غرايشن سيصطحب وفدا من هيئة المعونة الأميركية للسودان وسيلتقي رئيس «العدل والمساواة»

تبادل اتهامات بين الخرطوم وأنجمينا قبل وصوله.. ومنظمات عادت بعد تغيير أسمائها

صورة تعود للسفير السنغالي لدى السودان بحر الدين ابراهيم عند وصوله الى الخرطوم في نوفمبر من العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أن المبعوث الأميركي الخاص للسودان الجنرال متقاعد اسكوت غرايشن الذي سيزور الخرطوم في الثاني من مايو (آيار) المقبل وبرفقته وفد عالي المستوى من هيئة المعونة الأميركية لن يخوض في طلب الحكومة السودانية حول تطبيع علاقاتها مع بلاده، وقالت إن الأجندة التي يحملها غرايشن في زيارته تتعلق بتنفيذ الاتفاقية التي وقعتها الخرطوم معه خلال الزيارة التي قام بها في أوائل الشهر الحالي. من جهته أعلن مستشار الرئيس السوداني دكتور غازي صلاح الدين أن حكومته تعمل على سد النقص الناتج عن طرد المنظمات الدولية من دارفور في مارس (آذار) الماضي وأنها وقعت اتفاقا مع مبعوث واشنطن حول الإجراءات المطلوب اتخاذها من الخرطوم لتسهيل عمل المنظمات.

وذكرت المصادر الغربية التي فضلت حجب هويتها لـ «الشرق الأوسط» أن غرايشن، الذي توجه إلى المنطقة، يفترض أن يزور، إلى جانب السودان، كلا من تشاد، وليبيا وإثيوبيا بعد أن زار دولة قطر أمس الأول وبحث مع رئيس وزرائها ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني تطورات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة لإحلال السلام في إقليم دارفور، وقالت المصادر إن غرايشن أكد دعم بلاده لجهود الدوحة والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي جبريل باسولي لتحقيق السلام في دارفور، وقالت إن غرايشن سيكرر زيارته إلى السودان شهريا في الوقت الراهن. وكشفت المصادر أن غرايشن سيصل أنجمينا لإجراء لقاء مع الرئيس التشادي إدريس ديبي تتعلق حول تحقيق السلام في دارفور ووقف التصعيد العسكري بين تشاد والسودان إلى جانب زيارة لمعسكرات اللاجئين من أبناء دارفور في شرق تشاد، وقالت إن غرايشن سيلتقي وفدا من حركة العدل والمساواة ولم تؤكد أو تنفي إن كان سيلتقي رئيس الحركة دكتور خليل إبراهيم. وأشارت المصادر إلى أن المبعوث كان قد استطاع في زيارته الأولى إعادة (5) من المنظمات من جملة (13) منظمة دولية تم طردها من دارفور، وأنها عادت للعمل بالسودان بعد أن بدلت من أسمائها وأغلبها أوروبية. وقالت المصادر إن غرايشن، الذي سيبحث متابعة الملفات التي تناولها في زيارته الأولى، وعلى رأسها المنظمات الدولية المطرودة، كان قد اتفق مع الخرطوم على أن تحل منظمات أميركية مكان المنظمات الدولية التي تم طردها وتسهيل دخول العاملين الدوليين في مجال الإغاثة بتوفير تأشيرات الدخول إلى السودان بالسرعة المطلوبة وتم تحديد يومين فقط لمنح التأشيرة. وكشفت عن غرايشن أنه كان قد رفض طلبا للخرطوم بتدخل واشنطن لاستخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي لتفعيل المادة (16) من ميثاق روما للمحكمة الجنائية لتأجيل طلبها القبض على الرئيس السوداني عمر البشير، وقالت إن «غرايشن رفض مبدأ الخوض مع مسؤولي الخرطوم في قضية المحكمة الجنائية الدولية، لكنه أكد أن بلاده مع تحقيق الاستقرار والعدالة»، وأضافت أنه ذكر تفريقه بين توقيف المحكمة الجنائية الدولية للرئيس عمر البشير والاحتياجات الإنسانية، وقالت إنه سيشدد على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب التي يجب تؤثر على حياة الناس وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتحقيق التحول الديمقراطي، وأشارت إلى أنه وعد بتقديم برنامج عمل قصير الأمد لجهة تنفيذ اتفاقية سلام تساعد الطرفين؛ المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.

وذكرت المصادر أن غرايشن لا يشجع فرض عقوبات على السودان لأنها تحدث أثرا على حياة البسطاء من المواطنين، معتبرا أن الحرب في السودان أصبحت أيضا بين دول في الإقليم تدعم حركات التمرد وأن أي فرض للعقوبات على السودان يجب دراستها جيدا قبل الإقدام عليها.

وقالت المصادر إن غرايشن ألغى فكرة التفاوض بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في إقليم دارفور حول عملية وقف إطلاق النار، وأضافت أنه رأى أنه ليس من الجدوى التفاوض حولها في ظل وجود اتفاقية تم التوقيع عليها بين أطراف النزاع في أنجمينا العام 2004 لكنها لم تنفذ، وذكرت أن واشنطن في طرحها لعملية التفاوض تقترح، إلى جانب مشاركتها، إشراك كل من: النرويج، بريطانيا، فرنسا، مع إدخال الأطراف الإقليمية من مصر، الجماهيرية الليبية، تشاد، وأن تصبح قطر مقرا للتفاوض أو اختيار إحدى الدول الأفريقية منها أديس أو نيروبي، وقالت إن هناك نزاعا خفيا بين القاهرة والدوحة حول ملف دارفور يصعب من تحديد بدء العملية التفاوضية وأن واشنطن تعمل حاليا لحل ذلك النزاع.

إلى ذلك عاودت الحكومتان السودانية والتشادية تبادل الاتهامات بينهما بدعم معارضي البلدين قبيل وصول غرايشن بعد غد إلى أنجمينا، وأعلنت الخرطوم أنها ألقت القبض على (5) أفراد من القوات التشادية داخل أراضيها وأن (80) سيارة من ذات الدفع الرباعي مزودة بأسلحة ومدفعية خاصة بقوات حركة العدل والمساواة بقيادة عقيد في الجيش التشادي عبرت الحدود السودانية ثم انسحبت، في حين تعهدت أنجمينا أنها ستطارد قوات المعارضة حتى إذا دخلت السودان.

وأبلغ الناطق باسم الخارجية السودانية، علي الصادق، الصحافيين أمس أن قوات بلاده ألقت القبض على (5) من أفراد الجيش التشادي بسيارتهم ذات الدفع الرباعي داخل الأراضي السودانية في منطقة (خور برنقا) بغرب دارفور في العشرين من الشهر الجاري، وأضاف «وبعدها دخلت حوالي (40) سيارة تحمل جنودا من القوات التشادية لكنها انسحبت سريعا دون وقوع معارك»، مشيرا إلى أن قوات من حركة العدل والمساواة بقيادة عقيد من الجيش التشادي تحركت إلى داخل دارفور بعدد (80) سيارة نصفها ناقلات جنود والنصف الآخر للمدفعية، وقال إن لوحات السيارات جميعها تشادية تحركت من منطقة أم جرس بقيادة القائد العام لقوات حركة العدل والمساواة عبد الكريم شولي قنتي وأربعة آخرين، وأضاف أن القوات انقسمت إلى ثلاثة محاور، الأول اتجه نحو وادي هور شمال دارفور، الثاني شمال شرق كيارياي بشمال دارفور، والثالث شمال الطينة، وتابع «جميع هذه القوات يقودها الجيش التشادي رغم إنكار أنجمينا ولفتنا المجتمع الدولي ليكون في الصورة لإيقاف التدخلات التشادية في الشأن السوداني ودعمها لحركة العدل والمساواة ماديا وعسكريا».

وقال الصادق إن الجيش السوداني يراقب تحركات القوات التشادية وجماعة العدل والمساواة وعلى أهبة الاستعداد للرد على أي حماقات ترتكبها الحركة سواء في دارفور أو أي مناطق أخرى، وأضاف أن حركة العدل والمساواة تستعد لشن عملية عسكرية، وتابع «الحكومة ظلت ترصد تجمعات عسكرية للحركة داخل الأراضي التشادية مما يعني أنها تستعد لشن هجمات داخل الأراضي السودانية»، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية ترصد تحركات الحركة منذ اندحارها من أم درمان في العاشر من مايو (آيار) الماضي، وقال إن الحركة حصلت على دعم من إسرائيل، وإن علاقة الموساد معها لم تعد خافية. غير أن وزير الإعلام التشادي والناطق الرسمي باسم الحكومة محمد حسين رد اتهامات الخرطوم على بلاده باتهامات مضادة، وقال إن الحكومة السودانية هي التي تحشد قوات من المتمردين التشاديين على الحدود وبإشراف من مدير عام جهاز الأمن السوداني الفريق صلاح عبد الله، مقللا من إلقاء القوات السودانية القبض على أفراد من قواته، وقال إن دخول قوات بالأعداد التي تذكرها الخرطوم دون الدخول في معارك يوضح أنها فرية أو أن حدود السودان لا رقابة عليها، وأضاف أن هناك مجموعات في داخل حدود البلدين تقوم بعمليات السلب والنهب للسيارات والدخول إما إلى داخل الأراضي السودانية أو التشادية، داعيا الخرطوم إلى تنفيذ اتفاق نشر المراقبين على حدود البلدين، وقال إن بعضهم ينهبون السيارات ويتجهون بها إلى الأراضي السودانية كما يقوم آخرون ويدخلون إلى أراضي بلاده، وأضاف «المنظمات الإنسانية التي تقدم العون للاجئين السودانيين في الأراضي التشادية فقدوا أكثر من (50) سيارة تم نهبها ودخل اللصوص إلى السودان إلى جانب فقدان الشرطة سيارتين أمس الأول».

وقال حسين لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي إن بلاده ترصد حشودا قرب حدودها للهجوم على أنجمينا، وتابع «على مدى ثلاثة أعوام يقوم السودان بدعم مباشر للمرتزقة بالهجوم على العاصمة أنجمينا لكن هذه المرة إذا حاول المعارضون وحكومة الخرطوم دخول أراضينا سنطاردهم إلى داخل السودان، والبشير يعلم ذلك»، وقال «نحن نعرف مواقع قوات المعارضة التشادية والجيش السوداني ومعسكراتهم، ونعرف أنهم يسعون إلى جرجرتنا إلى معارك إلى داخل الحدود السودانية ولن نفعل ذلك لكننا سنصد أي هجوم علينا حتى لو داخل الأراضي السودانية»، مشيرا إلى أن الخرطوم تحاول استعطاف المجتمع الدولي بما سماه المسرحيات السخيفة، وقال «هذه دعاية من الخرطوم للضغط على المجتمع الدولي بخصوص المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير»، وأضاف أن وفد الحكومة السودانية الذي زار باريس أخيرا واجتمع مع مسؤولين من الحكومتين البريطانية والفرنسية افتعل قصة اختطاف رهينتين في دارفور وأن تشاد تتوسط مع الخاطفين، وتابع «لكنهم فشلوا في مسعاهم بالوقيعة بيننا وبين المجتمع الدولي»، وقال «الآن المبعوث الأميركي للسودان سيزور أنجمينا وهم يسعون للشكوى بأننا نقوم بزعزعة المنطقة»، وشدد على أن حكومته لا ترفض التفاوض مع السودان لكنها لا تثق في حكومته مطلقا.

من جهته نفى أمين الشؤون الخارجية لحركة العدل والمساواة دكتور جبريل إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» اتهامات الخرطوم بتلقي حركته دعما من تشاد، وقال إن الدوحة أبلغتهم قبل أسبوع بأنها ستستضيف محادثات بين وفد من الخرطوم يقوده وزير التعاون الدولي الدكتور التيجاني صالح فضيل ومن أنجمينا برئاسة وزير الخارجية موسى فكي، كان يفترض أن تتم أمس، وتابع «لكن كما يعلم الجميع فإن الخرطوم غير جادة، نحن داخل الأراضي السودانية ولسنا في الأراضي التشادية»، وقال إن الخرطوم ظلت تردد أن حركة العدل والمساواة هي التي تدافع عن حكومة إدريس ديبي فكيف يقود جيشه قوات الحركة، وأضاف «الخرطوم هي من تقوم بحشد قوات المعارضة التشادية ومعها حرس الحدود التابع للجيش السوداني وما تقوله الحكومة السودانية عار من الصحة»، كاشفا عن لقاء مرتقب بين المبعوث الأميركي الخاص للسودان اسكوت غرايشن مع الرئيس التشادي إدريس ديبي في أنجمينا في الأول من مايو (آيار) المقبل وأنه سيعقد اجتماعا مع قيادات حركة العدل والمساواة في الثاني أو الثالث من الشهر نفسه قبل توجهه إلى الخرطوم في زيارته الثانية منذ تعيينه.

وكانت الحكومتان السودانية والتشادية وقعتا اتفاقيات عديدة فشلت جميعها في حل النزاع بينهما آخرها في مارس (آذار) العام الماضي في العاصمة السنغالية داكار في فبراير (شباط) من العام الماضي.