«القاعدة» تستغل الاضطرابات في باكستان لتنفيذ هجماتها

عناصرها يستهدفون المصالح الغربية بشكل خاص وفرصهم أفضل مع تصاعد نفوذ طالبان

طابور الهاربين من وادي سوات في انتظار تلقي المعونات الغذائية (أ.ف.ب)
TT

أشار مسؤولون في أجهزة الاستخبارات الأميركية والباكستانية إلى أنه في الوقت الذي تزيد فيه عناصر طالبان من عملياتها في المناطق الباكستانية الآمنة، يحاول مقاتلو «القاعدة» الأجانب، الذين يهدفون إلى تنفيذ هجمات ضد الغرب، استغلال الاضطرابات التي تشهدها باكستان لبث الفوضى وتعزيز قبضة الجماعات الإسلامية هناك. وكانت أولى المؤشرات على ذلك ما جرى يوم التاسع عشر من أبريل (نيسان) عندما انفجرت القنابل الموجودة داخل إحدى الشاحنات أمام معسكر لـ«القاعدة» في منطقة وزيرستان الباكستانية القبلية إثر إصابتها بصاروخ أميركي، وقال مسؤولو الاستخبارات الأميركية حينها إن الشاحنة كانت محملة بالمتفجرات التي كانت معدة بغرض استخدامها كقنبلة. وعلى الرغم من أن الهدف الذي أعدت القنبلة من أجله لا يزال غير واضح، فإن القنبلة كانت أكثر تدميرا من التفجير الانتحاري الذي شهده فندق ماريوت في إسلام آباد في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، الذي راح ضحيته أكثر من 50 شخصا.

وقد حاولت «القاعدة»، التي تتألف في غالبيتها من العرب من مصريين وسعوديين ويمنيين إضافة إلى جنسيات أخرى مثل الأوزبك ـ على مدار سنوات، تدعيم علاقاتها مع الجماعات المسلحة الباكستانية مثل طالبان التي تنشط في الجبال الباكستانية. وقد وضع مقاتلو الجماعة نصب أعينهم إصابة أهداف أكثر أهمية من تلك التي يستهدفها المقاتلون المحليون، مستهدفين المصالح الغربية بشكل خاص، وربما ترى الجماعة في العنف الحالي فرصة جديدة لها للقيام بذلك. ويقول مسؤولو الاستخبارات إن التقدم الذي أحرزته طالبان في وادي سوات وبونير، القريبة من إسلام آباد منها إلى المناطق القبلية، ساعد «القاعدة» في دعم جهودها. ويشير المسؤولون إلى أن «القاعدة» تقوم بحملة لاستقطاب المقاتلين الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى من الذين لا يميلون إلى تخطيط وتنفيذ هجمات عالمية كبيرة والذين يركزون طاقاتهم على إصابة أهداف آنية.

وقال بروس أو ريدل، المحلل السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والذي يقود فريق إدارة أوباما لمراجعة السياسة الخاصة بباكستان وأفغانستان: «إنهم متعطشون للدماء، وقد تشبعوا بالفكرة الجهادية بالاستيلاء على أفغانستان»، لكن البعض يؤكد على أن استيلاء الجماعات الإسلامية المقاتلة على مقاليد السلطة في باكستان أمر بعيد المنال بالنظر إلى قوة الجيش الباكستاني، بيد أن بعض مسؤولي الاستخبارات الأميركيين عبروا عن قلقهم من أن النجاحات الأخيرة التي حققتها جماعة طالبان، والتي تمثلت في توسيع مكاسبها الإرهابية، يمكن أن تؤدي إلى وجود «أفغانستان مصغرة» حول باكستان يمكن أن تسمح للمقاتلين بتنفيذ المزيد من الهجمات.

ومن ناحية أخرى، أشار مسؤولون حكوميون أميركيون وخبراء مكافحة الإرهاب إلى أن زيادة تركيز «القاعدة» على استراتيجية محلية، نابعة بصورة جزئية من الضربات الجوية المركزة التي تعرضت لها على يد وكالة الاستخبارات المركزية، والتي حدت من قدرة الجماعة على إصابة أهداف في الغرب. وأوضح المسؤولون أن الولايات المتحدة شنت العام الحالي 16 غارة جوية استخدمت فيها طائرات من دون طيار مقارنة بـ36 ضربة في العام الماضي. وأشار تقييم الاستخبارات الباكستانية الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في فبراير (شباط) إلى أن الضربات الجوية التي تعرضت لها «القاعدة» والتي لقي فيها كثير من قادتها حتفهم، أجبرتهم على «شن عمليات لا مركزية تقوم بها مجموعات محلية صغيرة جيدة التنظيم» داخل كل من باكستان وأفغانستان. وتقوم تلك المجموعات في الوقت ذاته بتجنيد عناصر جديدة لتعويض الخسائر في الأرواح التي تلقاها نتيجة للضربات الجوية. ويشير التقييم إلى أن أحد أهداف «القاعدة» الرئيسية في باكستان هو «القيام بعدة هجمات إرهابية رئيسية لخلق إحساس بعدم الأمن وإحراج الحكومة وتعطيل التنمية الاقتصادية والتقدم السياسي».

وقال بروس هوفمان، خبير الإرهاب في جامعة جورج تاون: «إن الجماعة تحاول نزع الصيغة العربية عن ذلك، فالجماعة تعرف التوقيت الذي يمكنها فيه التعريف بنفسها، تماما كما حدث في شمال أفريقيا، كما يعرفون متى سينفون صلتهم بأي أحداث كما هو الحال في باكستان».

نتيجة لذلك سيكون من الصعب بالنسبة للمسؤولين الأميركيين تقييم نوعية الهجمات الأخيرة التي كانت من تنفيذ «القاعدة»، بيد أن مسؤولي الاستخبارات يعربون عن اعتقادهم بأن الاعتداء على فندق ماريوت كان بتخطيط من أسامة الكيني، أحد ناشطي «القاعدة» في باكستان والذي قتل في أول العام الجديد.

ويعبر مسؤولو إدارة الرئيس أوباما عن اعتقادهم بأن الضربات الجوية السرية أفضل الأدوات في حربهم ضد «القاعدة» داخل باكستان التي يعتبرونها أقوى معاقل الجماعة، إذ أن وجود عدد كبير من القوات الأميركية المقاتلة لن يكون موضع ترحيب في المناطق القبلية. وقال مسؤولو الاستخبارات إن الضربة التي نفذت يوم 19 أبريل (نيسان) أصابت، على ما يبدو شاحنة، مفخخة كانت تقف أمام أحد المعسكرات التي تستخدمها «القاعدة»، ونتج عنها كثير من الانفجارات الثانوية، كما دمرت في الغارة ذاتها شاحنة أخرى كانت معدة للغرض ذاته.

ومن بين أكثر الهجمات التي نفذتها الطائرات الأميركية من دون طيار نجاحا هذا العام، تلك الضربة التي نفذتها طائرة من طراز «بريداتور» في 29 أبريل (نيسان) والتي قتل فيها أبو سليمان الجزائري، مخطط «القاعدة» جزائري الجنسية الذي يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أنه ساعد في تدريب ناشطي «القاعدة» على تنفيذ هجمات في أوروبا والولايات المتحدة. ويحذر المسؤولون الأميركيون من أن «القاعدة» لم تتخل عن هدفها «بتنفيذ هجمات مميزة في الولايات المتحدة وأوروبا».

* خدمة «نيويورك تايمز»