العاهل المغربي يدعو إلى إدماج الخطاب الديني في المشروع المجتمعي

أكد مواصلة البرنامج الهادف للقضاء على ظاهرة الأماكن غير الصالحة للعبادة

TT

دعا العاهل المغربي، الملك محمد السادس، إلى ضرورة إدماج الخطاب الديني، في صلب المشروع المجتمعي، لتحقيق التنمية البشرية المنشودة، ورفع تحدياتها واستشراف المستقبل، في ثقة وعزم واطمئنان.

وأضاف العاهل المغربي، في رسالة وجهها أمس إلى أعضاء المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية، بمناسبة انعقاد الدورة العادية الأولى للمجلس العلمي الأعلى لسنة 2009، تلاها أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، «أن هذا ما يتطلب جعل الخطاب الديني الذي توجهونه، توعية وإرشادا، قائما على الاجتهاد المقاصدي المبني على جلب المصالح، ودرء المفاسد، ومراعاة متغيرات الواقع، في الالتزام بأصول الدين الإسلامي الحنيف، ووسطيته وسماحته واعتداله».

وذكر العاهل المغربي بما تم تحقيقه من مشاريع، منذ توليه المسؤولية، في سبيل الرقي بمستوى الخدمات الدينية، «فتحققت بتوفيق من الله منجزات عظيمة، وأرسيت دعامات أساسية لتشييد الصرح المؤسسي الديني، وتوطيد أركانه، سواء في مجال بناء بيوت الله، أو العناية بأحوال القائمين عليها، أو توسيع مجال التوجيه والوعظ والإرشاد».

وتطرق العاهل المغربي إلى فتح أوراش كبرى بكافة ربوع البلاد، لرفع مآذن وبيوت يغشاها عباد الرحمن، وتغمرها السكينة، ويعطرها ذكر الله بالغدو والآصال، حيث تم، في هذا السياق، الشروع في تنفيذ برنامج استعجالي لبناء مساجد بالأحياء الهامشية بكبريات المدن المفتقرة إلى مساجد لائقة، محتوى ومظهرا. وبعد تثمينه لما أنجز، أكد العاهل المغربي على مواصلة هذا البرنامج الهادف للقضاء على ظاهرة الأماكن غير الصالحة للعبادة، مشيرا إلى أنه تم اعتماد معايير تعميرية جديدة، لضمان التوزيع الملائم والمنسجم للمساجد، مع حاجات السكان المتزايدة، نتيجة التوسع العمراني الذي تشهده البلاد، وظهور مراكز حضرية جديدة.

وقال العاهل المغربي إنه أمر، منذ سنة 2004، برصد الاعتمادات الضرورية للرفع من المكافآت الدنيا والمتوسطة لأئمة المساجد. كما قرر تعزيز هذا المكسب، بتمتيعهم بالتغطية الصحية الأساسية والتكميلية، تقديرا منه للجهود، التي يبذلونها بصدق وتفان ونكران ذات، في القيام بالمهام الملقاة على عاتقهم.

وفي نفس السياق، تم إحداث برنامج لتأهيل مائتين من الأئمة والمرشدات كل سنة، تأهيلا علميا وشرعيا متينا، يشمل كل ما يتعلق بالتأهيل الديني والاجتماعي والثقافي.

وتنفيذا لتعليماته بإحداث مؤسسة تحمل اسم العاهل المغربي للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين، أعلن الملك محمد السادس أنه سيضع قريبا خاتمه على الظهير الشريف (القانون) المحدث لهذه المؤسسة، إيذانا بتفعيلها. واعتبارا للأدوار الرائدة والفعالة التي تنهض بها وسائل الاتصال الحديثة في تأهيل عامة المواطنين، أبرز العاهل المغربي المبادرة بإحداث إذاعة وقناة محمد السادس للقرآن الكريم. مما كان له صدى طيب، وإشعاع كبير، مضيفا «أننا عززناهما ببرنامج للوعظ والإرشاد والتكوين، عبر جهاز التلفزيون بالمساجد، بالإضافة إلى تطوير موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على شبكة الإنترنت، وفق آخر المستجدات في هذا الميدان».

ونوه العاهل المغربي بالجهود الدؤوبة، التي يبذلها، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والعلماء، وكوادر الوزارة، وشركاؤها، من أجل حسن تفعيل الإستراتيجية المندمجة لإصلاح وتأهيل وتجديد الحقل الديني، «في ظل إمارة المؤمنين، التي يجمع عليها المغاربة نظاما لهم، والإسلام السني المالكي، الذي ارتضوه دينا لهم».

وزاد العاهل المغربي قائلا: «إن ما حققناه، بحمد الله، وحسن توفيقه، من مكتسبات مهمة في مجال تدبير الشأن الديني ببلادنا، ليعد مبعث اعتزاز. بيد أن طموحنا الكبير، وعزمنا الوطيد على تأهيله الشامل والموصول، ليستحثنا على بذل المزيد من الجهود لإحكام الخطط، وتحسين الأداء، وتحقيق أفضل النتائج». وأضاف أنه في هذا الصدد، وفي إطار العناية الخاصة التي ما فتئ يوليها للشأن الديني، فقد قرر، في خطابه أمام مجلس العلماء، بمدينة تطوان يوم 27 سبتمبر (أيلول) 2008، تدشين مرحلة جديدة من الإصلاح الديني، بإطلاق خطة رائدة، أسماها «ميثاق العلماء». وقال العاهل المغربي «إننا لنريده برنامجا نموذجيا للتوعية والتنوير والرقي بالخطاب الديني إلى مستوى تطلعات الأجيال الحاضرة، لتعميق وعيها بقيم الإسلام، بعيدا عن الغلو والتطرف». وأشاد العاهل المغربي بجهود المجلس العلمي الأعلى، كما نوه بتعاون وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مع المجلس، «من أجل وضع برنامج محكم وتدابير عملية دقيقة، لتنفيذ هذه الخطوة المباركة».

ودعا العاهل المغربي العلماء والعالمات إلى «الانطلاق في تنفيذ هذا البرنامج الطموح بشقيه: تأهيل أئمة المساجد وإرشادهم إلى قواعد جامعة وموحدة، تتحقق بها الطمأنينة الروحية اللازمة، وتعزيز صيانة وظائف المسجد وحرمته، مع الارتقاء بمستوى الأئمة العلمي والعملي، حتى يضطلعوا برسالتهم على أحسن وجه، والانتشار كذلك في البوادي والمدن لتوعية عامة الناس وتوجيههم». وخلص العاهل المغربي إلى القول: «إننا لعلى يقين، من أن تطبيق ميثاق العلماء، كما تم تحديده وبرمجته وتدقيق أهدافه، يعد رافعة أساسية، تضاف إلى المشروعات الكبرى التي وضعناها لتحقيق التنمية الشاملة، التي لا تتأتى إلا بتعبئة كل الطاقات، وتسخير جميع الوسائل والإمكانات، ولاسيما منها تحفيز الوازع الديني على العمل البناء والتنافس، وإخلاص المقاصد والنوايا في خدمة الصالح العام».