«الناتو» يحتفل بعيده الستين تحت ضغوط أكبر عملية عسكرية في تاريخه

أردوغان يرفض ترشيح رئيس وزراء الدنمارك لمنصب أمين عام الحلف

TT

انتقلت الإجراءات الأمنية المشددة والتظاهرات من العاصمة البريطانية إلى ستراسبورغ شرق فرنسا، إذ بعد أن أنهى 22 من قادة العالم اجتماعاتهم لحل الأزمة الاقتصادية في قمة دول العشرين، انتقل 10 منهم إلى فرنسا لحضور القمة الـ60 لحلف الشمال الأطلسي «الناتو». وسيكون مستقبل مهمة أكبر عملية عسكرية في تاريخ الحلف، وهي العملية في أفغانستان، محور اللقاء الذي يعول الرئيس الأميركي باراك أوباما على أنه سيساهم في دعم استراتيجيته الجديدة لأفغانستان.

ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن مساعدات لأفغانستان تدعم قواتها الأمنية الخاصة، ولكن لم يتم الاتفاق حتى مساء أمس حول حجم هذه المساعدات. وسيركز الحلف على «إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي والاجتماعي». وتوقع المصدر، الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم ذكر هويته، أن تؤدي الانتخابات المقبلة في أفغانستان إلى الحاجة إلى المزيد من الدعم الأمني، مضيفا أنه في الوقت الراهن «سيكون التركيز على التدريب وتأهيل القوات الأفغانية». وبدأ القادة مشاوراتهم السياسية أمس في حفل عشاء رسمي استضافه الأمين العام لـ«الناتو» ياب دي هوب شيفر، ويحضره قادة كرواتيا وألبانيا لأول مرة منذ أن أصبحا عضوين رسميين في الحلف، ليصبح عدد أعضائه 28 عضوا. وكان موضوع النقاش مستقبل «الناتو» من جهة، وعلاقة الحلف مع روسيا من جهة أخرى. وأفادت مصادر من «الناتو» أن عشاء مساء أمس الذي أجري في مدينة بادن ـ بادن الألمانية يشكل انطلاقة في بحث «نظرية استراتيجية جديدة» لـ«الناتو». ويذكر أن آخر مرة تم مراجعة استراتيجية الحلف وأهدافه كانت في اجتماع واشنطن عام 1999، وبعد عقد من التطورات التي شملت استخدام البند الخامس من ميثاق الحلف للمرة الأولى بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ومن المرتقب أن يوقع القادة «إعلان أمن الحلف» مع ختام القمة اليوم، ليعيدوا تثبيت مفاهيم الاستراتيجية الأمنية للحلف. وعلى الرغم من أن موضوع اختيار الأمين العام الجديد لـ«الناتو» ليس مجدولا رسميا في أعمال القمة، إذ اتخاذ قرار الترشيح يتخذ في العواصم المستقلة وضمن السياسة الخارجية لكل بلد بدلا من خلال آلية الحلف، فإن هذه القضية كانت في أذهان كثير من المشاركين في القمة. وتنتهي ولاية الأمين العام الحالي دي هوب شيفر في يوليو (تموز) المقبل، وقد ظهر رئيس وزراء الدنمارك اندرز فوغ ـ راسموسن، كالمرشح الأوفر حظا، بعد أن أكد الناطق باسمه أمس «فخر الدنمارك» في حال اختياره لهذا المنصب. إلا أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعلن أمس معارضته لهذا الترشيح بسبب دور راسموسن في قضية الكارتونات المسيئة للإسلام التي نشرت في صحف دنماركية عام 2005 وأثارت ضجة في العالم الإسلامي. وقال أردوغان: «لقد طلبت منه لقاء القادة المسلمين في بلده لشرح ما يحدث حينها ورفض ذلك، فكيف يمكن لي أن أتوقع منه المساهمة في إحلال السلم؟». ويذكر أن اختيار الأمين العام يعتمد على إجماع للدول الأعضاء. وعبرت مصادر في «الناتو» عن استغرابها من تصريحات أردوغان، إذ أكدت أن الرئيس التركي عبد الله غل رحب سابقا بهذا الترشيح. ومن المتوقع أن يحصل رئيس الوزراء الدنماركي على دعم باقي الأعضاء خلال الأيام المقبلة. وفيما يخص منطقة الشرق الأوسط، من المتوقع أن يتضمن البيان الختامي بندين حول مبادرتي الحلف المتعلقة بالمنطقة، مبادرة تعاون اسطنبول وحوار المتوسط. وسيشيد البيان الختامي بالتعاون مع الدول الأعضاء، خاصة توقيع الأردن اتفاق تعاون خاص به مع الناتو بعد توقيع كل من إسرائيل ومصر اتفاقين مماثلين. من جهة أخرى، كان من المرتقب أن يناقش القادة علاقة الحلف مع روسيا أثناء العشاء، إذ على الحلف أن يقرر مصير «مجلس الناتو روسيا» بعد أن توترت العلاقات بسبب الحرب الروسية على جورجيا في أغسطس (آب) الماضي. وأفاد مصدر دبلوماسي في «الناتو» لـ«الشرق الأوسط» أن لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما بالرئيس الروسي دمتري مدفيديف في لندن على هامش أعمال القمة وإعلان أوباما رغبته في إعادة إطلاق العلاقات «أمر مهم جدا، لأن الولايات المتحدة حليف مهم في الناتو، ورغبته في إعادة إطلاق العلاقات مع الناتو يساعد على تحسين العلاقات». وهذا تغيير عن القمة الأخيرة التي عقدت في بوخارست العام الماضي، إذ كان توجه قادة «الناتو» إلى الدولة الشيوعية السابقة والاجتماع فيها دلالة على التزام الحلف بـ«أوروبا الجديدة»، ذاك المصطلح الشهير الذي ارتبط بسياسات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. إلا أن إدارة بوش انتهت، وسيكون أمام القمة رئيس أميركي جديد، هو الأول ذو أصول أفريقية، ورئيس التزم بـ«إعادة إطلاق» علاقات بلاده مع روسيا. فعلى الرغم من أن الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين حضر قمة «الناتو» العام الماضي ولم توجه دعوة مماثلة لخلفه مدفيديف، فإن العلاقات بين «الناتو» وروسيا اليوم أقل توترا. وقرار الحلف تأجيل النظر بانضمام أوكرانيا وجورجيا للحلف في الوقت الراهن ساعد في تهدئة الأجواء المشحونة التي رافقت القمة السابقة. ويأتي قادة الحلف إلى القمة لبحث مستقبل الحلف، ولكن أيضا دراسة ماضيه، خاصة أن قمة «الناتو» هذا العام فيها رمزية كبيرة مع الاحتفال بالعيد الـ60 للحلف الذي شكل أساس وقف الحروب في أوروبا الغربية واستقرارها، مع مد التأثير «الغربي» إلى شرق أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وإحياء ذكرى الماضي وما أنجزه الحلف في استقرار أوروبا كان سببا في اختيار عقد قمة «الناتو» على حدود فرنسا وألمانيا. فالجارتان اللتان خاضتا حروبا مدمرة ضد بعضهما بعضا أصبحا من أقوى الحلفاء في القارة الأوروبية، إلى درجة أن الرئيس الفرنسي قال في تصريحات هذا الأسبوع إنه والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يتحدثان بـ«صوت واحد». وكانت العودة إلى قلب الاستقرار الأوروبي مع المصالحة التاريخية بين البلدين عقب الحرب العالمية الثانية السبب الرمزي وراء عقد القمة في هذا الموقع حسب مصادر «الناتو» التي شددت لـ«الشرق الأوسط» على أهمية «التحالف الفرنسي ـ الألماني» كعامل استقرار في مواجهة تحديات القرن الـ21. يذكر أن فرنسا وألمانيا تقدمتا باقتراح مشترك لاستضافة القمة وتمت الموافقة عليه من قبل الحلف. ومشاركة فرنسا في استضافة القمة يتزامن مع العودة التاريخية لفرنسا لقلب «الناتو» مع قرار ساركوزي عودة باريس إلى القيادة العسكرية للحلف. وبعدما وصل أوباما وزوجته ميشيل إلى سترازبورغ، حيث استقبلهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وزوجته كارلا بروني، عبر أوباما الحدود إلى بادن ـ بادن المجاورة، حيث استقبلته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ويعود القادة إلى الطرف الفرنسي من الحدود لعقد القمة اليوم.