رجل دين شيعي بارز: لن ننسى الأعمال الطيبة للأميركيين .. ولا يمكننا أن نتجاهل دورهم

آية الله محمد حسين الحكيم: أحيانا نقول إن التغيير أتى من الشعب العراقي.. لكنه لم يأت منا

TT

لا يزال الماضي حيًا في أزقة النجف، ولم ينس آية الله محمد حسين الحكيم أيا منها على الإطلاق، ويبدو هذا الرجل دائم الابتسام، كما يُظهر شعوره بالبهجة من التناقض، كما لو كانت معاناته جعلته يقبل جميع التناقضات المحيطة به. ففي هذه المدينة، سلب الرئيس السابق صدام حسين الأئمة والعلماء الشيعة حقوقهم وسجنهم، فضلاً عن قتل بعضهم. ونجح الحكيم- وهو سليل أحد أكثر العائلات الدينية البارزة في البلاد- في النجاة بنفسه من السجن والحروب. وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، رأى بعينيه انتشار القوات الأجنبية في شوارع بلاده، والتفجيرات التي أصابت المواقع المقدسة، كما شهد أيضًا ثورة المقاتلين الشباب، وازدراءهم بعلماء الدين كبار السن من أمثاله، واستطاع هؤلاء المسلحون السيطرة على مدينة النجف تحت لواء الزعيم الديني الشيعي الشاب مقتدى الصدر. ورغم أن أقاربه داخل المؤسسة السياسية يحاولون إخفاء اعتمادهم على الأميركيين، لم يحاول الحكيم إخفاء تلك الحقيقة غير السارة التي تتظاهر الأحزاب الدينية بعدم وجودها خلال الذكرى السنوية لسقوط صدام حسين: إن العراقيين ضعاف للغاية بدرجة لا تجعلهم يستطيعون التغلب على العامل الباعث للقلق بالنسبة لهم. ويقول الحكيم «أحيانًا نقول إن التغيير أتى من الشعب العراقي، لكنه لم يأت منا». ولدى حديثه عن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، دبت الحياة في أواصر الرجل، وقارن البلاد قبل ذلك بغريق. وقال: «جعل الله الغريب يهاجم هذا النظام القوي. لن ننسى الأعمال الطيبة للأميركيين، كما لا يمكننا أن نتجاهل أو نهمل هذا الدور». وأكد الحكيم أن هذا ليس معناه أنه يحب الأميركيين، وأوضح أن الخير والشر متشابكان إلى حد بعيد، للدرجة التي جعلته غير قادر على التفرقة بينهما، فضلاً عن أنه لم يحاول فعل ذلك. وقال وهو يضرب بيده في الهواء: «خسر الشعب العراقي ثروات وأرواحا. وعانى ويلات الحرب والاحتلال، وهذا ثمن غال للغاية». وجلس يعد ويلات الإذلال، والحرب، والاحتلال. وأفاد الحكيم: «عندما يأتي التغيير من الخارج، يتم فرض الحكم، وهذا ما حدث هنا». ومع ذلك، فإنه يعلم أنه من دون الأميركيين، كان سيظل يعاني تحت وطأة حكم صدام حسين، وهذا ما يعني أن هذا العالم المعيب أفضل حالاً إلى حد ما. جدير بالذكر أنه في طليعة الثمانينات، فر أقارب الحكيم إلى إيران، وهناك أسسوا الجماعة المعارضة التي تُدعى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق- التي تغير اسمها حاليًا، وأصبحت حزبًا سياسيا كبيرًا. وفي تلك الأثناء، رفض الحكيم السفر، وظل في مسقط رأسه النجف، للدراسة والوعظ. وعليه، اُعتقل ضمن 80 رجلاً آخرين من عائلته عام 1983. وأمضى 8 أعوام في السجن، وكذا قضى ابنه، الذي كان يبلغ من العمر 12 عامًا فقط وقت اعتقاله. وفي الأسبوع الأول، تم إعدام 8 من أفراد عائلته، وفي غضون عامين، تم إعدام 10 آخرين. وبقي الحكيم في سجن أبو غريب، حيث تم الزج بـ25 سجينا في زنزانة واحدة، تبلغ مساحتها 12 قدمًا. ثم وضعوه بعد ذلك في الحبس الانفرادي، ورغم كونها عقوبة، إلا أنها علمته الصبر والتريث، وفي هذا يقول: «إذا ما حدث مكروه إلى رجل، فيتعين عليه أن يكون صبورًا». ويتذكر الحكيم زنزانته في الصيف، التي كانت توجد بها فتحة صغيرة في الباب لدخول الهواء، ويقول عنها: «هل يمكن أن تتخيل الحرارة، إنها مثل الموت».

وفي عام 1991، تم إطلاق سراحه والسماح له بالعودة إلى النجف، حيث ظل هناك تحت المراقبة. وأوضح أنه لو أتى إليه الطلاب حاملين الأسئلة، كان يتم اعتقالهم. واستطرد: «كان ينتابني شعور بأنني لم أقترف شيئا، وأنني بريء ويتم اضطهادي، فإذا ما قام أحدهم بتقبيل يدي، كانوا يعتقلونه».

وأشار الحكيم إلى أنه لم يعد حاليا مكان للخوف. وفجأة تجهم قليلاً، وشعر بالحرج من تحدثه كثيرًا عن نفسه، وقد تأخر الوقت، وأنه يرغب بالدراسة قليلاً قبل أن يخلد إلى النوم.

وخارج منزله، كانت الأضواء الحمراء والصفراء تومض فوق أكشاك التجار، فيما يتجه زوار الضريح إلى الصلاة. وتمنحه ديمومة النشاط الشعور بأن سنين المعاناة المنصرمة لم تذهب سدى. وكان يقول لضيوفه والابتسامة تعلو قسمات وجهه: «الحياة ليس بها راحة»، ثم تمنى لهم قضاء ليلة سعيدة.

* خدمة: «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»