أول مائة يوم لأوباما: تقييمات مختلفة باختلاف واضعها

الديمقراطيون يعتبرونها أروع أول 100 يوم منذ روزفلت.. والجمهوريون يرون «الفشل» في كل شيء

TT

خلال نصف القرن الماضي، صارت عادة وسط السياسيين والصحافيين والخبراء الأميركيين، أن يقيّموا الرئيس في الولايات المتحدة بعد مرور مائة يوم على تنصيبه. وخلال الأسبوع الماضي، نشرت كل من مجلتي «تايم» الليبرالية، و«ناشونال ريفيو» اليمينية صورة أوباما على غلافها. لكن، مغزى كل صورة كان مختلفا. ويوضح هذا أن تقييم المائة يوم يعتمد على الذي يقيم. وضعت «تايم» على غلافها صورة ودية لأوباما، وهو يمشي نحو مكتبه في البيت الأبيض وقد ارتدي بدلة أنيقة. ومعها عنوان «مائة يوم». وكتبت: «هذا رجل يبني بيتا بالحجر، وليس بالتراب. هذه أروع مائة يوم منذ مائة يوم الرئيس روزفلت. نجح أوباما في الاختبار القصير، لكن يبقى الاختبار الكامل، وكيف سيحكم عليه التاريخ مع نهاية سنواته في البيت الأبيض».

في الجانب الآخر، وضعت مجلة «ناشونال ريفيو» رسما لأوباما على غلافها، وهو مثل ميكانيكي سيارات لم يقدر على إصلاح سيارة معطلة. بل بالعكس، أخرج الماكينة من السيارة قطعة قطعة ولم يقدر حتى على إعادتها إلى مكانها. ومع الرسم عنوان: «الرئيس الميكانيكي». وكتبت: «لم يفشل أوباما فقط في حل مشكلتنا الاقتصادية، ولكن أيضا، فشل في تعريفها. نعم، أعلن خططا لتشجيع النشاط الاقتصادي، ولضمان العلاج الصحي ولتنظيف البيئة. لكن، ستكلفنا هذه الخطط كثيرا في المستقبل، وستكلف أولادنا وأحفادنا».

وكتبت جريدة «هاتنغتون بوست» التقدمية في الإنترنت: «شاءت صدف التاريخ أن يدخل رئيس تقدمي البيت الأبيض مع دخول أميركا أكبر كارثة اقتصادية منذ سنة 1929. لكن تواجه أوباما ثلاثة عراقيل: أولا: ليس سهلا التخلص من العادات والسياسات القديمة. ثانيا: لا توجد حركة شعبية تقدمية تدعم هذا الرئيس التقدمي. توجد نقابات العمال، لكن هي نفسها، تواجه مشاكل. ثالثا: لم يقدر أوباما على كسب أكبر المعارضين: قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس، وقادة الشركات والبنوك في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك).» وهكذا، يبدو أن تقييم الأميركيين للمائة يوم، يعتمد على رأي الذي يقيم. وأن تعددية التقييم في واشنطن تبدأ، مثلا من معهد «بروكنغز» الذي يمثل الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري إلى معهد «بروغريسيف» (تقدمي) الذي يعبر عن آراء أوباما ومستشاريه الذين ظلوا يحيطون به منذ أن ترشح لرئاسة الجمهورية قبل أكثر من سنة.

بمناسبة المائة يوم، كتب المعهد «خطابا إلى الرئيس». وكان كتب خطابا مماثلا في يناير (كانون الثاني) بعد تنصيب أوباما رئيسا. وقال المعهد: «مجرد دخول رئيس تقدمي البيت الأبيض، هو أهم حدث خلال المائة يوم الأولى له. لا تتكرر هذه الفرصة في جيل واحد». وأشار المعهد إلى أن أوباما أوضح خطأ الذين يقولون إن التقدميين يتساهلون ضد «أعداء أميركا». وقال إن أوباما برهن على تشدد في أكثر من مجال: عندما تمهل في سحب القوات الأميركية من العراق. وعندما أرسل قوات إضافية إلى أفغانستان. وحتى عندما تشدد نحو القراصنة الصوماليين الذين تسلقوا سفينة شحن أميركية واعتقلوا قبطانها.

وعن إنجازات أوباما الاقتصادية، قال المعهد: «يوجد شيء أهم من الإجراءات التي اتخذها أوباما: أنه وقف في وجه قادة الحزب الجمهوري الذين ظلوا يلعنون الحزب الديمقراطي بقولهم إنه حزب فرض ضرائب. استطاع أوباما أن يقول لهؤلاء، مثلما يقول كل تقدمي: نحن حزب مصالح أميركا، لا حزب مصالح حزبنا».

ليس هذا التقييم غريبا على معهد تقدمي، شعاره قول جون ستيوارت ميل، الفيلسوف البريطاني: «يساوي رجل واحد يؤمن بمصلحة الناس أكثر من تسعة وتسعين رجلا يؤمنون بمصالحهم».

في الجانب الآخر، نشر معهد «هيريتادج» سلسلة تقارير انتقدت أوباما، ربما في كل المجالات. وخاصة خطة حل الكارثة الاقتصادية، وتخفيض ميزانية وزارة الدفاع، ومصافحة شافيز، رئيس فنزويلا، وأورتيغا، رئيس نيكاراغوا، وتغيير حظر السفر إلى كوبا، وفتح صفحة جديدة مع المسلمين، ونشر وقائع تعذيب المعتقلين المسلمين.

وعن الموضوع الأخير، قال المعهد: «أبى أوباما إلا أن يختم المائة يوم الأولى بخطأ ربما رقم مائة. حسنا، إذا كان أوباما يريد كشف وثائق تعذيب المعتقلين، فلينشر وثائق تثبت أن التحقيق المتشدد مع المعتقلين كشف معلومات كثيرة عن نوايا الإرهابيين نحو الولايات المتحدة». أشاد الديمقراطيون والليبراليون والتقدميون بما سموه «انفتاح» أوباما على العالم، خاصة في جولته الأوروبية وفي زيارته إلى تركيا وفي لقاءاته مع قادة أميركا الوسطى والجنوبية، وزيارته للمكسيك. لكن، قال جمهوريون ومحافظون إن الجولة الأوروبية لم تكن ناجحة لأن أوباما فشل في إقناع أوروبا بإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان. وأن حضور أوباما لمؤتمر البحر الكاريبي، أيضا، لم يكن ناجحا. ونفس الشيء مع زيارة بريطانيا، وما يسميه ناقدو أوباما «الركوع أمام ملك السعودية»، إشارة إلى مصافحة الرجلين خلال مؤتمر لندن للدول العشرين الغنية.

ماذا عن أوباما نفسه؟ كيف يرى المائة يوم الأولى؟ زاد حظه لأن استفتاء، قبيل اليوم المائة، أوضح أن شعبيته لا تزال عالية. قالت نسبة سبعين في المائة، إنه يؤدي وظيفته بصورة ممتازة أو جيدة أو معقولة. وقالت نسبة خمسين في المائة إن أميركا، في عهده، «تسير على طريق صحيح». رغم أن هذه نسبة ليست عالية، لكنها عالية جدا بالمقارنة مع نسبة عشرة في المائة في أكتوبر (تشرين الثاني) عندما كان بوش رئيسا.

وأمس الاثنين، أعلن البيت الأبيض أن المائة يوم هي «يوم عطلة تاريخية»، إشارة إلى أنه يوم تاريخي، وليس يوم عطلة أو تبادل بطاقات تهنئة. ويتوقع، في نفس اليوم، أن يجيز الكونغرس خطط أوباما الاقتصادية والصحية والاجتماعية. وذلك إشارة إلى أن الكونغرس أجاز، سنة 1933، خطة شاملة وضعها الرئيس روزفلت خلال المائة يوم الأولى لمواجهة الانهيار الاقتصادي.