شرطيات عراقيات يتحدين العنف.. وعقلية الرجل أيضا

إحداهن: التحدي الأكثر إلحاحا أمامي هو إقناع زوجي بقبول مهنتي الجديدة

الشرطية كميت عبد الله تتناول الغداء مع رفاقها في مطعم قيادة الشرطة الوطنية في بغداد (رويترز)
TT

تقدم الشرطية بشرى كاظم، طعام الإفطار لأطفالها في منزلها في بغداد وتكمل قدح الشاي وتستعد ليوم عمل في نقطة تفتيش في واحدة من أخطر المدن في العالم. وبشرى (43 عاما)، واحدة من أوائل الشرطيات العراقيات في عام 2005 وانضمت للشرطة عندما احتدمت أعمال العنف وكان المتشددون يستهدفون المجندين في قوات الأمن الوليدة.

ووجودها عند نقطة التفتيش الخطأ في الوقت الخطأ كان يعني موتا محققا.

والآن تقول بشرى إنها تواجه تحديا أكثر إلحاحا وهو إقناع زوجها المحافظ والمجتمع عموما، بقبول اختيارها لعملها هذا، حسبما نقلت عنها وكالة رويترز. وقالت «في البداية كانت ظاهرة غريبة، لكن البلد يجب أن يكون فيه تطور مستمر، ونغير فكرة كون مكان المرأة في البيت أو في أعمال محددة».

وحتى أثناء حكم حزب البعث، بقيادة صدام حسين، الذي كان ينظر إليه في أوائل عهده، باعتباره حاكما تقدميا نسبيا، لم يكن النساء يعملن في مجال الشرطة باستثناء شرطة المرور.

وفي وقت لاحق بعد أن شلت الحروب والعقوبات البلاد تقلصت الاختيارات المطروحة أمام المرأة. فالرجال الذين ازدادوا فقرا عادوا للتمسك بالقيم القديمة المتأصلة في التقاليد العشائرية التي تعتبر مكان المرأة الطبيعي هو البيت.

ومنذ أن اسقط الغزو الذي قادته الولايات المتحدة حكم صدام هيمنت الأحزاب الشيعية على البلاد، وهي أحزاب غير متعاطفة مع فكرة المساواة بين الجنسين. والآن في الوقت الذي تسلم فيه القوات الأميركية مسؤولية الأمن لقوات الأمن والشرطة المحلية استعدادا للانسحاب الكامل بحلول عام 2011 ستقوم الضابطات بدور حيوي في قوات الأمن العراقية.

وأيا كانت شكاوى أزواجهن أو زملائهن من الرجال، تشير شرطية مثل بشرى كاظم إلى أن أحد أعداء البلاد وهو تنظيم «القاعدة» ليس ضد تجنيد النساء. وفي العام الماضي شنت نحو 24 امرأة هجمات انتحارية باسم تنظيم «القاعدة». وقال المقدم محمد إبراهيم إنه ثبت نجاح هذه السياسة، لأن النساء أقل عرضة للتفتيش من جانب رجال الشرطة.

وارتفع العدد المحدود من النساء اللائي التحقن بقوات الأمن بعد الغزو إلى نحو 3100 من بين 480 ألفا. وفي الشرطة الوطنية هناك 120 شرطية فقط من بين 45 ألف شرطي.

لكن الأوضاع تتغير. فقبل شهرين تخرجت 490 شرطية في أكاديمية الشرطة وهو أكبر عدد خريجات حتى الآن.

وقالت سميرة الموسوي، رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل في مجلس النواب العراقي، «هذه الخطوة تخطوها وزارة الداخلية بالاتجاه الصحيح نحو بناء حضارة جديدة». وأضافت «لقد بدأنا بثقة وإيمان ببناء تركيبة اجتماعية صحيحة نحاول بها تنقية مجتمعنا من المفاهيم القاهرة في نظرتها إلى المرأة».

ولدى بشرى كاظم دوافع شخصية قوية للالتزام بعملها في قوات الأمن، فقد اختطف ابنها وكان شرطيا أيضا وقتل في هجوم طائفي وقت ذروة أعمال العنف في عام 2006. وقالت وهي تجفف دموعها بمنديل «بالعكس (مقتل ابني) أعطاني الدافع بأن استمر في مهنتي».

وعادة ما تقتصر مهام الشرطيات على الأعمال الإدارية أو نقاط التفتيش. أما مداهمة المنازل للبحث عن متشددين فتظل مهمة الرجال وحدهم. وقال حيدر عبد الأمير، ضابط بالشرطة برتبة ملازم «المرأة تستطيع القيام بكثير من الأعمال، لكن ليس الأشياء التي تتطلب قوة ومقدرة بدنية». وأضاف «النساء عاطفيات جدا وقد يتأثرن بسهولة بالأحداث».

لكن كميت عبد الله تقول، إن مثل هذه الصور الذهنية التقليدية عن المرأة هي المشكلة. وذكرت كيف كان زملاؤها من الرجال يلتقطون صورا لها بكاميرات هواتفهم المحمولة أثناء تناولها طعام الغداء معهم في مطعم الجنود. وقالت «في المجتمع العراقي هناك أناس يتفهمون وجودنا في الشارع لخدمتهم، لكن هناك أناسا متعصبين دينيا». وأضافت «أتمنى من كل إنسان عندما يرى امرأة تعمل، سواء بوظيفة مدنية أو في الشرطة الوطنية، أتمنى أن ينظر إليها بنظرة حسنة وليس نظرة سيئة».