لاهاي: جلسة استماع جديدة لطرفي النزاع في قضية أبيي السودانية المتنازع عليها

الطرفان يبديان تفاؤلا لكسب القضية.. ويمكن استدعاء نائب الرئيس للشهادة

TT

عقدت لجنة التحكيم الدولية في لاهاي الهولندية أمس، جلسة جديدة من الجلسات المخصصة للمرافعات الشفهية بشأن النزاع حول منطقة أبيي الغنية بالنفط بين المؤتمر الوطني الحاكم في السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، ومن المقرر أن تستمر الجلسات حتى الخميس المقبل على أن يصدر القرار النهائي في 22 يونيو (حزيران) المقبل.

وكان الطرفان قد قدما المستندات والوثائق للمحكمة التي تؤيد دفاعاتهما في أحقيتهما بالمنطقة في وقت سابق من هذا العام. واستمعت المحكمة في جلسة الأمس إلى الطرفين حول حدود المنطقة، كما طرحت هيئة التحكيم أسئلة على فريقي الدفاع. وشهدت الجلسة العديد من المداخلات والمساجلات من طرفي النزاع، شأنها في ذلك شأن الجلسات السابقة. وخلال الجلسة الصباحية، تحدث فريق الدفاع عن الحكومة، وتركزت المداخلات حول تفنيد كل ما ذكره وفد حركة التحرير في مرافعاته أول من أمس، وتمحورت مداخلات دفاع الحكومة على إثبات أن لجنة خبراء أبيي لم تعتمد في تقريرها على تحليل وبحث علمي، وجاء على أسس جغرافية وضعها الاستعمار، حسب ما جاء على لسان البروفسور الاين بيليت، الذي أضاف أن الخبراء قد تجاوزوا الحدود التي من المفترض أن يعملوا من خلالها وفي إطارها. ومن جهتها تناولت المحامية لوريتا مالينتوبي مسألة تفويض الخبراء، وأشارت إلى أن مرافعات حركة التحرير تجاهلت الإشارة إلى أن المحكمة تحل النزاع وفقا لنصوص اتفاق السلام الشامل والمبادئ العامة للقانون، وتجاهلت الحركة ملحق أبيي، خاصة الفقرة الخامسة. وخلال مداخلته قال البروفسور جيمس كراوفورد إنه يمكن استدعاء نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه للشهادة أمام المحكمة ولو عبر الفيديو. وأظهر المحامي دهشته لعدم مطالبة الحركة الشعبية بذلك وهي تعلم أنه يجيد الإنجليزية ويتحمل مسؤوليات كبيرة، وأشير إليه في المرافعات، وإلى تصريحات له بشأن اجتماعات الهيلتون التي جرت في الخرطوم، وهناك خلاف حول الأطراف المشاركة والتشاور المسبق حوله.

من جانبه ركز المحامي جاري بورن، عضو فريق الدفاع لحركة التحرير حول تفسير قواعد اللغة الإنجليزية لبعض النصوص والمواد، ومنها المادة الأولى والفقرة الثانية منها واختلاف التفسيرات بين الجانبين، خاصة حول منطقة مشايخ الدينكا التسعة، وأشار إلى أن منطقة أبيي تشمل حدود مشايخ الدينكا التسعة كافة، وهو ما يتناقض مع ما جاء في اتفاق السلام، وانتقد تركيز الحكومة على مسألة تفويض الخبراء، وقال إن الحكومة تناولت هذا الموضوع كلغز من دون التركيز على الهدف الذي اتفق عليه الطرفان وهو ضرورة تحديد وترسيم منطقة أبيي، التي سوف يشارك سكانها في استفتاء مقبل في عام 2011. وأشار إلى قرار صدر 1905 حول انتقال مشايخ الدينكا إلى كردفان لتقليل هجمات يشنها بعض العرب من جنوب كردفان والاعتماد على تلك الرواية من خلال تقرير استخباراتي للحكومة السودانية في ذلك الوقت. وقال إن الحكومة لم تركز على هدف نقل مشايخ الدينكا وانتقالها إلى الحكم الثنائي بغرض توفير الأمن والاستقرار، ولوحظ أن القرار ركز على نقل الأشخاص لحمايتهم وليس نقل المنطقة الجغرافية، إذن هو تحويل للأشخاص وليس للأرض، وقال إن مذكرة الحكومة حول هذا الصدد أشارت إلى نقل مجموعات قبلية وليس مجموعة واحدة، وقالت الحكومة إن قرارا صدر لتحويل الدينكا إلى كردفان وألمحت إلى تحويل الأشخاص وليس المنطقة وكان الهدف من النقل الإداري هو حماية الأشخاص.

يذكر أنه في الجلسة الأولى التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي، قدم ممثل المؤتمر الوطني الحاكم الدريدري محمد أحمد مرافعته، وقال إن أبيي تتبع إقليم كردفان، فيما قدمت الحركة الشعبية مرافعتها خلال الجلسة الثانية أول من أمس، ودفوعات الحركة الشفهية حول أبيي. وردت الحركة على دفوعات الحكومة، وطالبتها بضرورة تطبيق تقرير خبراء حدود أبيي، الذي أشار إلى أن المنطقة تتبع جنوب السودان. وكان المؤتمر الوطني قد رفض في وقت سابق تقرير لجنة أبيي، وقال إن الخبراء تجاوزوا صلاحياتهم الممنوحة لهم، الأمر الذي أدى إلى لجوء طرفي نيفاشا إلى محكمة التحكيم الدولية للفصل بشكل نهائي في القضية. وسبق أن أعلن رياك مشار، نائب رئيس الحركة الشعبية، لدى افتتاح جلسات الاستماع، أن «كل سوداني له فائدة شخصية من هذا التحكيم».

ويقوم الخلاف على رسم حدود منطقة أبيي بعد أن أخفقت لجنة مشتركة مكلفة بالنظر في القضية في التوصل إلى اتفاق. وطلب الطرفان من المحكمة «تحكيما نهائيا وملزما» للفصل في الخلاف حول تبعية هذه المنطقة. وقد أنهى اتفاق السلام الشامل المبرم سنة 2005 بين الخرطوم والحركة الشعبية، حربا أهلية استمرت 21 سنة، وأسفرت عن سقوط مليون ونصف مليون قتيل، لكن لم يتم البت نهائيا في وضع منطقة أبيي، التي تقع وسط البلاد ويطالب بها الطرفان. وفي مايو (أيار) 2008، اندلعت معارك عنيفة في تلك المنطقة، وأثارت مخاوف من استئناف الحرب الأهلية. إلا أن الطرفين اتفقا بعد شهر على «خريطة طريق» تسمح بعودة عشرات آلاف النازحين من أعمال العنف وإقامة إدارة انتقالية، وطالبا بتحكيم دولي لتسوية الخلاف. وتحتوي تلك المنطقة الواقعة على خط التماس بين الشمال الذي تحكمه حكومة الخرطوم، والجنوب الذي يحظى بحكم ذاتي، على احتياطي من النفط تقدر قيمته بنحو نصف مليار دولار، وتسكنها عدة قبائل عربية وأفريقية، أكبرها دينكا نقوق وهي أفريقية جنوبية، والمسيرية العربية الشمالية. وينص اتفاق 2005 على أنه يجب تحديد مصير المنطقة عبر استفتاء سنة 2011. وسيقرر السكان أيضا ما إذا كانت أبيي ستتبع الشمال أو ستضم إلى الجنوب، على أن يقرر استفتاء آخر في احتمال استقلال الجنوب. وتقع أبيي غرب منطقة كردفان في السودان، وتحدها شمالا المناطق التي تسكنها قبيلة المسيرية، وجنوبا بحر العرب القريب منها. ويعيش فيها مزيج من القبائل الأفريقية مثل «الدينكا» والعربية مثل «المسيرية» و«الرزيقات»، ويدعي كل طرف سيادته التاريخية على المنطقة ويصف الآخرين بالغرباء.

وتعتبر أبيي منطقة تداخل بين قبيلة المسيرية الشمالية وقبيلة الدينكا الجنوبية التي ينتمي إليها زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، وهو تداخل يعود تاريخه إلى منتصف القرن الثامن عشر. وقد ظلت المنطقة تتبع إداريا المناطق الشمالية، لكنها تحولت الآن إلى منطقة نزاع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي تريد ضمها إلى الجنوب. وعانت قبائل تلك المنطقة من آثار الحروب الأهلية في السودان، في الحرب الأولى التي امتدت بين سنوات 1956 و1972، والحرب الأهلية سنة 1983.

وتقول وجهة نظر الحكومة إن أبيي هي منطقة تمازج بين القبائل العربية والأفريقية، نافية كونها خالصة لطرف من دون الثاني. أما الحركة الشعبية لتحرير السودان فتقول إن أبيي كانت تابعة للجنوب قبل سنة 1905، ولكنها ضمت من قبل الحاكم العام البريطاني لشمال مديرية كردفان بقرار إداري، وتطالب بإعادتها إلى الجنوب. وتضيف الحركة لوجهة نظرها أن العلاقة بين مجموعة الدينكا والعرب عرفت تغييرا في فترة الرئيس السابق إبراهيم عبود في تلك المنطقة، حيث حاول عبود إنهاء مشكلة الجنوب عبر العمل العسكري، إضافة إلى جهود الأسلمة والتعريب هناك، وحينها بدأ عدد من أبناء دينكا أبيي في الالتحاق بالحركات المسلحة الجنوبية.

وتعد مسألة الحدود غير الواضحة في أبيي الغنية بالنفط، مصدرا لأي نزاع داخلي محتمل في المستقبل. خلال جلسات الاستماع هناك فترة راحة بين الجلسات لتناول مشروبات أو الذهاب إلى تناول الغذاء. وقامت المحكمة بتقسيم الصالة الكبيرة المخصصة للاستراحة إلى قسمين، وتحولت فترة الاستراحة إلى التشاور والحديث عما دار داخل الجلسات والتعليق من البعض على نقاط معينة ولم يمنع الأمر من وجود بعض التعليقات الضاحكة من البعض لتغيير أجواء الجدية داخل الجلسات، كما استغل البعض الفرصة لالتقاط الصور التذكارية مع بعضهم بعضا، أو مع بعض المسؤولين والقضاة داخل المحكمة، وشهدت الجلسات كالعادة إجراءات أمنية مشددة مع ملاحظة غياب إعلامي عالمي، ولم يكن هناك سوى حضور ضعيف هولندي وأوروبي بشكل عام، وعلى العكس، كان هناك حضور كبير من الإعلام السوداني والعربي .