مرشح يفوز في الانتخابات بروسيا.. يصر على أنه خسر

تشوماتشنكو شاب طموح ينتمي للحزب الحاكم رفض أن يبدأ حياته السياسية بـ«الغش»

TT

في دولة تشيع بها الشكاوى من تزوير الانتخابات، وهي شكاوى عادة ما تلقى آذاناً صماء، يبرز أنتون تشوماتشنكو كنموذج فريد من نوعه. ففي الوقت الذي تقول فيه السلطات إنه فاز في الانتخابات، يصر هو على أنه خسر. وهذه هي المرة الأولى التي يترشح فيها تشوماتشنكو لمنصب رسمي، وهو أحد أعضاء حزب «روسيا المتحدة» الذي يتولى رئاسته فلاديمير بوتين. وبالفعل، فاز تشوماتشنكو بمقعد في المجلس التشريعي المحلي بمدينة سانت بطرسبرغ. وبعد ثلاثة أسابيع، تبرأ علانية من فوزه الانتخابي، معرباً عن شعوره بالاشمئزاز حيال تزوير نتائج الاقتراع لصالحه. وفي خطاب مفتوح إلى سكان المدينة، قال تشوماتشنكو الذي تخرج حديثاً في الجامعة: «لا حاجة لي بمثل هذه الصورة من النصر! لا أرغب في أن أبدأ حياتي السياسية بالاستهزاء بالحقوق والقوانين والأخلاق». أصاب موقف تشوماتشنكو السلطات بالدهشة وأثار ضجة كبيرة باعتباره دخل في تحد مع النظام الانتخابي الروسي المعوج على نحو غير مسبوق حتى بين أعضاء المعارضة. وعقد الموقف ألسنة نقاد الحكومة الذين لم يكن باستطاعة الكثيرين منهم تصديق أن شاباً بلغ سن الرشد داخل روسيا بوجهها الجديد في ظل حكم بوتين، فضل المثالية على الشكوك والريبة التي تسود الحياة السياسية الروسية اليوم. خلال لقاء أجري معه مؤخراً، أبدى تشوماتشنكو مزيجاً من الحماس والطموح شبيه بما يسود أرجاء واشنطن. وقال تشوماتشنكو، البالغ من العمر 23 عاماً، ويتميز في مظهره بالنحافة وحاجبين سميكين معقوفين، إن «حلم طفولته» كان السعي لتقلد منصب رسمي، مستطرداً بأنه يأمل في إصلاح الطرق وتنظيم دوريات بالشوارع لمحاربة الجريمة وجعل مدينة سانت بطرسبرغ مقصداً أكثر جذباً للسائحين. يذكر أن تشوماتشنكو نال درجة علمية بمجال العلاقات العامة. وحول اختياره للحزب السياسي الذي ينتمي إليه، أوضح تشوماتشنكو أنه لم تتوافر أمامه الكثير من الخيارات، وقال: «رأيت أن هذا الحزب السياسي الوحيد القادر على منحي الفرصة والسلطة اللازمة لإحداث تغيير. لو كنت عملت مع أي حزب آخر، كان الأمر برمته لن يعدو مجرد كلمات، وأعتقد أن القيام بشيء ما أفضل من توجيه النقد فحسب». في سانت بطرسبرغ، على سبيل المثال، لاقت القائمة الانتخابية التي كان تشوماتشنكو عضواً بها دعماً من قبل مشرع بارز على مستوى المدينة، بينما تمثل منافسها الرئيس في الانتخابات التي أجريت في الأول من مارس (آذار) في فريق آخر من أعضاء «روسيا المتحدة»، يساندهم رئيس ضاحية مورسكوي. في نهاية الليل، وبعد إعلان المراقبين للنتائج، أضاف تشوماتشنكو الأرقام لبعضها البعض وأدرك أنه خسر، حيث جاء في المرتبة السادسة في سباق يفوز الخمسة الأوائل فقط بمقاعد. وأظهرت النتائج فوز الأعضاء الأربعة الآخرين من «روسيا المتحدة» في قائمته، إلى جانب مرشح من المعارضة، هو بوريس فيشنفسكي، زعيم حزب «يابلوكو» المناصر للديمقراطية. لكن صباح اليوم التالي، أعلنت اللجنة المعنية بالانتخابات نتائج مختلفة. وفجأة، وجد تشوماتشنكو نفسه فائزاً بـ80 صوتاً، متغلباً بذلك على فيشنفسكي بفارق صوتين. وعليه، تقدم فيشنفسكي بطعن أمام المحكمة في نتائج الانتخابات. أما تشوماتشنكو، فالتزم الصمت، وبدا على غير ثقة حيال ما ينبغي فعله. ووصف مشاعره في ذلك الوقت على النحو التالي: «بالنسبة لي، هاجمتني التساؤلات حول ماهية الأمر وماذا حدث؟ واعتقدنا أن الأمر ربما كان خطأ في الطباعة». وقال تشوماتشنكو إنه لم يفكر قط بشأن قبول أصوات مزورة، لكن ساوره القلق حيال إمكانية أن يتعرض للعقاب إذا ما أبدى اعتراضه. وبعد إعلان النتائج رسمياً في 16 مارس (آذار)، استشار عدداً من أقرانه داخل «روسيا المتحدة» ممن شاركوه القائمة ذاتها. واتفقوا على أنهم سيساندونه إذا ما أعلن. وبعد أربعة أيام، أعلن خطابه من دون إخطار رؤسائه في الحزب مسبقاً، على حد قوله. وكتب في خطابه: «إنني على قناعة كاملة بأن زملائي في الحزب سيدعمون موقفي ويبذلون كافة الجهود للتأكد من سيادة حكم القانون. إن قوة الحزب لا تكمن في نسب التأييد المبالغ فيها، وإنما قدرته على الوقوف إلى صف الحقيقة». من الواضح أن الخطاب أصاب الحكومة على حين غرة. واستجاب أحد المسؤولين المعنيين بالانتخابات، أليكسي غروموف، لخطاب تشوماتشنكو بالقول إنه ربما قام شخص ما بالتزييف وتزوير توقيع تشوماتشنكو. إلا أن المحققين وجدوا أنفسهم مجبرين على فتح تحقيق بهذا الشأن. وفي نهاية الأمر، أصدر متحدث رسمي باسم حزب «روسيا المتحدة» بياناً وصف خلاله ما فعله تشوماتشنكو بأنه عمل «عاطفي»، لكنه ليس «نبيلاً». وأصيبت المعارضة أيضاً بالدهشة، واتسم رد فعلها المبدئي بالريبة والتشكك، حيث ألمح البعض إلى أن تشوماتشنكو يسعى لتعزيز صورته فحسب، بينما تساءل آخرون حول ما إذا كان ينفذ تعليمات صدرت إليه ويضطلع بدور في خصومة بين عدد من السياسيين المحليين، أو في خطة لتحسين صورة «روسيا المتحدة». من جانبه، قدم تشوماتشنكو أدلة إلى المحكمة وحثها على نقل مقعده إلى فيشنفسكي. في تلك الأثناء، سعى المحققون لتفحص صناديق الاقتراع الأصلية. أما المسؤولون المعنيون بالانتخابات فادعوا أن الصناديق تعرضت للتلف جراء انفجار ماسورة مياه، تفسير سبق استخدامه من قبل في روسيا لإحباط تحقيقات في تجاوزات انتخابية. وفي تعليقه على هذا الادعاء، قال تشوماتشنكو ساخراً: «لدينا مواسير بالغة الذكاء. فهي تعلم جيداً المكان المناسب للتسريب».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»