أبحاث الخلايا الجذعية تفتح الباب أمام عصر «الطب التجديدي» لإصلاح أعضاء الجسم الحي

TT

ظل العلماء لشهور طويلة يأملون ان يعلن الرئيس بوش عن سابقة «تاريخية»، وذلك بأن يسمح بالتمويل الفيدرالي لابحاث الخلايا الجذعية الجنينية. وقد فعل بوش ذلك بالفعل مساء اول من امس، الا ان كبار الخبراء في هذا الميدان اصيبوا بالخيبة من قراره، واصفين القرار بانه خطوة طفل صغير، وليس قفزة عملاق، في ميدان الابحاث الطبية.

وقال بوش الذي وضع نفسه في موقع وسط بين مؤيدي هذه الابحاث وبين معارضيها، انه سيقيد حدود الاموال الفيدرالية على ابحاث سلالات الخلايا الجذعية الموجودة فعلا. لكن العلماء شككوا في وجود 60 سلالة، وقالوا ان التقارير تشير الى وجود 10 سلالات. ومع ذلك اشار بعض الخبراء الى احتمال وجود سلالات اخرى في مراكز علمية حول العالم، لم ينشر الباحثون فيها تقاريرهم عنها.

وقال داو ملتون الباحث المشهور في الخلايا الجذعية بجامعة هارفارد «ان حدث وإن وجدت 60 سلالة من الخلايا التي تتكاثر بشكل ممتاز، ولها خصائص الخلايا الجنينية البشرية، فهذه اخبار جديدة لي، وهي اخبار جيدة». واضاف «دعونا اولا نعثر على ادلة على وجود هذه السلالات الستين، ثم ثانيا، نتأمل ان كانت هذه السلالات متوفرة من دون قيود».

وقال الخبراء انه حتى حلول الوقت الذي تصل فيه الاجابات عن هذه الشكوك، فان من الصعب تقييم قرار الرئيس بوش وتأثيراته على تسريع الابحاث الجارية لتطوير انواع جديدة من العلاج والعقاقير. وعقب جون مندلسون رئيس مركز اندرسن للسرطان بجامعة تكساس الذي استشاره الرئيس قبل تصريحه، ان «من الصعب التنبؤ بالمستقبل.. الا انني اعتقد ان الرئيس بوش اتخذ قرارا مهما، وهو التقدم الى امام».

وارتفعت معنويات مجموعات الدفاع عن المرضى، الا انها حذرت من انها ستضغط على الكونغرس الاميركي لتفعيل قوانين تسمح باعطاء المزيد من الصلاحيات للعلماء لدراسة الخلايا الجذعية. ووصف دان بيري المدير التنفيذي لائتلاف «ايجينغ ريسيرتش» (ابحاث الشيخوخة)، وهو منظمة للدفاع عن المرضى مقرها في واشنطن، اعلان بوش بأنه «لسوء الحظ خطوة صغيرة مخيبة للآمال».

توسيع الأبحاث رغم القيود التي اعلنها الرئيس بوش فان التمويل الفيدرالي قد يقود الى توسيع ابحاث الخلايا الجذعية في عدة اتجاهات. الاول، ان القطاع الخاص لم يدخل بعد بقوة في هذه الابحاث، التي لا تزال في بداياتها الاولى. وسوف يقود ضخ الاموال الحكومية الى استقطاب عدد اكثر من الباحثين الاكاديمين، او كما وصفهم بوش يوم الخميس بـ «افضل والمع علماء» الامة. كما سيقود اهتمام الحكومة الفيدرالية هذا، الى خلق اجواء الانفتاح والعلنية التي يحتاجها العلماء، لان الباحثين الاكاديميين يتقاسمون اكتشافاتهم مع نظرائهم عبر الدوريات العلمية والمؤتمرات. يضاف الى ذلك ان الحكومة ستتمكن من وضع ضوابط اخلاقية للابحاث.

وصرح لي روي ولترز الباحث في اخلاقيات علوم الحياة في جامعة جورجتاون الذي التقى مع بوش ومستشاريه الاسبوع الماضي: «اعتقد انه سيحدث نوع من الزخم.. اذ ستتسارع وتيرة الاكتشافات، وقد تحدث اعراض مصاحبة مفيدة، حيث ستصبح نتائج بعض الابحاث في متناول الباحثين عبر البلاد».

ويضاف الى ذلك كله ان الابحاث في هذا الميدان تجري في مواقع لا يمسها التمويل الاميركي لا من قريب ولا من بعيد، اذ تجرى ابحاث في بريطانيا وفي استراليا واسرائيل، وبدرجة اقل من قبل باحثين في الولايات المتحدة لا يعتمدون على الاموال الحكومية. وقد وضعت تقديرات لوجود 60 سلالة من قبل خبراء معاهد الصحة القومية الذين درسوا الابحاث الجارية على الخلايا الجذعية الجنينية في استراليا والهند واسرائيل والسويد. الا ان الباحثين في ميدان الخلايا الجذعية فوجئوا بهذا العدد. وقال جون جيرهارت الباحث في البيولوجيا بجامعة جونز هوبكنز، واحد علماء الامة الرواد في مضمار ابحاث الخلايا الجذعية «لا علم لي اطلاقا عن هذا (العدد من السلالات)، وهذا بالطبع يثير اهتمامي العميق. فان كانت هناك سلالات حقيقية، فما هي المعايير التي قيست بها؟».

أساس الحياة ويعتبر العلماء الخلايا الجذعية الجنينية الاساس الرئيسي لعصر جديد من «الطب التجديدي» (او «الطب الاسترجاعي»، اي الذي يجدد اعضاء الجسم الحي او يسترجعها)، وهو الميدان الذي تقوم فيه الخلايا البشرية باصلاح او استبدال الانسجة والاعضاء المتضررة. وتستخلص هذه الخلايا من الأجنة البشرية عندما تكون جد صغيرة بحيث لا يزيد حجمها عن حجم رأس الدبوس. ويمكن للخلايا ان تتكاثر، من الناحية النظرية، الى اي من خلايا الجسم التي تصل انواعها الى 200 نوع. ويعتقد العلماء ان بامكانهم علاج امراض الزهايمر وباركنسون والسكري بتوظيف تقنيات هذه الخلايا.

الا ان الابحاث جوبهت بانتقادات عنيفة من قبل الهيئات الدينية ومعارضي الاجهاض، لان التجارب تؤدي الى تدمير الأجنة المتخلفة عن عمليات التخصيب المختبرية (في قناني الاختبار). وكان الكونغرس قد حظر التمويل الفيدرالي للتجارب التي تجرى على الأجنة البشرية. وفي اغسطس (آب) الماضي استطاعت ادارة الرئيس كلينتون ان تستثني من هذا الحظر التجارب على الخلايا الجذعية التي استخلصها القطاع الخاص من الأجنة واجرى دراسات عليها من امواله، لكن هذا الاستثناء لم يطبق في حينه.

وعشية اعلان الرئيس بوش، طالب هارولد فارموس الرئيس السابق لمعاهد الصحة القومية والرئيس الجديد لمركز ميموريال سلوآن ـ كتيرنج للسرطان في نيويورك بالبحث عن سلالات جديدة ما دامت السلالات الحالية للخلايا الجذعية لا تؤمن تنوعا جينيا كافيا. وقال هارولد «سيصبح الاستثمار الفيدرالي سيئا وقاسيا، ان توصل العلماء الى معارف حول تمايز، او تخصص، الخلايا، بهدف علاج البشر، وان ظهر ان هذه المعارف ليست كافية للعلاج».

وكان العلماء قد درسوا الخلايا الجذعية للفئران على مدى 20 عاما. ووفقا لاحدث تقرير اصدرته معاهد الصحة القومية فان نتائج الدراسات هذه مشجعة. وعلى سبيل المثال، وجد باحثون اسبان ان الخلايا الجنينية للفأر يمكن تحويلها الى خلايا تفرز الانسولين. كما تمكن باحثون في معاهد الصحة القومية من استخدام الخلايا الجذعية الجنينية للفأر في تطوير خلايا عصبية تولد الـ«دوبامين»، وهو مادة كيميائية يقل تركيزها لدى المصابين بمرض باركنسون.

اما احدث الابحاث على الخلايا الجذعية فهو البحث الذي اجراه جيرهارت في جامعة جونز هوبكنز الذي اخذ خلايا جذعية جنينية بشرية من الطراز الثاني، لانها استخلصت من مبيض الجنين او من خصيتيه، ووظفها لعلاج فئران مشلولة وساعدها على الحركة، لكن نتائج هذا البحث النهائية لم تنشر في الدوريات العلمية بعد.

* خدمة نيويورك تايمز: خاص بـ «الشرق الاوسط»