نائب رئيس الوزراء العراقي: التحسن الأمني لن يدوم من دون عقد وطني جامع للمكونات الأساسية

برهم صالح قال لـ«الشرق الأوسط» لو كانت هناك سياسة نفط عراقية ناجحة لربما كان وضع إقليم كردستان مختلفاً

برهم صالح (إ.ف.ب)
TT

لدى نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح مسؤوليات ومهمات مختلفة في العراق، إذ بالإضافة إلى إنابة رئيس الوزراء العراقي، يترأس اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء العراقي، كما انه قيادي بارز في «الاتحاد الوطني الكردستاني». وكان صالح في لندن ليترأس الوفد العراقي في مؤتمر الاستثمار الذي عقد الأسبوع الماضي، كما انه رافق رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زيارته إلى أوروبا. وتحدث صالح في حوار مطول لـ«الشرق الأوسط» في لندن حول التحديات أمام الحكومة العراقية والاستعدادات للانتخابات المقبلة في إقليم كردستان هذا الصيف وعلى الصعيد الوطني نهاية العام الجاري. مشدداً على أهمية عدم إثارة صراعات عربية ـ كردية في العراق، والتركيز على بناء رؤية وطنية منسجمة للبلاد.

وفيما يلي، نص الحوار:

* تحذرون دوماً من التحديات السياسية أمام البلاد، ما هي برأيك اكبر العقبات أمام العملية السياسية في العراق اليوم؟

- العراق الآن يعيش مرحلة مخاض سياسي، فهناك حراك على كل الجبهات، فالجبهات التي تشكلت بعد سقوط النظام وخاضت الانتخابات السابقة، تعرضت إلى تغييرات وإلى تصدعات ليست بالقليلة. لا شك أن هذا له تأثيرات على الوضع الحكومي وإدارة البلاد، اقل ما يمكن أن يقال على الوضع الحالي هو غياب الانسجام والرؤية في العمل الميداني في مواجهة العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في البلد. العراق أمامه فرصة كبيرة للانطلاق واستثمار ما له من زخم من حيث التحسن الأمني ومن حيث التحولات التي جرت خلال الفترة الأخيرة. لكن بغياب الرؤية الوطنية الموحدة، نبقى غير قادرين على ذلك. هذا في السياق العام وإذا أتينا لنتحدث بالتحديد عن الملفات السياسية التي ما زالت عالقة ولم يتم حسمها بشكل جدي، هو ملف شراكة السلطة وطبيعة السلطة في بغداد وكيفية الشراكة في القرار بين المكونات السياسية العراقية المختلفة، ما زال هناك سجال حقيقي حول طبيعة الدولة وكيفية إدارتها. لا شك أن مشكلة إدارة القطاع النفطي والسياسة النفطية، قانون النفط والموارد المالية تمثل تحدياً آخر ومشكلة عالقة. موضوع المناطق المتنازع عليها في كركوك وسنجار وخانقين وغيرها من هذه المناطق مشكلة عالقة. فمعالجة هذه الملفات بحاجة إلى عمل دؤوب وجدي من قبل القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية. ويجب أن نقدر انه في حين أن القاعدة والإرهابيين والمتطرفين تعرضوا إلى انتكاسات خلال الفترة الماضية، لكن لا يزالون يمثلون خطراً على هذه التجربة الفتية في العراق. وفي غياب الاصطفاف الوطني والتماسك الوطني الحقيقي قد يجد هؤلاء فرصاً لاختراق الوضع السياسي والأمني، وما يزعزع ما نريده من استقرار وسلام دائم. قلقي أن ما نعيشه اليوم من تحسن امني لن يدوم من دون عقد وطني عام جامع للمكونات الأساسية. ما نراه اليوم قد يكون اقرب إلى حالة وقف إطلاق نار من حالة سلام دائم وشامل. لا أريد أن أبالغ في حجم التحدي، لكن تصاعد حدة التصعيد السياسي في الفترات الماضية لا يبعث على الاطمئنان، ويجب أن نعمل جاهدين لمنع تحول هذه السجالات السياسية إلى ما يمس الوضع الأمني.

* هل يمكن معالجة هذه الملفات العالقة قبل الانتخابات؟

- ليس بالضرورة، لكن يجب أن تكون هناك مؤشرات حقيقية للمواطن العراقي وللوضع العام بأن هناك تقدما وتطورا في هذا السياق لحل هذه العقد. نأمل وبعد انتخاب رئيس مجلس النواب الجديد أن نصل إلى حالة تفاعل وتواصل مثمر بين الحكومة والمؤسسة التشريعية لإقرار التشريعات والإصلاحات المطلوبة. الفترة الماضية كانت فترة صراع سياسي وتأكيد للمواقف والتوازنات أكثر منها البحث عن حلول. نحن الآن في طور الاستعداد للانتخابات القادمة، يجب أن نعي بأن العراقيين يتوقعون من قياداتهم التعامل الواعي والحريص مع هذه الملفات، لا أن تصبح عرضة للمزايدات والمهاترات.

* تتوقعون أن تبقى قائمة التحالف الكردستاني متحدة وتنزل بنفس الطريقة في انتخابات نهاية العام؟

- نعم

* ماذا عن باقي القوائم، هل يمكن أن تخرج قوائم على أسس وطنية؟

- هناك حراك سياسي ومتغيرات عديدة على الساحة، ويقينا لا يمكن التنبؤ بدقة من الآن بنتائج الانتخابات والتحالفات القادمة. فلا يمكن حكم العراق من قبل شخص واحد، ولا يمكن أن يكون قراره مرهونا بمركز واحد. هناك حراك داخل الوضع الشيعي والوضع السني، وحتى في الوضع الكردي. وأيضا في العلاقات بين الكتل الكبيرة هناك تغييرات حقيقية حدثت خلال الفترات الماضية. هناك من يريد إعادة اللحمة إلى الائتلاف العراقي الموحد، هناك من داخل الائتلاف من يريد تشكيل تحالفات تتجاوز وضع الائتلاف، هناك جبهة التوافق وبمشاكلها الداخلية المعروفة. وهناك أيضا العلاقة الكردية مع الأطراف العراقية الأخرى، هل تبقى على ما كانت عليها، ستكون مراجعات حقيقية لهذه العلاقة، الآخرون يراجعون والتحالف الكردستاني سيراجع. الاصطفافات ستكون مبنية على رؤى سياسية أوضح ولا تكون محددة بما كنا عليه في الماضي من حيث مشروع إسقاط النظام العراقي السابق، هذه الفترة هي فترة بناء العراق واستكمال مشروع البناء. هذا العامل سيكون مهماً في تحديد الاصطفافات لكن من السابق لأوانه تحديد ذلك. وهذا جانب ايجابي، لأنه لا يمكن لأحد أن يتوقع نتائج مسبقة، فالمواطن العراقي في النهاية هو الذي سيقرر. وما رأيناه في الانتخابات المحلية الاخيرة كان اشارة مهمة الى طبيعة الوضع السياسي في العراق ولا يمكن الاعتماد على مسلمات يأخذ بها المراقبون. الوضع العراقي في تحرك والسياسي العراقي عليه العمل لكسب الناخب العراقي. العراق في مفترق طرق وبعد ست سنوات من اسقاط النظام السابق، ستكون هناك استحقاقات حقيقية ومقارنات بين الاقوال والافعال، سيكون للناخب العراقي ان يقرر مصير بلده. لكن المهم، بالرغم من كل الاختلافات الطائفية والقومية، العراق بحاجة الى مشروع وطني يجمع القوى الأساسية حول مفاهيم النظام الديمقراطي الاتحادي وضمان توزيع الثروات بعدالة وضمان مشاركة الجميع في إدارة البلد بدون تمييز. من دون هذا المشروع الوطني، العراق سيكون بخطر ليس لفئة واحدة بل لكل العراقيين.

* قبل الانتخابات البرلمانية العراقية، هناك الانتخابات في اقليم كردستان، ما هي استعداداتكم؟

- بدأت الاستعدادات للانتخابات في كردستان، الوضع الكردي في ما يتعلق بالبرلمان واداء الحكومة، هناك حراك سياسي داخل المجتمع الكردي وهناك استحقاقات مهمة ستأتي في الانتخابات المقبلة. هناك تجربة رائدة في الاقليم وانجازات لنا ان نعتز بها، ولكن المواطن الكردي يتوقع من قياداته اجوبة شافية حول ما نريده لمستقبل الاقليم من حيث تحسين الادارة ومعالجة ظواهر الفساد وتعزيز الحكم الديمقراطي والرشيد.

* ما موقع الاتحاد الوطني الكردستاني اليوم وقبل ان يخوض الانتخابات بعد الخلافات الداخلية التي شهدناها؟

- الاتحاد الوطني الكردستاني حزب حيوي، لدينا مشاكل داخلية ونقاش حقيقي حول مستقبل الاتحاد ودوره وبرنامجه، هذه احياناً تشكل نقطة ازعاج وقلق، ولكن هذا برأيي ايضا دلالة على قوة الاتحاد، فنحن نناقش مشاكلنا بصوت عال وامام الرأي العام والمواطن. فأمام الاتحاد خيار واضح، اما يكون حزب انجازات الماضي والمآثر الثورية التي لنا ان نعتز بها، او ان يتمكن من تأكيد دوره كحزب المستقبل ايضا وذلك من خلال اعادة تنظيم نفسه وتطوير برنامجه وتجديد قيادته. ان هذا التحدي ليس باليسير، هناك احزاب ثورية مرت بمثل هذه التجارب، لا نريد ان نتحول الى حركة كفتح او جبهة التحرير الجزائرية، وانما نريد ان نجدد انفسنا ونواكب التحولات في مجتمعنا ونلبي استحقاقات المستقبل. والامين العام للاتحاد (الرئيس العراقي) مام جلال (طالباني) يؤكد دوما ان الاعتزاز بتاريخنا النضالي يجب ان يكون حافزا لتجديد حزبنا وقيادتنا وبرنامجنا ليكون مواكبا لتطلعات الشباب ومتطلبات تنمية بلادنا. بعد 18 عاما من حكومة اقليم كردستان، التغيير مطلوب والتجديد مطلوب لكن ليس كما يرى بعض المعارضين من خلال تدمير ما بنيناه، فلنا ان نعتز بما بنيناه وما حققناه من انجازات اقتصادية وسياسية واجتماعية في اقليم كردستان. ولكن في هذه التجربة هناك ايضاً عيوب ونواقص وعلينا معالجتها. الحوار داخل الاتحاد وفي الوسط الشعبي الكردي حالة صحية وضرورية للانطلاق الى المرحلة القادمة من حيث مواكبة التغييرات الاجتماعية والسياسية التي يعيشها اقليم كردستان.

* ولكن هل القيادة في الاتحاد الوطني الكردستاني متماسكة بما فيه الكفاية لخوض هذه الانتخابات ومواكبة التغييرات؟

- الاتحاد الوطني الكردستاني مؤسسة كبيرة، له من الكوادر والكفاءات عدد غفير والقاعدة الجماهيرية قاعدة واسعة وقوة رافدة مهمة. لا اخفي وجود خلافات ورؤى متباينة داخل القيادة، لكن اتصور ان الغالبية العظمى قيادة الاتحاد وكوادره المتقدمين يرون ان شخص الامين العام مام جلال يمثل عاملا جامعا لنا وان الحرص على وحدة الاتحاد ومنع الانشقاقات يمثل ايضاً مصلحة سياسية وقومية كردية ويجب التمسك بها، وهناك اقرار متنام حقيقي بضرورة الاصلاح. فهذه المبادئ الثلاثة، ان تمكنا من التمسك بها بجدية نستطيع ان نحافظ على الاتحاد كوحدة متماسكة ولكن ايضاً الانطلاق بالاتحاد الى حزب عصري مواكب للتطورات في المجتمع الكردي والوضع العراقي. لقد حصل تغيير كبير في بغداد، سقط النظام وتبنينا دستوراً جديداً، واستحقاقات هذه المرحلة تتطلب سياقات ورؤى جديدة وربما وجوها جديدة.

* هناك اتفاقية بين الحزبين الكرديين حول تداول السلطة في حكومة اقليم كردستان، هل تجرون نقاشات حالياً حول ترؤس الحكومة؟

- هناك اتفاقيات بين الحزبين وكما اكد رئيس اقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني، الاتفاقيات سارية.

* العلاقات بين الاقليم والمركز شهدت توترات في الفترة الماضية ولكنها هدأت اخيرا، كيف تقيم هذه العلاقات اليوم؟

- هناك بعض المغالطات، يقال المشاكل المركز واربيل ولكن المركز فيه حكومة اتحادية ائتلافية، وانا نائب رئيس وزراء العراق والمشكلة ليست معي او مع بعض من الإخوان الآخرين. هناك في التركيبة السياسية العراقية الحالية رؤى داخل الحكومة قد لا تكون متجانسة في كيفية إدارة العلاقة بين الأجهزة الحكومية الاتحادية والمحافظات والأقاليم. هذه نقطة مهمة جداً. وأحيانا أقول لزملائي كردستان يجب ألا ننظر إلى بغداد وكأنها حالة واحدة فقط والحكومة الاتحادية ملك لطرف واحد، يجب أن نكون كلنا مشاركين حقيقيين في صياغة القرار العراقي، وان لا يترك القرار العرقي لتستأثر بها فئة على حساب الآخرين. من مصلحة الكرد أن يكونوا في صلب القرار العراقي، وأقول من مصلحة المشروع الوطني العراقي كذلك، وهذا ما يستوجب التعاطي مع ملفات العراق، كل العراق، لا الانكفاء على ما قد نراه مصالح آنية ومباشرة لإقليم كردستان. هناك طبعاً مجموعة من الملفات، منها المتعلقة بإدارة الملف الأمني وبوضع البيشمركة وتمويل حرس الإقليم من ميزانية الدفاع العراقية، كون حرس الإقليم جزءا من منظومة الدفاع العراقية وهناك أيضا مشكلة متعلقة بالنفط. فالحل هو في سياسة وطنية مستندة إلى الدستور، كل الدستور وليس بانتقائية.

* أين وصلتم في حل هذه المشاكل؟

- أنا أقول من موقعي في بغداد إن المشاكل ليست مشاكل كردية-عربية وليست مشاكل كردية، بل هي مشاكل عراقية تمس طبيعة الدولة العراقية وكيفية إدارة الملفات لكل العراق. لنأت إلى ملف النفط، هناك حديث كثير عن العقود النفطية في إقليم كردستان، هل هي دستورية أم لا، لا أريد الدخول في هذا النقاش، المحكمة الدستورية تستطيع أن تقرر بناء على الدستور ومرجعيته صلاحية العقود من عدمها. قضينا وقتاً طويلاً نتحدث عن عقود إقليم كردستان ونسينا المسألة الكبرى وهي السياسة النفطية في العراق والعقود النفطية في العراق. فبعد 6 سنوات من سقوط النظام السابق، لا نزال على مستويات متدنية من الإنتاج، مليونان ونصف المليون برميل في اليوم. لو كانت هناك سياسة نفط عراقية ناجحة، لربما كان وضع إقليم كردستان وضعا آخر. مشكلة النفط وفي ظلال الأزمة المالية التي يجابهها بسبب تدني أسعار النفط وتدني الإنتاج النفطي والإقرار بفشل السياسية النفطية في العراق، قد يكون لدينا فرصة حقيقية للوصول إلى سياسة نفط وطنية مبنية على الدستور الذي يؤكد على ملكية الشعب العراقي على واردات النفط مما يقتضي تعظيم الإنتاج النفطي وتحقيق اكبر منفعة للشعب العراقي. هناك إقرار متنام في بغداد أن السياسة الحالية غير ناجحة ولا تحقق للشعب العراقي المنفعة المطلوبة. إذا استمررنا في هذا المنحى واتينا بسياسة نفط تؤدي إلى تحقيق المنفعة ربما نأتي إلى حل مشكلة النفط مع إقليم كردستان. كما في الماضي، كان يقال في زمن النظام السابق إن هناك مشكلة كردية في العراق، لكن المشكلة ليست مشكلة كردية، هي مشكلة سياسية عراقية ومشكلة الإدارة وقد تبرز يقيناً في حال وجود خلل حول هذه الملفات والرؤى إن لم نتوصل إلى رؤى وطنية متفق عليها. الآن الأجواء أفضل وكانت هناك محاولات خطيرة لتحويل هذه السجالات السياسية إلى تناحر قومي كردي-عربي، أنا نبهت حول هذا الموضوع ومغبة هذا التوجه المراد به تحويل الأنظار عن جوهر المشكلة في بغداد وهو كيفية إدارة هذه الدولة لكل العراقيين. الآن هناك توجه لمعالجة الملفات العالقة بعيداً عن السجالات الإعلامية.

* كيف تجدون تقرير الأمم المتحدة حول المناطق المتنازع عليها؟

- التقرير الأخير حول المناطق المتنازع عليها يدرس الآن في القيادة الكردية والقيادات الأخرى، ولا أريد أن استبق الموقف الرسمي، لكن أملي أن يؤدي إلى الشروع في عملية حوار حقيقي بين المكونات المعنية بهذا الأمر، وتقرير الأمم المتحدة يلزم الأطراف المختلفة بالتعاطي الجاد مع هذا الملف والبحث عن حلول جذرية لها. فتقرير (الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق ستيفان) ديمستورا يعطي مسحا ميدانيا وتاريخيا لواقع هذه المناطق، ويمتنع التقرير عن اقتراح حل معين لأي من هذه المناطق وإنما يعطي خيارات حلول مبنية على الوثائق وسجل للمعلومات، فالمراد من التقرير أن يكون أساسا لحوار القيادات المعنية.

* هل انتم مقتنعون بمصداقية المعلومات والبيانات المقدمة؟

- التقرير قيد الدراسة وسيكون الرد قريباً عليه، لا أريد أن استبق نتائج هذه الدراسة، لكن التقرير يعرض خيارات لحلول بناء على البيانات التاريخية والإحصاءات وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل في تغيير الواقع القومي وانتخابات ما بعد 2003 وغير ذلك. لكن في النهاية لا يمكن تجاهل مرجعية الدستور، فالدستور هو الفيصل ويجب أن نحتكم إلى أهالي المناطق والأخذ بوجهة نظرهم وعدم مصادرة رأيهم في تحديد مستقبلهم.

* أي تقصدون المادة 140 من الدستور؟

- بالتأكيد، المادة 140 تمثل مرجعية دستورية واضحة لا يمكن تجاهلها.

* وضع الموصل يشكل إحدى النقاط التي قد تثير النزاع القومي العربي – الكردي، كيف يمكن معالجة هذه القضية؟

- وضع الموصل خطير، أنا قلق من وضع الموصل. العراق الجديد مبني على أساس التوافق ويمثل هذا المبدأ ركنا أساسيا في نظامنا السياسي. هناك من يدعو إلى إدارة الموصل بتغييب قائمة نينوى المتآخية التي حصلت على ثلث الأصوات في الانتخابات المحلية. هذا خطأ فادح وفيه تجن على أهل الموصل، كل مكونات الموصل. يجب أن تكون المشاركة والإشراك الأساس لإدارة الموصل. لنتذكر الماضي القريب، الموصل تعرضت إلى استباحة من قبل الإرهابيين لم نتمكن من خدمة أهل الموصل بالشكل المطلوب خلال السنوات الماضية. واجب كل القوائم في الموصل الآن التعاون فيما بينها لاستحصال الموارد من بغداد وغير بغداد من اجل إعادة بناء الموصل وتعويض أهالي الموصل، كل الموصل، عن الضرر الكبير الذي أصابهم من جراء تكالب القوي الإرهابية عليها. وإشغال الموصل بهذه السجالات والصراعات أمر مؤسف. الخطر على الموصل هم الإرهابيون لا الكرد. أملي أن ينتصر غالبية أهل الموصل إلى مشروع يعيد اللحمة إلى المحافظة.

* ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟

- السيد رئيس الوزراء، العراقي نوري المالكي، التقى بأعضاء مجلس المحافظة في بغداد وأكد على ضرورة المشاركة وان تكون الحكومة المحلية ممثلة للكل، في العراق الجديد لا يمكن أن ينفرد طرف وتغيب الأطراف الأخرى، الموصل تعرضت للمآسي بسبب الإرهابيين والمتطرفين، الآن تحولت الأنظار عن الإرهاب والمتطرفين بالترويج بين أهل الموصل، لكن المشكلة ليست كردية ـ عربية، بل مشكلة الإرهاب والمتطرفين، الذين لا يريدون لهذا البلد أن يكون في حالة استقرار، والموصل الضحية الكبرى لذلك.

* ولكن هناك تساؤلات حول الأداء الكردي في الموصل وممارسات قوات البيشمركة فيها.

- لست بصدد الدفاع عن أخي، ظالما أو مظلوماً، القوى الكردية التي كانت في مجلس المحافظة في الفترة الماضية، ربما كانت مسؤولة عن أخطاء في ذلك المجال أو ذاك، لكن المسؤول الأكبر عن المشاكل في الموصل، هم الإرهابيون والهجمات الانتحارية التي حصدت أرواح الموصليين، لولا قوات البيشمركة التي استقدمت إلى الموصل بناء على طلب من القيادة العراقية وقوات التحالف، لكانت الموصل أسقطت في أيدي الإرهابيين، الكرد جزء من هذا النسيج الاجتماعي، نعم هناك حساسيات ومشاكل، لكن الخطر الأكبر هو الإرهاب والتطرف، فعقلاء القوم والمخلصون للموصل عليهم رفض دعوات الاستئثار ومشاريع الحقد القومي.

* ماذا تفعلون في ما يتعلق بالقصف الإيراني على العراق، الذي أخذ يصل إلى مناطق لم يصلها من قبل؟

- التقارير من بنجوين وقنديل مقلقة، هذا تجاوز على السيادة العراقية وغير مبرر على الإطلاق، نحن لا نريد ولا نقبل أن يتحول بلدنا إلى ساحة انطلاق، لتهديد مصالح جيراننا، لكن في نفس الوقت لا نقبل من إيران أو غير إيران التجاوز على سيادة البلد، إن كانت هناك مشكلة أمنية، الأحرى أن تتحاور الحكومة الإيرانية مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لحلها، لا من خلال هجوم يتنافى مع القانون الدولي والسيادة العراقية، فالهجمات لا تتوافق مع التأكيدات الإيرانية في الحرص على السيادة العراقية وعلاقات متكافئة بينها وبين العراق.

* ولكن ما يمكن أن يقوم به العراق عدا الاحتجاج؟

- إن هذه الانتهاكات عامل سيؤدي إلى توتير العلاقات العراقية ـ الإيرانية، ويتنافى مع التطمينات الإيرانية بمراعاة علاقاتنا الثنائية.

* أعلنتم عن عقد مؤتمر العهد الدولي المقبل للعراق في بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، هل يمكن لكم استضافة مثل هذا المؤتمر الضخم في بغداد؟

- سيكون لدينا اجتماع في 25 مايو (أيار) الجاري في بغداد، بحضور السيد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إبراهيم جمبري، مع الدول المشاركة في العهد الدولي في بغداد، سنطلق دعوة رسمية لاستضافة المؤتمر في نهاية أكتوبر هذا العام، عندما أطلقنا الدعوة إلى اجتماع وزاري في بغداد في اجتماع استكهولم في العام الماضي، كان هناك نوع من التشكيك بمصداقية هذه الدعوة، لكن الحمد لله التحسن الأمني وثقة الحكومة العراقية بنفسها وثقة الناس بالوضع الجديد يعطينا الأمل في إمكانية عقد الاجتماع الوزاري. عندما انطلق مشروع العهد الدولي كمشروع وطني عراقي للإصلاح السياسي والاقتصادي والأمني، كان هناك الكثير من التساؤلات حول جدوى المشروع، وبعد سنتين من إطلاقه، لنا أن نعتز بما تحقق من انجازات مهمة في هذا المجال من حيث الإصلاحات الاقتصادية، وأيضا من حيث تعاطي المجتمع الدولي مع العراق، العراق لم يعد ينظر إليه كعبء أو مشكلة، وإنما كفرصة وهذا ما تجسد في مؤتمر الاستثمار في لندن.

* ترأسون اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء العراقي، كيف تتعاملون مع الأزمة الاقتصادية الحالية؟

- لدينا مشكلة حقيقية جراء انخفاض أسعار النفط وتدني مستويات التصدير عندنا، الآن نبحث في آليات لتوفير السيولة الإضافية المطلوبة لمشاريع الاستثمار في البنى التحتية، من خلال الحصول على قروض ميسرة من المنظمات الدولية أو البحث في مشاريع الدفع الأجل، نحن بصدد استكمال مشروع قانون يعرض على البرلمان لتخويل الحكومة العراقية، للدخول في مفاوضات مع مؤسسات مالية وشركات؛ للحصول على سياقات لتنفيذ مشاريع، من خلال هذه الوسائل على مدار السنوات الـ3 إلى 5 المقبلة، تقديرنا أن مع الإصلاحات المرتقبة في القطاع النفطي وتعزيز الإنتاج النفطي، سيكون هناك اهتمام من المؤسسات الدولية لتوفير السيولة المطلوبة؛ لسد العجز الذي نتوقعه خلال السنتين المقبلتين، الحل المتوسط والبعيد المدى يكمن في إصلاح القطاع النفطي ومعالجة الاختناقات الخطيرة، التي عانى منها القطاع النفطي على مدى السنوات الخمس الماضية، والانفتاح على شركات النفط العالمية المؤهلة، لتوفير التمويل والخبرات في القطاع النفطي، أيضا يجب أن نعمل على تنويع مصادر الدخل، ففي حين يبقى النفط المورد الأكبر للإنفاق الحكومي، سنعمل جاهدين على تنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى منها الزراعة والصناعة.

* ما هي الأولوية الاقتصادية بالنسبة للحكومة الآن؟

- قدمنا ورقة تعرض الرؤية الاقتصادية للدولة العراقية بحلول عام 2020، وهي قيد النقاش الآن في مجلس الوزراء، صعب تحديد أولويات في العراق، إذ لا يمكن لي البحث في مجال لا يشكل أولوية في العراق، التعليم و الكهرباء والصرف الصحي ومياه الشرب والبنى التحتية والمطارات والطرق والموانئ، كلها تمثل أولوية، هذا بلد مدمر بالكامل، إلى حد حين قريب من الآن، كانت المشكلة الكبرى أمامنا القدرة التنفيذية بسبب الوضع الأمني والاختناقات الإدارية، بسبب التشريعات والأنظمة القديمة، لكن الآن مع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والتحسن الأمني، نحن في وضع أفضل بكثير، في عام 2006، تمكنا من صرف 23 في المائة فقط من موازنتنا الاستثمارية، في سنة 2007، تمكنا من صرف 63 في المائة، في عام 2008 تمكنا من صرف 85 في المائة، هذا يدل على تطور القدرة التنفيذية للأجهزة والقدرة الاستيعابية للاقتصاد العراقي الذي يتحسن عاما بعد عام، مع تمتين الأوضاع السياسية وتحسن الوضع الأمني، إنني متفائل أن العراق سيكون مقبلا على تحولات اقتصادية كبيرة، والعراق سيكون بيئة جاذبة للاستثمار في قطاعات النفط والكهرباء والزراعة وغيرها.

* كيف تحسنت أوضاع المواطن العراقي، الذي ما زال يعاني من انقطاع الكهرباء وغلاء الأسعار رغم ارتفاع الرواتب؟

- الإحصاءات تتحدث في عام 2003، كان معدل دخل الفرد 465 دولارا بحسب البنك الدولي، في 2008 تجاوز 3200 دولار، لا يمكن تجاهل هذه الأرقام، إذ تدل على تحسن كبير في المستوي المعاشي للعراقيين، التضخم وصل إلى حالات خطيرة عام 2006، التضخم الأساسي وصل إلى 36 في المائة آنذاك، والآن يقدر المؤشر بحوالي 12 في المائة، نتوقع أن ينخفض نهاية العام الحالي إلى اقل من 10 في المائة، البطالة كانت 28 في المائة في 2006، الآن 17.5 في المائة، هذه إحصاءات وزارة التخطيط، ونعم هناك بطالة مقنعة ومشاكل حقيقية، لكن لدينا شبكة الحماية الاجتماعية والبطاقة التموينية وغيرها، هل هذا يعني أن المواطن العراقي مرتاح البال وليس لديه مشاكل اقتصادية؟ يقيناً لا، المهم تقييم الأوضاع في العراق في سياقها التاريخي، لا شك أن هناك تحسنا كبيرا في الأوضاع المعيشية، ولكن من دون يقين الطموح، المواطن العراقي له أن يعيش بأفضل بكثير مما يعيش الآن وله أن يتوقع بحالة اقتصادية أفضل، إذا قارنا وضع المواطن بما كان عليه قبل 5 أو 3 سنوات، فالتغيير كبير ومهم لكن اقر بأننا بحاجة إلى بذل المزيد ومراجعة الكثير من السياسات، التي أبقت المواطنين دون خط الفقر، الصورة في العراق هي صورة بلد في حالة انتقال وايجابي نحو الأحسن امنياً، لا يمكن مقارنة أوضاعنا بما كنا عليه في السابق، ولكن يبقى دون المطلوب، الكل مرهون بتوفر الرؤية السياسية المنسجمة المتجانسة والمتفقة على أساسيات مشروع وطني، ينأى بهذا البلد عن متاهات الصراع والتناحر، هذا هو التحدي الأكبر أمامنا. العراق بلد فيه الكثير من المفارقات وسيحقق لكل مكون أكثر مما يريده شرط توفر القيادة المنسجمة الكفوءة القادرة على استنهاض ما في هذا البلد من قوة وخير.