شعور بالخوف يجتاح إسلام آباد مع تقدم طالبان

الباكستانيون يترقبون بقلق مع سيطرة المتطرفين على شمال غرب البلاد

متسوقات في جناح ماركت بالعاصمة إسلام أباد، التي تشهد ركودا اقتصاديا مع تصاعد القلق الأمني بالشريط الحدودي («واشنطن بوست»)
TT

مع حلول كل ربيع، تدب الحياة على تلال مارغالا المشرفة على العاصمة الباكستانية إسلام آباد. إذ تفضي العواصف الرعدية التي تهب مساء إلى اندفاع السيول الجارفة إلى أسفل المنحدرات، فيما تجذب المجازات ذات المناظر الخلابة بين الجبال المتجولين من شتى البقاع، في الوقت الذي تتزاحم فيه القرود على الأشجار لمشاهدة الزائرين القادمين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. إلا أنه في هذا الموسم، لاح في الأفق أن هذه التلال المكسوة بالأشجار والغابات قد حل بها سكان جدد صعاب المراس. فعلى حين غرة، تم تصوير هذه التلال على أنها الحد الأخير القابع من ورائه جماعات مهولة من المتمردين المنتشرين جنوبا من الحدود الأفغانية، كما أنها تعتبر من أكثر الأماكن المفضلة للتواري بالنسبة للمفجرين الانتحاريين.

وحذر مولانا فضل الرحمن زعيم التيار الإسلامي في خطابه أمام البرلمان الأسبوع الماضي، بقوله: «إذا استمرت طالبان في التحرك قدما بهذه السرعة، فسوف يطرقون قريبا أبواب إسلام آباد، إذ يبدو واضحا أن حاجز تلال مارغالا هو العقبة الوحيدة أمام زحفهم إلى العاصمة الفيدرالية». ورغم كونه مبالغا في رسالته، فإن الصورة التي رسمها كان لها وقع داخلي. تجدر الإشارة إلى أنه قد تم تشييد مدينة إسلام آباد ـ الهادئة والمزدانة بالحدائق، والبالغ تعداد سكانها نحو مليون ونصف المليون نسمة ـ خلال حقبة الستينات، كرمز للطموحات الديمقراطية الحديثة في باكستان. وتصطف شوارع هذه المدينة العريضة التي تكتنفها الأشجار إلى جانب المباني الفيدرالية الفاخرة بالمدينة، فضلا عن أن شوارعها الظليلة تعتبر مسكنا للصفوة من الساسة وذوي المهن الرفيعة. وعلى مدار سنوات عديدة منصرمة، بدا أن هذه العاصمة القديمة حصن منيع وعصي في وجه العنف الديني الذي ضرب المناطق القروية بالبلاد، وعمم فيها الفوضى.

أما الآن، فقد بات واضحا أن هاجس الخوف قد استحوذ على العاصمة الباكستانية، ونبع هذا جزئيا من الصور التي بثها التلفزيون أخيرا لمقاتلي طالبان المعممين وهم يحتلون المدينة تلو الأخرى في المقاطعات الشمالية الغربية في سوات، وشانغالا، وبونير ـ وهي المناطق والمدن التي تبعد عن إسلام آباد بنحو 60 ميلا فقط ـ بالإضافة إلى سلسلة التفجيرات المتلاحقة والتهديدات التي نزلت بالمقاطعة الفيدرالية الهادئة، شديدة الحراسة الشرطية. وتظهر ملامح الفزع والرعب التي اجتاحت المدينة من قيام المدارس الخاصة، التي تقدم خدماتها إلى العائلات والأسر الغنية والأجنبية، بوضع كاميرات المراقبة الأمنية في كل اتجاه بالإضافة إلى إنشاء أبراج الحراسة العلوية، فضلا عن أن الكثير منها فقد التلاميذ الأجانب فيها، نظرا إلى أن السفارات والهيئات الدولية عمدت إلى إرسال الأسر والعائلات إلى الوطن. كما انتقل المكتب المحلي للبنك الدولي في باكستان قريبا إلى فندق سيرينا شديد الحراسة الأمنية. هذا، وتكثر حواجز الشرطة ونقاط التفتيش الأمنية والمنعطفات بسرعة شديدة للدرجة التي تجعل من الصعوبة على سائقي السيارات أن يكون لديهم وقت لتعلم النماذج المرورية الجديدة. وبدون جواز سفر أجنبي، أو لوحة تشير إلى أن قائد السيارة شخصية مهمة، يكون من المستحيل تقريبا على أي شخص دخول المنطقة الفيدرالية التي تضم المحكمة العليا، ومبنى البرلمان، والمنطقة الدبلوماسية. ويقول ناصر أفتاب ـ مدير الشرطة، الذي بدا اللون الأحمر يكسو عينيه لقلة النوم: «لن ندع أي شخص يأتي ويسيطر على إسلام آباد، ومع ذلك فإن لدينا القليل للغاية من الموارد لتأمين المدينة. إننا بحاجة إلى المزيد من الأسلحة والرجال. كما نحتاج إلى كاشفات للمتفجرات، وسيارات للفحص على مداخل الطرق السريعة. وإذا ما طلب ملا من صبي عمره 15 عاما تفجير نفسه، فكيف ستوقفه؟ إنها العاصمة، ومع ذلك فليس لدينا حتى كلب بوليسي». ويعد خداع المفجرين الانتحاريين ـ أكثر من قوات طالبان الناشئة التي تستخدم الأسلحة بشكل متبجح ـ هو الذي يبقي على مسؤولين مثل أفتاب مستيقظين طيلة الليل. جدير بالذكر أن آخر التفجيرات الانتحارية التي تمت هنا في العاصمة إسلام آباد، كانت في شهر سبتمبر (أيلول)، عندما اقتحمت شاحنة محملة بالمتفجرات فندق ماريوت، وأسفرت عن مقتل 52 رجلا. وأعيد افتتاح الفندق من جديد بعد الحادث، واستعادت ردهته رونقها وأناقتها السابقة. ومع ذلك يتخفى هذا المشهد الآسر خلف الحوائط المقاومة للتفجيرات، أما الأشخاص الواقفون على أبواب الفندق، الذين كانوا في الماضي يندفعون جيئة وذهابا عبر بوابات زجاجية واسعة، أضحوا يحرسون بوابة مفتوحة ضيقة يوجد بها كاشف ضخم للمعادن.

ويقول ذو الفقار أحمد ـ مدير عام فندق ماريوت: «أشعر أحيانا أننا مبالغون في هذا (يقصد الإجراءات الأمنية)، فالفندق يبدو كالقلعة، إلا أنه يجب أن يكون الأمن على قمة أولوياتنا». وأشار إلى أن نسبة الإشغال بالفندق كانت قد انخفضت إلى 40% عما كانت عليه من قبل، وقال: «نحافظ على هدوء الجو، ولكن إذا ما حدث شيء في الغد، فستنخفض (نسبة الإشغال) من جديد». وفي الشهر الماضي، وقع حادث مقلق على نحو مأسوي، رغم كونه أقل دراماتيكية، وذلك عندما دنا شاب من معسكر مفتوح للحرس البرلماني لمن خارج فترة الخدمة، ويقع في حديقة صغيرة في منطقة سكنية للنخبة، وقام بتفجير نفسه، وقُضي في الحادث 5 حراس بالإضافة إلى المفجر الانتحاري. وأدى الحادث إلى هروب المتسوقين في هلع من سوق جينا الأنيق، الذي يبعد بضعة مبان عن مكان الحادث. والآن، مازال السوق حتى وقتنا الحالي نصف فارغ، ويقف العمال بلا عمل، كما يجلس التجار أيضاً بلا عمل خلف أرفف البيع الموجودة في الممشى. ويقول محمد إسماعيل ـ البالغ من العمر 46 عاما، ويبيع أقمشة فساتين الحفلات: «يبدو المستقبل كئيبا للغاية، فالخوف يلاحقنا في كل مكان، بدءا من اللحظة التي نخرج فيها من المنزل حتى نعود أدراجنا من جديد مساء، فهذه التفجيرات والهجمات لا تضر الطبقة الحاكمة، بل تدمر أعمالنا نحن.. إن التوتر يسود في كل مكان».

ويعد هذا التوتر جديدا نسبيا على إسلام آباد، التي كانت هادئة حتى عام 2007. إلا أن هذا الهدوء تبدد هذا الصيف جراء المواجهة العنيفة التي جرت بين الحكومة والزعماء الدينيين بالمسجد الأحمر، وهي المواجهة التي حولت مجمع المسجد في منتصف إسلام آباد إلى معسكر مسلح. وبعد هذه المواجهات، اقتحمت قوات الأمن المسجد، وقتلت 100 فرد على الأقل، فيما أقسم القادة على الانتقام.

ومنذ ذلك الحين، أضحت الاعتداءات الإرهابية، والتفجيرات، وعمليات الاختطاف أمرا اعتيادي الظهور في كل أنحاء البلاد. وتضمنت تلك الأهداف رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، ومسؤولي الأمم المتحدة، وقوافل الإمداد الخاصة بحلف الناتو، ونقاط تفتيش الشرطة، ومحال الفيديو، ومساجد طوائف الأقلية، ومطعما إيطاليا في إسلام آباد، وفريق الكريكيت السيريلانكي في لاهور.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»