«القاعدة» تعود للتجنيد في أوروبا

شهادات إسلاميين ذهبوا للتدرب في وزيرستان: قيادات التنظيم تشككوا فينا وطلبوا مزيدا من الأموال

TT

مضى المسلحون الفرنسيون والبلجيكيون، يحدوهم إصرار على الموت شهداء، في رحلتهم إلى وزيرستان. ووصلت المجموعة إلى مخبأ لـ«القاعدة» داخل باكستان العام الماضي، متأهبين لأن يتم استقبالهم استقبال الأبطال. «كنا نتوقع على الأقل ترحيبا بـ(إخواننا من أوروبا) ومناخ دافئ وحسن ضيافة،» هكذا قال وليد عثماني، وهو رجل فرنسي يبلغ من العمر 25 عاما، خلال التحقيق الذي أجري في يناير (كانون الثاني). ولكن، علم الأوروبيون، ومعهم أميركي على الأقل، أن الحياة تحت ظل طائرة «بريداتور» بها الكثير من الأذى. أجرت قيادات «القاعدة» المتشككة، التي تخشى الجواسيس، استجوابا قاسيا للبلجيكيين والفرنسيين. وطلبوا من كل فرد 1200 دولار مقابل رشاشات «آيه كيه ـ47» ومؤن وراميات القنابل. وطلبوا منهم أن يكتبوا في استمارات ما يفضلونه: المشاركة في حرب عصابات أم القيام بهجمات انتحارية؟ أخذ المتدربون يتجنبون هجمات صاروخية على مدى أشهر، وعانوا من الأمراض وشعروا بالضجر، وكانوا يتجمعون في مجمعات مزدحمة بددت الصور التي كانت لديهم عن المسكرات المليئة بالمحاربين المتآخيين. وقال عثماني لرجال الشرطة: «أدركنا أن ما تراه في مشاهد الفيديو على شبكة الانترنت مجرد كذب.» «قال (رئيسنا) إن مشاهد الفيديو... تستخدم للضغط على العدو واستثارة الناس كي يأتوا للقتال، وكان يعلم أن هذه دعاية غير صادقة». وتعطي التقارير التي ذكرها مسلحون عائدون ألقي القبض عليهم في أوروبا، بالإضافة إلى مكالمات تم اعتراضها، صورة مفصلة عن مجمعات «القاعدة» السرية. كما تعزز المعلومات الاستخباراتية التي تقول بأن حملة الضربات الجوية الأميركية باستخدام طائرات البريداتور دون طيار تتسبب في بذر الشكوك وخلق حالة من الارتباك، بالإضافة إلى استثارة التوتر مع القبائل التي تقع في شمال غربي باكستان، حسب ما يقوله مسؤولون في مجال مكافحة الإرهاب. وفي نفس الوقت، تظهر القضية أن القيادات المسلحة التي تتسم بالمكر ما زالت تثير الحرب في جنوب آسيا وتدرّب عددا من المجندين الأجانب. وما زالت القلة القادمة من الغرب مبعث قلق ملح. وقد رصدت قوات مكافحة الإرهاب أميركيا على الأقل، اعتنق الإسلام، تدرب مع «القاعدة» في باكستان خلال العام الماضي، وهذا ما يقوله مسؤولون غربيون. ويقول مسؤول بلجيكي في مجال مكافحة الإرهاب إن مدّعين في بروكسل قدموا طلبات للتحقيق مع شاهد موجود حاليا في الولايات المتحدة كان في باكستان مع مشتبه فيهم أوروبيين. وقد عجّل من القبض على المجموعة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي مخاوف من هجوم وشيك بعدما عاد هشام بيايو، وهو بلجيكي يبلغ من العمر 25 عاما، من باكستان، وأرسل رسالة إلكترونية تبعث على القلق إلى صديقته. كتب بيايو في 6 ديسمبر (كانون الأول) حسب ما تذكره وثائق التحقيق: «سأذهب لـ(عملية) ولا أعتقد أنني سوف أعود. تمت الموافقة على طلبي، وستحصلين على فيديو مني إليك من الـ(منظمة)».

قال بيايو للشرطة إنه كان يتباهى للتأثير على صديقته، ولكن يعتقد المحققون أن المجموعة قد تكون تم إعدادها للقيام بمهمات في أوروبا. وقال مسؤول بلجيكي في مجال مكافحة الإرهاب، طلب مثل غيره ممن أجريت معهم مقابلات عدم ذكر اسمه لأن التحقيق ما زال مستمرا: «كانوا ذوي قيمة كبيرة للقيام بعمليات داخل أوروبا، فلا تحتاج «القاعدة» إلى بلجيكيين أو فرنسيين للقتال في أفغانستان».

ويبلغ طول بيايو خمسة أقدام وخمس بوصات، وكما هو الحال بالنسبة للآخرين، فإن أصوله تعود إلى شمال أفريقيا، ونشأ في منطقة أندرلتشت ببروكسل، وعمل إخوته في السرقة وتهريب الأسلحة، ولكن لا يوجد له سجل جنائي. ويقول كريستوف مارتشاند، محامي بيايو: «إنه مثقف العائلة، ولا يُكن شرا لبلجيكا. لقد ذهب إلى أفغانستان للالتحاق بالحركة الإسلامية المقاومة». ويبدو أن المقاومة الإسلامية باهظة التكلفة، فقد سرق بيايو، العاطل، 5000 دولار من أجل الرحلة التي قام بها. وكان على الفرنسي عثماني، وهو أب لاثنين، أن يقترض 1000 دولار من أمه، وأنفق المئات على شراء أحذية وحقيبة نوم وملابس داخلية تساعده على تحمل البرد. وقائد المجموعة هو معز غرسلوي، 42 عاما، تونسي متزوج من أرملة بلجيكية كانت زوجة لمسلح قتل أحمد شاه مسعود المناوئ لحركة طالبان خلال عملية انتحارية قبل يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وكان يسعى غرسلوي، وهو أصلع وله لحية، إلى البحث عن مجندين بين زوّار الموقع الراديكالي الذي تديره زوجته، التي لها مكانة كبيرة في الدوائر الاصولية. ويقول المحققون إن هذه كانت الرحلة الأولى له إلى جنوب آسيا، ولكنه استفاد من علاقات زوجته القوية مع «القاعدة». وتولّى تنظيم الاتصالات المرتبطة بالتهريب وقابل أربعة بلجيكيين وفرنسيين اثنين في اسطنبول في ديسمبر (كانون الأول) 2007. وحسب ما تفيد به الاعترافات فإنه كان يحمل حقيبة مملوءة بالنقود، حوالي 40,000 دولار. ولكن، مضى غرسلوي وحده، وترك الآخرين ليقوموا برحلة صعبة استمرت شهرا كاملا، وتعرضوا خلالها للتهديد من مهربين أتراك باستخدام المسدس، وتحملوا رسوما إضافية لأنهم كانوا «عرب» وسرق المهربون أموالهم وملابسهم، وزعموا أن ذلك للعمل الخيري.

ويقول عثماني: «لقد سرقوا منا كل شيء، كان ما أخذوه لصالح من سمّوهم الفقراء، ولكن من الواضح أنه لم يكن لغرض من هذا القبيل». وبعد ذلك، حاول المجنّدون حرق جوازات سفرهم «لأننا جميعا كنا نقصد الموت شهداء في أفغانستان»، والكلام لعثماني. ولكن، قام المهربون بمصادرة هذه الوثائق. وبعد ذلك عبروا الجبل ليلا عبر إيران، وعانوا كثيرا بين الثلوج، وتحول لون قدم بلجيكي للون الأزرق، وسقط بيايو أكثر من مرة وجرجره زملاؤه بينما كان يبكي لأن هذا هو المكان الذي سيموت فيه. ويقول مسؤول بلجيكي في مجال محاربة الإرهاب إن المجموعة دخلت إلى باكستان من خلال مدينة زاهيدان الإيرانية الحدودية التي تعد بؤرة نشطة للمسلحين والمهربين. وكان هدفهم الوصول إلى قرية في منطقة وزيرستان على بعد ساعتين. ولكن لم يكن الاستقبال مثلما كان الحال في وقت نشاط المعسكرات الأفغانية عندما كان الغربيون، ولا سيما الذين تحولوا إلى الإسلام، يحظون بفرصة لمقابلة زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن شخصيا. وظهر سعوديون معهم أسلحة «أيه كيه 47» من مسجد وكان منظرهم عدائيا، وظنوا أن الفرنسيين يمكن أن يكونا جواسيس، حسب ما قاله مسؤول فرنسي بارز في مجال مكافحة الإرهاب. ويقول المسؤول البلجيكي: «ظنوا أنهم سوف يستقبلون استقبال الأبطال لأنهم أوروبيون، ولم يكن هذا هو الحال».

وسكن التوتر عندما ظهر غرسلوي. ولكن وُضع المجندون في ما يشبه السجن، فمن سوء حظهم أنهم وصلوا في الوقت الذي بدأت فيه القوات الأميركية في سلسلة من الضربات الجوية باستخدام طائرات دون طيار يحتمل أن تكون ساعدت على قتل نحو ستة من قيادات «القاعدة» البارزة خلال عام 2008. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى زوجته، قال غرسلوي إنه نجا بالكاد من ضربة جوية تسببت في مقتل ليبي بارز. وقال: «كنت على وشك الموت».

وحاول المتدربون الاختباء خلال النهار خوفا من الطائرات دون طيار والمخبرين الذين يبحثون عنهم ويستهدفون مخابئهم من خلال الضربات الصاروخية. ويقول المشتبه فيهم إنهم كانوا يريدون بشدة القتال ضد القوات الأميركية في أفغانستان، ومما أثار خيبة الأمل لديهم أن القادة طلبوا منهم المزيد من النقود من أجل الأسلحة. وطلب منهم التدرب مع مجموعة من العرب يصل عددهم من 300 إلى 500، ولكنهم كانوا مقسمين في وحدات صغيرة. وكانوا يتلقون التعليمات العسكرية والدينية داخل مبان، فيما كانت جلسات المتفجرات والأسلحة النارية في الأفنية. وقال قيادي سعودي يدعى مرتضي للأوروبيين إنهم سيرسلون للقتال في الجبهة الأفغانية. ولكن، الأسابيع التي تلت خالية من العمل. ويتذكر بيايو: «كنا نشعر بالغضب نوعا ما لعدة أسباب، فقد انتظرنا ولم تتحقق وعود مرتضي... وكان (غرسلوي) يمارس علينا دور الرئيس ويعطينا أوامر». وبعد ذلك، أرسل غرسلوي صورة عبر البريد الإلكتروني لزوجته تظهره وهو يستخدم منصة لإطلاق القنابل بمهارة، وتباهى أمام زملائه بأنه قتل جنودا أميركيين باستخدام بازوكا. ويسعى المحققون للتثبت من زعمه. ويقول بيانو وعثماني إنهما كانا يشعران بالضجر وهم يقيمان داخل بيوت آمنة، وينكمشان خوفا عند سماع قذف القنابل، وبدآ يعانيان من الأسقام. وعانى بيايو من نوبة ملاريا. وظهر رجل ماكر يدعى عمار، وعكّر من حالتهم المزاجية. ويتذكر بيانو: «أدركنا أن هذا الشخص كان هناك لاختبارنا، للتجسس علينا». «وبدأت فكرة العودة إلى بلجيكا وفرنسا تتشكل بيننا».

وانفجر بلجيكي وخرج يحاول الوصول إلى أقرب مدينة ليشق طريقه عائدا إلى أوروبا، حسب ما يقوله المسؤول البلجيكي الذي يعمل في مجال محاربة الإرهاب. وبعد ساعات من السير في واد مقفر، أدرك أنه لا أمل في تحقيق ذلك وعاد مرة أخرى. وفي العام الماضي، عاد بيانو وعثماني واثنان آخران أخيرا إلى أرض الوطن ووقعوا في قبضة الشرطة التي كانت تراقب عن كثب. والسؤال الرئيسي المطروح هو ما هو مدى تورطهم في العمل الإرهابي. ويصر محامو الدفاع على أنهم مجاهدون فاشلون. ويقول مارتشاند: «لم يكونوا أقوياء بالقدر اللازم».

* «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»