المصور الذي أطاح رئيس وحدة مكافحة الإرهاب: لا أشعر بالذنب ولم أعرف أهمية الصورة عندما التقطتها

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يستفد من الصورة مالياً

بوب كويك عند وصوله الى مقر رئاسة الوزراء في لندن وتبدو الملفات السرية مكشوفة للمصورين والكاميرات، وقد قامت «الشرق الأوسط» بتغطية أسماء الضباط المكلفين بتنفيذ العملية في الصورة («بويليتيكال بيكتشورز»)
TT

قد تكون الكاميرا من بين أهم الاختراعات التي توصل إليها الإنسان، ولكنها لم تعد جهازاً بريئاً يستعمل لحفظ الذكريات واسترجاع أحلى اللحظات، لأنها تحولت اليوم إلى جهاز كاشف للأسرار وقارئ لأكثر الملفات سرية بغض النظر عن المسافات.

فآخر ضحايا عدسة الكاميرا كان بوب كويك، نائب رئيس شرطة لندن، الذي اضطر أمس إلى تقديم استقالته بعد أن نشرت صورة له وهو يحمل بيده ملفات وأوراقاً كتب على صفحاتها الخارجية «سري للغاية» وكانت عبارة عن مخطط عمره 9 أشهر يتضمن أسماء أعضاء مشتبه بهم مع تفصيل للمواقع وتفاصيل عديدة لمخطط العملية، مما اضطر الشرطة البريطانية إلى تسريع عمليات الاعتقال وتوقيف 10 من المشتبه بهم في الحال، والقيام بعمليات المداهمات في وضح النهار وبوجود عدد من المارة وفي أماكن سكنية مكتظة، لأنه كان من المستحيل ترك تنفيذ العملية لموعدها الذي كان محدداً، بعد أن كُشفت تفاصيلها في الصورة التي التقطها المصور البريطاني ستيف باك (54 عاماً) وهو يعمل لصالح وكالة «بوليتيكال بيكتشرز» في لندن.

وفي اتصال أجرته «الشرق الأوسط» مع المصور ستيف باك، تكلم عن صورته الشهيرة التي نشرت في عدد من الصحف وفي معظم وسائل الإعلام البريطانية أمس، وقال إنه تواجد خارج مقر رئاسة الحكومة «10 داونينغ ستريت» وكان يقف إلى جانب عدد من المصورين التابعين لعدة وكالات إخبارية عالمية، إضافة إلى مصوري وكالة «غيتي»، عندها وصل بوب كويك نائب رئيس شرطة لندن للقاء رئيس الحكومة غوردن براون، الذي كان في داخل المقر. وعندما خرج كويك من سيارته كان يحمل عدة ملفات وأوراق، وتابع باك «رحت ألتقط الصور من دون التركيز على الأوراق والملفات، ولم أعرف أهمية الصورة وأهمية ما التقطته كاميرتي إلا عندما قمت بتفريغ الصور على جهاز الكمبيوتر المحمول». وقال باك إنه في بادئ الأمر قرر عدم نشر الصورة في أي وسيلة إعلامية، غير أن أحد مصوري وكالة «غيتي» Getty Images التقط الصورة نفسها، وقام ببيعها لعدد من وسائل الإعلام، لكن نوعية الصورة لم تكن واضحة للغاية مثل تلك التي التقطها باك.

وأضاف باك أنه لا يعتبر نفسه بطلا، بل كان يقوم بعمله فحسب، كما أنه لا يشعر بالذنب لأن صورته تسببت في فقدان واحد من أهم الشخصيات في شرطة لندن عمله، لأنه بالنهاية مصور ومهمته التقاط الصور. وقال إنه لطالما نصح المسؤولين العاملين في مقر رئاسة الحكومة بتحذير ضيوفهم من مسألة تعريض أوراقهم الخاصة والسرية للمصورين، فالكاميرا تفضح، فالبعض يعتقد بأن المصورين الذين يصطفون خارج مقر رئاسة الحكومة يقفون على مسافة بعيدة نسبياً عن الضيف ووراء فواصل حديدية وليس باستطاعتهم التقاط الصور الدقيقة، إنما في الواقع الكاميرا الرقمية، مع تقدم التكنولوجيا، من شأنها أن تلتقط تفاصيل عديدة من على مسافات بعيدة جداً.

وعن الكاميرا التي استعملها باك في التقاط الصورة الشهيرة هذه، يقول إنها كاميرا عادية ولم يكن يستعمل أي عدسات خاصة مقربة للمسافات.

عمل ستيف باك في مجال التصوير لأكثر من 30 عاماً واستطاع في الماضي أن يسرق الأضواء أيضاً من خلال التقاط صورة شهيرة للأميرة ديانا وهي تحمل ابنها وكانت تعكس الشمس بأشعتها على تنورتها مما جعل الصورة فاضحة، كشفت عن ساقي الأميرة بطريقة واضحة بدت وكأنها عارية، ويقول ستيف إنه حينها طلب من الأميرة أن تستدير ليتمكن من التقاط الصورة، وعندما استدارت الأميرة أصبحت الشمس وراءها مباشرة مما جعل جسدها يبدو في الصورة وكأنه عارٍ. ويقول باك إن موقعه الإلكتروني تعرض لضغط غير عادي أمس بسبب هذه الصورة مما أدى إلى تعطله لساعات عديدة، فهو لا يعتبر نفسه بطلا إنما يرمي باللائمة على الشخصيات السياسية التي تعمل في مواقع حساسة ولا تقدر أهمية مواقعها، فالأوراق السرية التي كانت بحوزة بوب كويك لم يكن من المسموح أن تكون مرئية للجميع ومكشوفة، فهذه الغلطة أدت إلى تعرض الشرطة في بريطانيا لإضافة نقطة سوداء إلى ملفها المليء بالأغلاط والفضائح، وأكد باك أنه لم يحصل على مبلغ مالي إضافي ثمن الصورة، فهو يعمل لصالح «بوليتيكال بيكتشرز» ويحصل على راتبه منها.

واختتم المصور ستيف باك حديثه مع «الشرق الأوسط» بأن مهنة التصوير «شطارة» وحظ بنفس الوقت، وهو يأسف لما حصل لبوب كويك، إنما يعتبر أن هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة على الإطلاق لأن الكاميرا تقف للجميع بالمرصاد. شخصيات ومواقف مع الكاميرا

* صورة نائب رئيس الشرطة في لندن وهو يعرض محتوى الملف السري لمكافحة الإرهاب لم تكن الأولى في تاريخ أشهر اللقطات التي فضحتها كاميرات المصورين المحترفين، إنما حصل موقف مماثل للرئيس الأميركي السابق جورج بوش عندما قام بالكتابة على ورقة صغيرة مررها لكوندوليزا رايس خلال اجتماع لمفوضية الأمن مفادها أنه بحاجة لزيارة المرحاض، فوقفت الكاميرا له بالمرصاد والتقط المصور ريك ويلكينغ الذي يعمل لصالح وكالة «رويترز» صورة واضحة للورقة وتم نشرها في جميع وسائل الإعلام.

أما بالنسبة لوزيرة الإسكان البريطانية كارولاين فلينت فوقعت في مطب الكاميرا عندما التقط المصور لويس ويلد صورة لها، وهي تحمل ملفاً شفافاً يحتوي على أوراق كتب عليها بأن قيمة البيوت في بريطانيا سوف تهبط بنسبة 5 إلى 10 بالمائة وعبارة «لا نعرف ما إذا كان الوضع سيتأزم أكثر»، ولكن ما لم تعرفه فلينت بالفعل هو أن الصورة التقطت تفاصيل أوراقها وأسرار عملها وتصدرت صفحات الجرائد والصحف وهي لا تزال مجتمعة مع رئيس الوزراء داخل مقره. وعلى الرغم من ذكاء رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إلا أنه لم يكن أذكى من الكاميرا، فهو الآخر وقع ضحية عدسة الكاميرا عندما التقط له أحد مصوري وكالة «رويترز» للأنباء صورة قريبة لملفه الذي زينه بأوراق صغيرة فاصلة بينت أولويات المواضيع التي سيطرحها الرئيس في اجتماعاته.