الخرطوم: مبادرة سلام لدارفور برعاية أميركية كاملة.. وخطة لحل الأزمات خلال 6 أشهر

مبعوث أوباما بعد فشله في مهمة إعادة المنظمات المطرودة: سأطلع الرئيس على أصدقاء جدد وصورة جديدة لبلد عظيم

سكوت غرايشن موفد الرئيس الأميركي إلى السودان خلال لقاءاته المتعددة التي استمرت 10 أيام في السودان (أ.ب)
TT

قالت مصادر مطلعة في الخرطوم إن الإدارة الأميركية بصدد إطلاق مبادرة لتحقيق السلام في إقليم دارفور المضطرب، تحت رعايتها الكاملة، وبعيدا عن مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية وأحد الفصائل المسلحة في الإقليم. فيما كشفت المصادر أن المبعوث الأميركي الخاص للسودان سكوت غرايشن، الذي أكد خلال زيارته للسودان طرح «روشتة» خطة من ثلاثة بنود لتطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، لحل الأزمات السودانية خلال فترة زمنية لا تتعدى 6 أشهر. ووصف المبعوث غرايشن زيارته للسودان التي استغرقت عشرة أيام بأنها «الفرصة الطيبة للتعرف أكثر على الواقع السوداني»، وقال: «سوف أطلع الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على نتائج هذه الزيارة التي استطعت خلالها تكوين أصدقاء جدد، وسأنقل صورة جديدة لبلد عظيم». وكشف المبعوث الأميركي أنه سيعود إلى السودان مطلع مايو (أيار) المقبل لمواصلة الحوار مع الحكومة. من جانبها قالت الحكومة إنها «سمعت كلاما طيبا من المبعوث الأميركي»، ورهنت قبول الحوار مع واشنطن ودول الغرب بـ«عدم المساومة بقضية دارفور أو التعامل باستعلاء مع السودان». وأنهى غرايشن زيارته بمحادثات أجراها مع علي عثمان محمد طه نائب الرئيس الجمهورية. وعلمت «الشرق الأوسط»، ان الولايات المتحدة طلبت من السودان تقديم مساعدات، تسمح باستخدام مياهها على البحر الاحمر، للبوارج الاميركية التي تعمل من أجل التصدي لعمليات القرصنة على السواحل الصومالية، ولم تستبعد مصادر تحدثت الى «الشرق الأوسط»، أن يكون غرايشن طرح هذا الطلب على طه أثناء اللقاء.

لكن المبعوث الأميركي فشل في مهمة أخرى جاء من أجلها، وهي إثناء الحكومة السودانية عن قرارها بطرد 13 منظمة دولية عاملة في السودان، فيما كشف الدكتور غازي صلاح الدين العتباني مستشار الرئيس السوداني للصحافيين عقب لقاء طه وغرايشن، الذي جرى بمقر إقامة طه، عن اتفاق الجانبين على كيفية تنظيم العمل الإنساني في حدود سيادة السودان دون عودة المنظمات المطرودة. وقال العتباني «كما اتفقا على المزيد من التيسير للعمل الإغاثي وسد الفجوات التي يمكن التوصل إليها من خلال التقويم المشترك»، ولم يستبعد العتباني، في رده على أسئلة الصحافيين، إمكانية دخول منظمات جديدة للعمل في دارفور وفقا للقانون السوداني، ولكنه قال إن الحكومة لديها برنامج لسودنة المنظمات الإنسانية خلال عام. وقال العتباني: «سمعنا كلاما طيبا من المبعوث الأميركي وأوضحنا له من أجل أن تلعب الولايات المتحدة دورا إيجابيا لا بد أن تكون علاقتها إيجابية مع السودان»، وأضاف: «تواعدنا على استمرار الحوار حول القضايا الخلافية والثنائية»، ووعد بمواصلة الزيارات حتى تستقيم العلاقة. وقال «لا بد أن ندرك أن هناك رئيسا جديدا في الولايات المتحدة ليس فقط رئيسا جديدا، ولكن يحمل رسالة جديدة ونحن نريد أن نرى مصداقا عمليا على مستوى علاقات أميركا بالسودان وأفريقيا والعالم العربي». في غضون ذلك، رهن الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني قبول الحوار مع الولايات المتحدة ودول الغرب بعدم المساومة بقضية دارفور أو التعامل باستعلاء مع السودان، حسب تعبيره. وقال نافع وهو يخاطب احتفالا في ولاية «النيل الأبيض»، وسط السودان، إن الغرب اتجه للحوار مع حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد أن أقر بصمودها، ورحب نافع بالمبعوث غرايشن، وأبدى استعداد الحكومة لإدارة حوار مع الولايات المتحدة، وقال «لكن حوارنا مشروط بعدم المساومة بالقضية أو القبول بالدونية».

وكشفت مصادر مطلعة في الخرطوم أن الإدارة الأميركية بدأت في دراسة إطلاق منبر تفاوضي جديد لإنهاء الأزمة في إقليم دارفور تحت رعايتها الكاملة، بعيدا عن مفاوضات الدوحة بين الحكومة وحركة العدل والمساواة المسلحة في دارفور، وتوقعت مصادر ذات علاقة بملف السودان في واشنطن أن تستضيف دولة كينيا المجاورة المنبر التفاوضي الجديد برعاية الإدارة الأميركية. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» «إن المبادرة الأميركية المرتقبة ستكون على شاكلة مبادرة إيقاد للسلام التي انتهت باتفاق السلام بين الشمال والجنوب في عام 2005.

وكشفت المصادر أن مبعوث أوباما الخاص للسودان نقل إلى شخصية سودانية في الخرطوم، لم تشر إليها المصادر باسمها، التقته خلال زيارته انه متفاءل «بالتوصل إلى اتفاق سلام في دارفور والتوصل إلى حلول جذرية للازمة السودانية» خلال ستة أشهر من الآن.

وقالت المصادر إن الرئيس أوباما ربما زار السودان في النصف الثاني من العام الحالي ضمن جولة افريقية تشمل عددا من الدول في القارة، وكشفت أن الإدارة الأميركية ستدعو في الفترة المقبلة عددا من الشخصيات السودانية إلى واشنطن بغرض التفاهم معها حول كيفية إيجاد الحلول للازمة السودانية. وقالت إن الإستراتيجية الأميركية مع السودان ستقوم على ثلاثة محاور هي: «البعد عن الاستقطاب والظهور بمظهر المنحاز لطرف دون الآخرين، والسعي الجاد لإيجاد حل متكامل للازمة السودانية دون تجزئة، وتعضيد وتطوير العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطن بما يخدم مصلحة البلدين»، وكشفت المصادر أن المبعوث حصد تعهدات قوية من الحكومة السودانية بإنهاء الأزمة في دارفور، ونوهت المصادر بأن المبعوث علق على مباحثاته مع المسؤولين في الخرطوم في لقاء مع شخصية سودانية بالقول «وجدتهم يعلمون تماما خطورة الموقف وضرورة معالجته بالسرعة المطلوبة».

من جهته كشف مستشار الرئيس السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل ان حكومته تقدمت بحزمة من المقترحات للمبعوث الأميركي الخاص للسودان سكوت غرايشن للمساعدة في تطبيع العلاقات بين البلدين، خلال مباحثاته التي أجرها مع عدد من المسؤولين في الحكومة. وقال إسماعيل في تصريحات إن المقترحات تتمثل في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية، والتنسيق مع الأطراف للوصول إلى سلام في دارفور، بجانب التنسيق مع أطراف اتفاقية السلام الشامل بهدف تنفيذ الاتفاقية كما هي. وذكر مستشار البشير أن الحكومة والمبعوث يعكفان الآن على إعداد وثيقة برؤية مشتركة تكون بمثابة أساس للحوار بينهما على خلفية الزيارات المتبادلة التي يعتزم الجانبان القيام بها.