العالم يترقب تحولا أميركيا تجاه الشرق الأوسط عشية لقاء أوباما نتنياهو اليوم

تخوف يهودي وتفاؤل عربي.. والغموض يكتنف اجتماعهما في واشنطن

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحرمه سارة قبل مغادرتهما تل أبيب إلى واشنطن أمس (أ.ب)
TT

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام البرلمان التركي في أنقرة منذ 4 أسابيع مضت إن الكثير من العائلات الأميركية بها مسلمون كما أن هناك من عاشوا في دول بها أغلبية مسلمة، و«أعلم ذلك لأنني واحد من هؤلاء».

لكن هل سيؤدي ذلك الإعلان إلى أن يتخذ أوباما منحى مغايرا عن أسلافه في تعامله مع إسرائيل؟ من المتوقع أن يطرح ذلك التساؤل، الذي يشغل أذهان الكثيرين، بدءا من أعضاء اللوبي الإسرائيلي داخل أميركا إلى الأميركيين ذوي الأصول الفلسطينية ووصولا إلى العالم الإسلامي، نفسه بقوة على الساحة اليوم (الاثنين) عندما يجري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول لقاء مباشر له مع الرئيس أوباما منذ توليه السلطة.

وخلال مقابلة أذيعت يوم السبت على التلفزيون الإسرائيلي، أعرب إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، عن اعتقاده أن نتنياهو سوف يعطي خلال الاجتماع إشارة البدء لتحول سياسي بارز بالنسبة لحكومته وسيوافق على دولة فلسطينية، الأمر الذي قد يعكس الشكوك بشأن ما إذا كان أوباما سوف يقبل منحى إسرائيليا متشددا.

وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض المختص بشؤون الشرق الأوسط السابق بوزارة الخارجية الأميركية سابقا ومؤلف كتاب «الأرض الموعود بها كثيرا: بحث أميركيا المحير عن سلام عربي إسرائيلي»: «هناك بعض الغموض الذي يكتنف هذا الاجتماع: هل هذا الرجل مختلف؟ حقيقة أنه أفرو ـ أميركي، وأن اسمه الأوسط هو «حسين»، وأن العالم بالنسبة له ليس أسود أو أبيض، فهناك منطقة رمادية، وفي هذه المنطقة الرمادية تكمن قدرة هذا الرئيس على فهم احتياجات ومتطلبات الفلسطينيين. وهل خطر ذلك ببال بنيامين نتنياهو؟ ما من شك في أن ذلك قد حدث بالفعل».

ويشير ماضي أوباما، أربعة أشهر في سدة الحكم، إلى السبب وراء كون الإجابة عن التساؤل تبقى محيرة. فقد تناول في كتابه الأول «أحلام من أبي» قضايا العرق والقومية والحاجة إلى الانتماء إلى مكان ما، وهي قضايا ترتبط بالصراع العربي الإسرائيلي. لكن أوباما لا يتطرق في الكتاب إلى وجهة نظره تجاه إسرائيل والمأساة التي يعانيها الفلسطينيون.

وكان أوباما قد سعى خلال عمله كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية شيكاغو إلى توثيق صداقته مع الأميركيين ذوي الأصول العربية ومنهم رشيد خالدي، الأكاديمي الأميركي ذو الأصول الفلسطينية والناقد لإسرائيل، ويقول الأصدقاء إن أوباما تناول مع الخالدي العشاء عددا من المرات حيث ناقشا قضايا فلسطينية.

وأشار علي أبو نعمة، الصحافي الأميركي الفلسطيني الأصل الذي يعمل في شيكاغو، إلى أن أوباما حضر خلال التسعينات عددا من حفلات التكريم لأميركيين عرب، حيث كان يبدو «متعاطفا» مع قضية الفلسطينيين.

وأوضح العديد من خبراء شؤون الشرق الأوسط أن الموقف الذي يتبناه الرئيس أوباما يتناقض بصورة كبيرة مع الصورة السطحية عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي التي كانت لدى الرؤساء الأميركيين السابقين خلال فترة رئاستهم، حيث جلبوا معهم إلى البيت الأبيض سجلا خاويا شكله عقب ذلك التحالف القوي مع إسرائيل التي تمثل عنصرا أساسيا في السياسة الأميركية.

وقال تشارلز فريمان، السفير الأميركي السابق إلى المملكة العربية السعودية: «أعتقد أن الرئيس يدرك معاناة الفلسطينيين». فيما أشار دانييل ليفي، مفاوض السلام الإسرائيلي السابق، إلى أن الرئيسين السابقين لأوباما، بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، نشآ في عصر كانت وجهة النظر الأميركية الإسرائيلية عن النزاع في الشرق الأوسط هي المعلم الأساسي. وعلى الرغم من إبداء كل منهما لتعاطفه مع الفلسطينيين ـ خاصة كلينتون الذي دفع بقوة باتجاه السلام في الشرق الأوسط خلال الأشهر الأخيرة من رئاسته ـ فقد تشكلت رؤاهم من خلال الإسرائيليين واليهود الأميركيين أكثر من المسلمين.

وقال ليفي: «أعتقد أن رأي باراك أوباما بشأن هذه القضية سيكون مثل العديد من القضايا الأخرى، حيث سيحاول طرح طريقة جديدة وخلفية جديدة، فهو على اطلاع كامل بكل تأكيد بالمخاوف الإسرائيلية والتقارب في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. لكن ما أعتقد أنه سيكون محل خلاف هو معرفة مصدر معاناة الفلسطينيين، وهو ما أعتقد أنه لدى الرئيس أوباما».

لكن أيا من ذلك لا يعني بالضرورة أن أوباما سينتهج مسارا مغايرا عن نظرائه السابقين، فخلال الحملة الانتخابية تبنى موقفا مماثلا لخصومه هيلاري ردوهام كلينتون وجون ماكين تجاه إسرائيل، إلى حد أنه ذهب إلى القول في 2008 إنه يدعم القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، (لكنه عاد بعد ذلك ليعزو تلك الكلمة إلى الصياغة الرديئة لكلمته، قائلا لفريد زكريا بقناة «سي إن إن» إنه كان يعني أنه لا يريد أسلاكا شائكة تمتد عبر القدس).

ولكن يشعر بعض الأميركيين الفلسطينيين، الذين طمحوا في أن يتولي أوباما الرئاسة وأن يسعى سريعا للضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأن القضايا الفلسطينية، بخيبة أمل تجاه ذلك.

وقال أبو نعمة: «من الناحية العملية، وبرغم اللغط، لا تزال الكثير من سياسات الإدارات السابقة مستمرة، فقد أسعد الناس بتغير في المناخ، لكن جوهر السياسة الأميركية تجاه إسرائيل لا يزال كما هو».

فخلال العام الماضي، على سبيل المثال، سارع أوباما إلى التنصل من روبرت مالي، مستشاره غير الرسمي لحملته الانتخابية، عندما قالت تقارير إن مالي، الذي كان مستشارا لكلينتون، كانت له علاقات مباشرة بحماس، الحركة الإسلامية المسلحة التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 وتسيطر على قطاع غزة. كما كرر ذات الفعلة مع زبيغنيو برزيزنسكي، مستشار الأمن القومي السابق الذي كان دائم الانتقاد لإسرائيل بعد الشكاوى من عدد من الجماعات المناصرة لإسرائيل.

ولم يقدم أوباما دعما على الملأ لتعيين فريمان في منصب استخباري رفيع في مارس (آذار) بعد شكاوى العديد من أعضاء الكونغرس وجماعات الضغط المناصرة لإسرائيل من أن فريمان يحمل حقدا تجاه إسرائيل وهو ما دفع فريمان إلى الانسحاب بغضب من الترشح للمنصب.

بيد أن فريمان قال في المقابلة التي أجريت معه عبر الهاتف الأسبوع الماضي إنه لا يزال يعتقد أن الرئيس أوباما سيسير إلى اتجاه لم يصل إليه الرؤساء السابقون فيما يتعلق بإسرائيل. فتعيين أوباما للجنرال جميس إل جونز، كمستشار للأمن القومي، يمكن أن ينذر بحدوث خلاف بين إدارة أوباما وحكومة إسرائيل، على حد قول العديد من خبراء الشرق الأوسط، حيث عمل جونز من قبل مع الإسرائيليين والفلسطينيين وأغضب المسؤولين الإسرائيليين في بعض الأحيان.

والأمر نفسه مع تعيين روبرت ميتشل، كمبعوث خاص للرئيس إلى المنطقة، فميتشل الذي ساعد في التوصل إلى اتفاق سلام في أيرلندا الشمالية، أشار في لقاء خاص إلى أن الإدارة قد تبحث عن وسائل لضم حماس، بصورة ما، إلى حكومة فلسطينية موحدة.

وأشار فريمان إلى أنه على الرغم من أهمية اجتماع أوباما مع نتنياهو، فإنه ربما لا يكون سوى استعراض لبداية المسار الذي سينتهجه الرئيس.

وقال مشيرا إلى الجدل الذي ثار حول تعيينه وصمت أوباما وسط هجمات المنتقدين: «لا يمكنك التنبؤ بما سيأتي على ضوء ما حدث. فقد كان نيكسون خلال الأشهر التسعة الأولى غير لطيف بخصوص الصين، لكن المراجعة المتأنية لأحداث الماضي تشير إلى أنه كان يختار التوقيت المناسب، فلم يرغب في القتال ما لم يضطر إلى ذلك».

وقال فريمان: «أنا أشعر أنا أوباما يرغب في تحين الفرصة المناسبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»