المخابرات الأميركية اتهمت «خطأ» أحد كبار مسؤوليها السريين بالخيانة

TT

اعادت وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي آي إيه) قبل ثلاثة اشهر وبصورة هادئة واحدا من ضباطها العاملين في مجال مكافحة التجسس بعد ان ظل 18 شهرا تحت التحقيق بشبهة عمله كجاسوس لحساب روسيا. لم يكن هناك احتفال او ضجة ولا اعتذار رسمي عندما عاد الضابط المذكور الى العمل، غير ان الوكالة اعترفت بأن ما حدث بحق هذا الضابط كان خطأ فادحا.

ولا يزال الضابط المذكور يعاني من محنة ما بعد الصدمة التي اصيب بها من جراء الشكوك التي حامت حوله بشبهة التجسس لحساب روسيا، علما بأنه ضابط بارز ووظيفته غاية في السرية. وكان الضابط قد طلب الا يرد ذكر اسمه في هذا التقرير، ذلك ان الجهات المسؤولة ابلغته بأنه ربما يفقد وضعه السري اذا كشفت هويته.

عاش الضابط المذكور على مدى عام ونصف العام تحت ظل شبهة الخيانة، اذ كان محل تحقيق مكثف بواسطة «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (إف بي آي). وفي 18 فبراير (شباط) الماضي القى مكتب التحقيقات الفيدرالي القبض على ضابط مكافحة التجسس روبرت هانسن. ووصف هانسن، الذي ظل يعمل في قسم مكافحة التجسس على مدى عدة سنوات، بأنه من «اهم جواسيس الحرب الباردة الذين عملوا لمصلحة موسكو». ويقول مسؤولو مخابرات واجهزة امنية اميركيون ان هانسن وليس ضابط وكالة المخابرات المركزية المذكور هو الذي كان هدفا للملاحقة.

ويؤكد المسؤولون ان مجموعة من المصادفات هي التي ادت الى تركيز الشكوك حول ضابط الوكالة، علاوة على انه يسكن في مكان ليس ببعيد من منزل هانسن، كما انه يمارس رياضة الركض في نفس الميدان الذي يركض فيه هانسن، بالاضافة الى انه سافر مع هانسن.

ويقول مسؤولو مخابرات اميركيون ان هانسن كان على علم بأن ضابط وكالة المخابرات المركزية كان تحت المراقبة، أي انه كان يدرك ان الشبهات مركزة في مكان آخر، وبالتالي فإنه كان يشعر بأنه اقل عرضة للخطر.

الآن وبعد مرور ما يزيد على خمسة اشهر على القبض على هانسن، لا يزال الضابط يعتبر ان تعامل وكالة المخابرات معه لم يكن منصفا. الجدير بالذكر ان هذا الضابط اعيد الى العمل بعد ان منح عطلة بمرتب ويعتقد ان تعامل الوكالة معه في هذا الجانب كان افضل من تعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي لم يعلن براءته رسميا ولم يعتذر له كذلك.

وطبقا لتأكيدات مسؤولي مخابرات اميركيين، فإن «مكتب التحقيقات الفيدرالي» استخدم عمليات المراقبة السرية والتنصت الالكتروني واختبارات كشف الكذب وعمليات الاقتحام الى جانب استجواب زوجته السابقة وابنائه الكبار. ويقول جون موستيكاس، محامي الضابط المذكور، ان الآثار السلبية للاخطاء التي ارتكبها مكتب التحقيقات الفيدرالي بحق موكله كثيرة، واضاف ان التحقيقات معه كان لها اثر نفسي وعاطفي سيئ على الضابط وعلى اسرته. وأعلن متحدث رسمي ان مكتب التحقيقات اعرب عن اسفه ازاء اجراء تحقيق مع الضابط، مضيفا ان الجهات المعنية اعتذرت رسميا لمحامي الضابط. وصرح المسؤول كذلك بأن مكتب التحقيقات سيواصل الاتصال والنقاش مع محاميه للتوصل الى حل بشأن المسائل المتبقية.

وصرح مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنهم رغم تعاطفهم مع الضابط وقناعتهم ببراءته، فقد كان لديهم اساس مشروع للمضي في اجراءات التحقيق على اعتبار المعلومات التي توفرت عنه، كما انهم اتبعوا وسائل مقبولة قانونيا. وأكد المسؤولون انهم تعاملوا بحذر فيما يتعلق بالافصاح عن اسمه رغم ان التحقيق اصبح معروفا داخل دوائر الاستخبارات الاميركية.

وعلق مسؤول استخباراتي اميركي بارز قائلا: ان كل من علم بالتحقيق في مكتب التحقيقات ووكالة الاستخبارات على السواء كان على قناعة بأن الشكوك التي حامت حوله كانت منطقية ومبررة. واضاف المسؤول انه كان على قناعة بتورط الضابط المذكور حتى نهاية العام السابق عندما تحول التركيز على نحو غير متوقع الى هانسن.

وكان مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي قد تلقوا العديد من الانتقادات بسبب فشلهم حتى في الشك في احد الضباط العاملين في المكتب بدلا من توجيه اهتمامهم الى وكالة المخابرات المركزية.

وبالاضافة الى اوجه الشبه المشار اليها سابقا بين ضابط الوكالة وهانسن، فإنهما يشتركان في السن (57 عاما)، وسافرا سويا في رحلات عمل تتعلق بمكافحة التجسس. كما ان كليهما خبير في مجال مكافحة التجسس وله الحق في الاطلاع على معلومات غاية في السرية الى جانب علمهما بعدد من العمليات السرية التي تتهم السلطات هانسن بكشف تفاصيلها. يضاف الى ما سبق ان ضابط الوكالة المذكور ظل خلال الفترة التي كان خاضعا فيها للمراقبة يتسوق في متاجر يتردد عليها عملاء مخابرات روس، اذ ان مكتب التحقيقات الفيدرالي هو الذي يرصد مثل هذه التحركات.

الجدير بالذكر ان الضابط كان يحتفظ بخارطة لحديقة «نوتواي» التي يمارس فيها رياضة الركض بانتظام موضح عليها اوقات ركضه من كل نقطة لاخرى، اذ ان المحققين الذين فتشوا منزله بطريقة سرية اعتبروها واحدة من الادلة على خيانته. وفي 18 اغسطس (آب) 1999 استدعي الضابط الى قاعة المؤتمرات داخل المقر الرئيسي لوكالة المخابرات، حيث وضع المحققون امامه نسخة من الخارطة التي كان يستخدمها لرياضة الركض.

* خدمة نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»