايا العربية المشروعة»، محذراً من سياسات خارجية عانى العرب كثيراً من تدخلاتها، كما حذر بشدة من «الأسباب النابعة من مجتمعاتنا، ومن سياساتنا وممارساتنا التي تعتبر هي الأخرى من أسباب تراجع إسهامنا في المسيرة العالمية المعاصرة». وهذا حسب قوله «هو مكمن التحدي الذي يتطلب أن نرتفع، بل وأن نتفوق عليه بإثبات وجودنا الإيجابي، وتطور إسهاماتنا في الحياة الإقليمية والدولية، وقبول تحدي أن نكون أو لا نكون، بأن نحقق التقدم والتطور نحو أن نكون جزءاً من العصر بل وضمن رواده».

وسرد موسى بعض الإيجابيات النسبية التي تحققت ومن بينها التكامل والتطوير والتحديث الذي بدأ بالفعل في مختلف الدول العربية. فالتكامل العربي، كما قال، قطع شوطاً لا بأس به في توجيه العمل المشترك في الإطار الاجتماعي والاقتصادي ضمن اتفاق قمة الكويت على خطة عمل طموحة وعلمية وممكنة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي بدأت خطوات تنفيذه فور انتهاء القمة. وتحدث موسى عن المصالحة العربية والتوصل إلى توافق عربي، وإن كان لا يزال في مراحله الأولى، وكذلك عن الاتفاق العربي في مجال الصراع العربي ـ الإسرائيلي على مبادرة سلمية لا تزال مطروحة، ثم الاتفاق في ضوء امتناع إسرائيل عن التجاوب على ألا تبقى المبادرة طويلا. ثم تحدث عن حركة عربية دبلوماسية فاعلة، توجت بالمصالحة في لبنان، وكذلك بالحوار لتحقيق المصالحة الفلسطينية، والمساعدة على إتمام مصالحة في العراق، وإقامة السلام بين شمال السودان وجنوبه وفي دارفور، وفي الصومال، وفي دعم جزر القمر وفي الموقف الموحد في دعم استعادة الإمارات العربية لجزرها الثلاث، وكذلك في جهود دعم استقرار وصيانة التجربة الديمقراطية في موريتانيا. وعلى صعيد «صراع الحضارات والاتهامات التي وجهت إلينا وإلى ثقافتنا، توحد العرب في الرد والطرح وصياغة الموقف في مواجهة هذا التيار العاتي. وبالتالي وفي أحيان كثيرة تراجع الهجوم، ويعود إلى السياسة التي توافقنا عليها، وإلى التنسيق النشط مع الدول والتجمعات الأخرى التي لم تقبل طرح المحافظين الجدد ضد العرب والمسلمين». وأشار عمرو في هذا الصدد إلى اقتراحات إصلاح الجامعة العربية، حين رأى العرب أن منظمتهم الإقليمية أصبحت جاهزة وقادرة على العمل الإقليمي وعلى تولي الدفاع عن الحقوق والمصالح العربية في المحافل الدولية إلى جانب ما وصفه بالتقدم الواضح نحو الديمقراطية، وهو ما تمثل في المناقشة المفتوحة للموقف من العلاقات العربية ـ الإيرانية والعلاقات مع الولايات المتحدة، في أعلى مستويات الحكم، كما في الشارع السياسي، إلى جانب حركة إعلامية غير مسبوقة في الوطن العربي، وهو فرق كبير لصالح حرية التعبير، «حتى وإن لم تصل بعض تعبيراتها إلى مرحلة النضوج بعد». وذكر الأمين العام للجامعة في المقابل بأن «السلبيات كثيرة وتشكل عقبة جدية في الانطلاق نحو مستقبل مختلف». وأهم هذه السلبيات على حد قوله «ميل في النفسية السياسية العربية إلى الانهزامية، وميل نحو قبول (النصيحة) الأجنبية. والفهم الملتبس للعمل الدولي في إطار السلام... رغم وضوح الحاجة إلى موقف جماعي حقيقي» مستطرداً القول «آن أوان علاج كل هذه الميول».

وأوضح أن السياسة لا تقوم على مجاملات، كتلك التي كانت بعض السياسات الدولية تسعى للحصول عليها لصالح إسرائيل، بدعوى تمهيد الجو لما كانت تسميه بتنازلات إسرائيلية، وهو ما يثبت أنه وهم وخداع، «فلم تقم إسرائيل أبداً بإجراء واحد خلال ما سمى بعملية السلام منذ مدريد عام 1991، يمكن اعتباره تقدماً أو موحياً بتقدم، وكانت الخطة هي جر العرب خطوة بخطوة نحو التطبيع مع المصالح الإسرائيلية دون أي مقابل، وهو ما يجب التيقظ له حتى لا يتكرر».

وقال موسى إن العالم العربي لا يزال ينتظر التوجهات المحددة للإدارة الأميركية الجديدة، «وإن رأينا منها بعض إرهاصات إيجابية يهمنا أن نبدي الترحيب بها».

ومن السلبيات التي واجهت العمل العربي أيضاً، كما قال موسى «التباس العمل نحو الديمقراطية، وتدني مستوى التعليم والبعد في مخرجات التعليم ومدارسه وجامعاته عن المستوى المطلوب عالمياً، والتخلف الواضح للمجتمعات العربية في تلمس آفاق العلم المتقدم وفتح أبواب المعرفة الحديثة، وتشجيع الإبداع العلمي والاختراعات». واقترح في هذا السياق أن يكون بند حالة العلم والتعليم في العالم العربي بنداً دائماً ورئيسياً على جدول أعمال القمم العربية، وأن تقدم الجامعة العربية تقريراً سنوياً عن تلك الحالة وتطوراتها. وأشار الأمين العام للجامعة إلى تراجع أدوات المعرفة في المجتمعات العربية، وقال «آن الأوان لأن نضع حداً للانفصام مع المسار المعرفي العالمي العام في الآداب والعلوم الإنسانية والفنون والكتابة ومختلف أدوات الطرح والإبداع الثقافي». وقال إن اقتراحه بتركيز القمم القادمة على العلم والتعليم والمعرفة والإبداع وتشجيعها جميعاً «يمكن أن يطلق عنان الحركة نحو فضاء عربي معرفي علمي ثقافي أوسع وأبلغ أثراً في إعادة تعريف العالم بنا».

وفي مجال التنمية الاقتصادية أشار موسى إلى أن الجامعة العربية تقدمت بالكثير من المبادرات في هذا الإطار، كان آخرها عقد قمة الكويت، ولكن الأمر يتطلب ثورة في التنمية الجماعية المتكاملة، حسب قوله، وتنفيذ مختلف مقررات قمة الكويت خاصة قرار إنشاء الاتحاد الجمركي العربي في غضون عام 2015، والمبادرة التي أعلنها أمير الكويت لدفع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي بإنشاء صندوق لها بقيمة 2 مليار دولار والقرار الخاص بمشروعات الربط المشتركة، من طرق وسكك حديدية ووسائل التواصل البري والجوي وربط شبكات الكهرباء والغاز.

وعلى صعيد التنمية الاجتماعية قال إن شؤون الأسرة والمرأة، والطفل، والشباب، وتزايد السكان، والأمية والبطالة، والبيئة، وغيرها، لا تزال تحتاج إلى الكثير، وهي أيضاً مرتبطة بمستويات التعليم، و«بضرورة إحكام العمل في مجال التنمية الاجتماعية بنظرة مستقبليه جريئة، مع حفاظ رصين في الوقت نفسه على ترابط الأسس الثقافية لمجتمعاتنا». وتطرق موسى إلى العدوان الإسرائيلي على غزة فقال «إن العدوان الإسرائيلي جعلنا نواجه سياسة إسرائيلية وصلت إلى مرحلة أقرب إلى الهوس، وعمليات عسكرية صفتها النزق والغرور، وإن استهداف المدنيين هو دليل على وصول الفكر العسكري الإسرائيلي إلى مرحلة تقترب من الجنون، واقتراف جرائم الحرب مع الشعور بالحصانة إزاء القانون الدولي هو تطور خطير لا يجب السكوت عليه».