رئيس وزراء الدنمارك أمينا عاما لـ«الناتو» بعد مفاوضات أوباما مع تركيا

اختيار الرئيس الجديد للحلف شغل القمة وأنقرة تتراجع بعد الحصول على وعود

راسموسن مع الأمين العام الحالي للناتو ياب دي هوب خلال المؤتمر الصحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد أن كان من المتوقع أن تشهد قمة حلف الشمال الأطلسي «الناتو» نقاشات صعبة حول أفغانستان، ودور الحلف المستقبلي فيه، انتقلت المفاوضات الشاقة إلى مسألة داخلية ذات تأثير واسع، وهي اختيار الأمين العام الجديد للحلف. وبعد أن كانت تركيا أصرت على رفضها لاختيار رئيس الوزراء الدنماركي اندريس فوغ راسموسن، استطاع الرئيس الأميركي باراك أوباما، من خلال التفاوض المباشر مع الرئيس التركي عبد الله غل، إقناع تركيا بالقرار.

وصرح الرئيس التركي في مؤتمر صحافي، تأخر عقده ساعتين ونصف الساعة، بسبب الأزمة حول اختيار الأمين العام، بأنه «بعد إجراء نقاشات طويلة توصلنا إلى نتائج شفافة، ونحن نتطلع إلى المستقبل وإنجاح الناتو». وأضاف أن «الحلف يستعد لإستراتيجية جديدة، مما يزيد من أهمية منصب الأمين العام، ولهذا السبب كانت هناك تصريحات تركيا عامة وخاصة في هذا الشأن، وسررت لتفهم الحلفاء لموقفنا». أما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان أعلن قبل يوم عدم موافقته على ترشيح راسموسن، فقال: إن موافقة تركيا جاءت إثر «ضمانات» قدمها أوباما لأنقرة. وأضاف أردوغان للصحافيين: «لقد أعلن رئيسنا موافقته بعدما تلقى معلومات مفادها أن أوباما سيكون الضامن لحل المشكلة المتعلقة بالتحفظات التي أعربنا عنها». وأعلن أردوغان أنه سيشارك الاثنين، في اسطنبول مع راسموسن، في ندوة حول تحالف الحضارات، وقال: «هناك، سنتوقف على الأرجح عند هذه الموضوعات. سنؤكد آراءنا في شكل يتطلع إلى المستقبل».

وكانت تركيا قد أثارت معارضتها لترشيح راسموسن، مذكرة بأزمة الكارتونات المسيئة للإسلام في الدنمارك، حين رفض راسموسن لقاء سفراء دول إسلامية لبحث الأزمة. ويذكر أيضا وجود توتر في العلاقات مع الطرفين، بسبب النشاطات الكردية في الدنمارك، وهي نشاطات سياسية لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية. وأكد الرئيس البولندي ليخ كاجينسكى، في مؤتمر صحافي أمس، بعد انتهاء القمة، أن «الأتراك هم الذين عارضوا لأسباب متعلقة بنشاطات الأكراد في الدنمارك، وأيضا بسبب قضايا بين المسلمين والمسيحيين والأوروبيين غير المؤمنين بديانة». وأضاف: «كانوا بلدا أمام 27، لم يكن بإمكانهم الإبقاء على معارضتهم». وعبرت مصادر دبلوماسية داخل الناتو، عن مخاوفها من أن يؤكد اختيار راسموسن، إلى توتر العلاقات مع بعض المسلمين، خاصة وأن «الناتو» عمل جاهدا في السنوات الأخيرة على تحسين صورته في العالم الإسلامي، من أجل جلب الدعم لمهامه في أفغانستان، إلا أن قادة «الناتو» لم يعتبروا ذلك عقبة في اختيار راسموسن. وبعد أن كسر مكتب راسموسن، أول من أمس، تقليد عدم تأكيد أخبار ترشيح أي شخصية للمنصب قبل الإجماع عليه، زادت الضغوط على قادة «الناتو» للتوصل إلى مرشح ليخلف الأمين العام الحالي يوب دي هاب شيفر، الذي تنتهي ولايته في 31 يوليو (تموز) المقبل. وكشف غل، أنه حتى الساعة الثانية عشر بعد منتصف ليل أول من أمس، استمرت المفاوضات في شأن الأمين العام الجديد، مضيفا أنه لم يتخذ قرار الموافقة إلى بعد «لقاء ثنائي مثمر جدا مع الرئيس الأميركي باراك أوباما». وأضاف: «أريد أن أشكر الرئيس أوباما لتفهمه، لقد ساهم كثيرا في تخطي مخاوفنا»، موضحا «توصلنا إلى تفاهم متبادل، ثم عقدنا لقاء ثلاثيا مع راسموسن، وتبادلنا الآراء، وسررنا بتخطي المخاوف». وبعد اللقاء الثلاثي، عقد قادة «الناتو» الـ28 اجتماعا مغلقا من دون أي وزراء أو مسؤولين آخرين مع أمين عام الحلف، لمناقشة تعيين راسموسن قبل الإعلان عنه. واستغرق اللقاء حوالي ساعة، وتأخر برنامج القمة على إثره. وكان دور الرئيس الأميركي والمحبة الأوروبية له واضحا في القمة، وأكد كل من غل، وكاجينسكى، ورئيس الوزراء البريطاني، أن دوره كان جوهريا في حسم الخلاف. وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، في مؤتمر صحافي أمس: إن القمة شهدت «تأثير أوباما الخاص»، مضيفا أنه «أظهر قدرته على حل الخلافات». واعتبر كاجينسكي: «مفتاح الحل كان بيد أوباما، لقد تحدث مع الأتراك ووصلنا إلى حل». وكان رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، يحاول تسليط الأضواء على جهوده لحل الأزمة حول راسموسن، معلنا أنه قضى 40 دقيقة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، لإقناعه بالقرار، الذي قال أردوغان علنا إنه يرفضه. وردا على سؤال حول دور برلسكوني، اكتفى غل بالقول: «الكثيرون ساهموا ونشكر برلسكوني لجهوده». ورفض غل الإجابة عن سؤال حول ما كسبته تركيا من موافقتها على راسموسن، قائلا: «تمت الموافقة على مطالبنا». وأضاف: «لو لم نكن مقتنعين بالتعهدات التي قدمت، كنا سنستخدم حقنا»، في إشارة إلى نقض القرار، إذ تعتمد قرارات الناتو على الإجماع. وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، عبر غل عن رغبته في أن يستخدم راسموسن مناسبة عقد «منتدى تحالف الحضارات»، الذي يبدأ أعماله مساء اليوم، ويحضره رئيس الوزراء الدنماركي. وقال غل: «هذه مشكلات كثيرة اليوم، ولا يمكن للناتو أن يحلها بالطريقة العسكرية فقط، هناك أمور يمكن حلها عسكريا، ولكن يجب أيضا استخدام الحوار والتعاون الأفضل». وأضاف: «راسموسن يعي أهمية المنتدى، وسيستخدم هذه المنصة جيدا». وتابع أن لدى راسموسن «خططا جيدة وسيعلن عنها قريبا». ويذكر أن أوباما سيزور تركيا أيضا يوم الاثنين، بعد الانتهاء من القمة الأوروبية ـ الأميركية في براغ، ومن المتوقع أن يحضر التحالف، الذي لم تنضم إليه الولايات المتحدة حتى الآن، الذي قال عنه غل أمس، إن «الدول بدأت تتسارع للانضمام إليه».

ومن جهته، وعد راسموسن، بـ«فعل كل ما يمكن للتواصل مع العالم الإسلامي». وأضاف في مؤتمر صحافي مساء أمس: «تركيا حليف إستراتيجي مهم وسنتعاون معهم، من أجل التأكد من ضمان أهم العلاقات بين الطرفين».