أوباما في البيت الأبيض.. يعتمد سياسات معاكسة لبوش في معظم القضايا

ركز على تغيير صورة أميركا في الخارج وحل الأزمة الاقتصادية

TT

غدا يكون قد مر 100 يوم على تولّي الرئيس الأميركي باراك أوباما مهامه في البيت الأبيض. كانت هذه الأيام كافية لكي توضح بجلاء الاختلافات الجوهرية في السياسة الداخلية والخارجية بينه وبين سلفه جورج بوش. اختلافات في طرق التعامل مع المشكلات، وأسلوب التواصل والأغراض والأهداف التي يريد تحقيقها. يتحدث أوباما يوم غد في ثالث مؤتمر صحافي له كرئيس عن «الأيام المائة في البيت الأبيض». خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان أوباما يطل يوميا على الأميركيين عبر الشبكات الكبرى، ويتواصل عبر الإنترنت، ليشرح سياسته التي تتلخص في نقطتين جوهريتين: الأولى تحسين صورة أميركا في الخارج من خلال وقف حرب العراق وحسم الحرب في أفغانستان بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين، والتخلي عن سياسة «الحرب ضد الإرهاب» واستبدال شعار التصالح مع العالم الإسلامي بها، والمسألة الثانية داخلية تتمثل في خوض المعركة الشرسة مع الأزمة الاقتصادية.

وهناك أيضًا خلافات مع سلفه بوش حول موضوع الحريات العامة والتنصت والتعذيب والسجون السرية ومعتقل غوانتانامو وموضوع المناخ والأبحاث الطبية حول الخلايا الجذعية حيث قرر إبعاد الأبحاث العلمية عن أي تأثير سياسي.

ومنذ أيامه الأولى، تعامل أوباما مع هذه القضايا بجدية، فأمر في اليوم الثاني من دخوله البيت الأبيض بإغلاق معتقل غوانتانامو خلال سنة، ووقع أمرا بوقف عمليات التعذيب التي كانت تقوم بها وكالة المخابرات المركزية الأميركية. كما بادر بنشر مذكرة سرية من عهد إدارة بوش تبيح لضباط «سي آي إيه» استعمال تقنيات «الاستجوابات القاسية» ضد المعتقلين، مع تعهد بعدم متابعة هؤلاء الضباط قضائيا.

وداخليا، وفي يومه الثالث، رفع الحظر عن قضية مثيرة للجدل، من إرث الرئيس السابق بوش، تتمثل في دعم المنظمات الدولية التي تقدم معلومات حول الإجهاض. وعلى الصعيد الداخلي أيضًا، قرر أوباما المساواة الكاملة في الأجور بين النساء والرجال، ووقع أمرا تنفيذيا يمنع سياسة التمييز في هذا المجال. وعلى الرغم من اهتمام أوباما بالمجال الصحي ومساعيه لأن يشمل التأمين الطبي جميع الأميركيين، فإن محاولته المتعثرة لتعيين السيناتور السابق توم داشيل وزيرا للصحة حيث اتضح أن لها ملفا سيئا مع الضرائب عرقلت تلك المساعي، على الرغم من ذلك فقد عقد أوباما في الأسبوع الأول من مارس (آذار) اجتماعا في البيت الأبيض حول الرعاية الصحية بشأن إدخال تغيرات أساسية حول السياسة التي كانت تتبعها إدارة الرئيس بوش. وفي مجال التعليم دعا أوباما إدارته إلى وقف القروض التي تقدم للطلاب من أجل تمويل دراستهم الجامعية، واستبدال قروض للشباب بهذه القروض.

وفي مجال السياسة الخارجية، تبدو واضحة وضوحا جليا الخلافات بين توجهات أوباما وإدارة بوش. فبينما كان بوش يقول إن القوات الأميركية لن تنسحب من العراق إلا وهي تضع على رأسها أكاليل النصر، أعلن أوباما سحب جميع القوات الأميركية المقاتلة من العراق قبل أغسطس (آب) من السنة المقبلة، في حين سيبقى نحو 50 ألف جندي لتدريب القوات العراقية.

وعلى صعيد العلاقات الإيرانية الأميركية، استدار أوباما 180 درجة عن سياسة بوش وشرع في الإعداد لدبلوماسية اتصالات مباشرة مع إيران، ووجه لأول مرة في 20 مارس (آذار) الماضي رسالة «مودّة» إلى الإيرانيين في عيد النوروز. أعلن أوباما استراتيجية تختلف عن استراتيجية بوش في أفغانستان، وقال إن هدفها سيكون «هزيمة القاعدة وحركة طالبان»، معلنا زيادة عدد القوات الأميركية هناك، وقرر نشر أربعة آلاف من القوات التي ستعمل على تدريب الجيش الأفغاني، في حين تلقى وعدا من حلفائه الأوروبيين من أجل إرسال خمسة آلاف جندي ورجل شرطة إلى أفغانستان، وقرر تمويل العمليات العسكرية خارج الميزانية برصد مبلغ 83.4 مليار دولار.

وعلى صعيد أميركا اللاتينية وضع أوباما سياسة إدارة بوش تجاه كوبا خلفه، حيث انتهجت الإدارة السابقة سياسة عدم إجراء أي اتصال مع نظام كاسترو إذا لم يستجب للمطالب الأميركية. وفي هذا السياق قرر أوباما أن من حق الأميركيين من أصل كوبي القيام بزيارات غير محدودة لذويهم في كوبا، كما يمكنهم تحويل أي مبلغ من المال بدلا من مبلغ مائة دولار كان تسمح بها دارة بوش كل ثلاثة أشهر، كما قرر السماح لشركات الاتصالات والهواتف والإنترنت الأميركية بالعمل في الجزيرة. وأعلن أوباما في قمة الأميركيتين في 17 من الشهر الحالي أن العلاقات الأميركية مع كوبا «ستعرف بداية جديدة»، وفي القمة نفسها صافح وتحدث مع الرئيس الفنزويلي هيغو تشافيز الذي كانت إدارة بوش تعتبره من أسوأ الحكام في العالم، وكان بدوره يعتبر بوش هو «الشيطان بعينه».

في أثناء الحملة الانتخابية التي شهدت زخما لم تعرفه الحملات الانتخابية الأميركية منذ عقود طويلة، التزم باراك أوباما بتغيير العديد من السياسات الأميركية سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي. وقال بوضوح إنه سيضع حدا «لسياسات بوش وتشيني الفاشلة».

هناك خلال الأيام المائة تحولات وتوجهات أساسية، بيد أن هناك من يرى أن كل هذه التغييرات لم تكن جوهرية وأن سياسة الولايات المتحدة تجاه القضايا التي تتسبب في توترات على مدى عقود في العالم لم تتغير، ومن ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يقول أوباما إنه ما زال «يستمع» والأمر نفسه ينطبق على السودان (دارفور) حيث قال إنه «يستمع». ويقول الباحث في معهد «وودرو» ويلسون ديفيد كنز لـ«الشرق الأوسط» إن «أوباما تَخلّص حتى الآن من سياسات بوش الفاشلة، لكنه لم يبادر. هو يسير في اتجاه مضاد في كل من العراق وأفغانستان وإيران وكوبا، لكن ليس هناك سياسة جديدة ربما باستثناء إسقاطه مسألة الحرب ضد الإرهاب من قاموسه». ويضيف كنز: «علينا أن ننتظر، ففترة مائة يوم رمزية ولا تعني الكثير».