المؤتمر الثامن لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية يدعو إلى نبذ الخلافات المذهبية لمواجهة الفكر المنحرف

دعوا إلى تجديد الفكر الإسلامي وأكدوا أن الإسلام دين حوار منذ نشأته

TT

دعا وزراء الشؤون الإسلامية والأوقاف بالدول الإسلامية المشاركون في المؤتمر الثامن لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في الدول الإسلامية المقام بجدة، يوم أمس، إلى ضرورة نبذ المجتمعات الإسلامية الخلافات المذهبية، ودعوا إلى حوار بين قطبَي الإسلام من السُّنة والشيعة، إضافة إلى تعميم الحوار مع التيارات والجماعات الإسلامية والعلمانيين في الدول الإسلامية.

وكان المشاركون في الجلسة الأولى للمؤتمر قد أكدوا على أن الأمن الفكري يعد أساسا ومنطلقا للأمن المجتمعي، وشددوا على أهمية تكاتف الجميع من أجل مواجهة الفكر المنحرف وما يترتب عليه من أعمال تمسّ أمن ومكتسبات الشعوب، مشيدين بالتجربة السعودية في مواجهة الانحرافات الفكرية والعَقَديّة. وبالعودة إلى الوزراء الذين دعوا خلال التوصيات إلى ضرورة أن يتحد المسلمون نحو عقيدتهم بغضّ النظر عن المذاهب التي ينتمون إليها لكي يتم الحوار مع الغرب وأصحاب الديانات الأخرى بشكل يؤطر لعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى ويصل بفكرة الإسلام السمحة إلى البشرية كافة.

كما دعوا أيضا إلى تجديد الفكر الإسلامي مشيرين إلى حدوث طفرة في مجال الحوار من جهة السعودية بعقد ثلاثة مؤتمرات في عام واحد: مؤتمر مكة المكرمة ومؤتمر مدريد ومؤتمر نيويورك.

وشددوا على أهمية الاتصال مع الآخر، كون الغرب دأب على أن يقدم مصطلحات جديدة ينسبها إلى الإسلام والمسلمين بغرض تغريب الفكر الثقافي الإسلامي وتقديم أجندة خاصة من جانبه عن طريق صياغة مقترحات عن الإسلام في أساسها سيئة السمعة في الغرب مثل الأصولية والإرهاب وغيرها، وذلك نوع من الغزو الثقافي الحوار.

وأبان المتحدثون أن الإسلام دين حوار منذ نشأته وليس الآن فقط، كرد فعل لما يريده الغرب، وقالوا إن «إن الحوار يقوم على فكرتين أساسيتين، أولاهما الحوار في الداخل بين المسلمين أنفسهم لتجديد البيت الإسلامي من الداخل قبل الحوار مع الآخر لأنه علاج للفرقة والانقسام لأن هناك ادعاءات ومحاولات لإثارة الوقيعة بين السنة والشيعة والحوار مع الآخر المختلف في الدين والثقافة.

وبينوا أن آليات هذا الحوار تكون عن طريق لجنة التقارب بين المذاهب الإسلامية وإحياء هذه اللجنة وعقد اتفاقات ثقافية بين الجامعات وتبادل الأساتذة والطلاب والبرامج التعليمية في الجامعات السنية والشيعية على أن يكون ذلك كله بالتمسك بثوابت القرآن والسنة وعقد مؤتمرات وندوات وحوار بين الجانبين لبحث القضايا الاهتمام المشترك وتدريس المذاهب الفقهية والكلامية وكل الفرق الإسلامية، ومن المهم وقف محاولات الإساءة والتشهير وتكميم الأفواه بين عنصري الأمة السُّنة والشيعة، ولذلك ينبغي الوقوف فورا عن الإساءة إلى رموز السُّنة والشيعة وكذلك التحاور مع التيارات والجماعات الإسلامية ودراسة الآخر دراسة موضوعية تقوم على قناعة راسخة بأننا في هذا العالم لسنا وحدنا وأننا بحاجة إلى هذا العالم مثلما هذا العالم محتاج إلينا ولاقت مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان وزيارته للفاتيكان وحوار مع البابا حول السلام إشادة من الحاضرين الذي رأوا أنها كانت البداية المثلى لحوار نقيم فيه وضعنا ونقيم تجاربنا ونقوم بحوار تكون فيه الندّية ويخرج عن أي أهداف أخرى سياسية كانت أو اقتصادية.

وكانت الجلسة الثانية قد قُدمت بعنوان حوار الأديان والحضارات برئاسة الدكتور أحمد التوفيق وزير الشؤون الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية وعلق فيها وزير الشؤون الدينية بالجمهورية التونسية ورئيس منظمة الأوقاف والشؤون الإسلامية الإيرانية والمفتي العام بجمهورية البوسنة والهرسك.

وكانت جلسات المؤتمر قد انطلقت صباح أمس بالقاعة الكبرى في فندق «جدة هيلتون» بمحافظة جدة بحضور الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، رئيس المجلس التنفيذي لمؤتمر الأوقاف، بموضوع «الأمن الفكري ودور وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في تحقيقه».

الجلسة الأولي التي ترأّسها الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية، قُدّمت خلالها ثلاث أوراق عمل، الأولى للدكتور توفيق بن عبد العزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد، بعنوان «جهود وزارة الشؤون الإسلامية في الأمن الفكري ومحاربة الإرهاب والتطرف والغلو».

وقدّم الورقة ثانية الدكتور عبد الرحمن الهدلق المستشار الأمني مدير الإدارة العامة للأمن الفكري بوزارة الداخلية، وكانت عن «دور الرعاية في أعادة التأهيل وتعزيز الأمن الفكري للمملكة العربية السعودية»، كما تحدث في الجلسة في ذات الموضوع الدكتور عبد الرحمن بن معلا اللويحق عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

ومن جهته اعتبر القاضي محمود عبد الحميد الهتار وزير الأوقاف والإرشاد بالجمهورية اليمنية الأمن الفكري أساسا للأمن المجتمعي، والأمن العام بمفهومه الواسع، ومسؤولية الأمن في الإسلام مسؤولية فردية وجماعية، مستشهدا بحديث (الرسول صلى الله عليه وسلم) عن أهل السفينة.

وأضاف: «إن دور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هو امتداد لهذه المسؤولية حيث تقع عليها المسؤولية كما تقع على غيرها من الجهات الأخرى، كما تقع في الوقت ذاته على الأفراد والجماعات تحقيقا للأمن والسلام».

وأكد الوزير اليمني أن الأمن الفكري يعد أساسا للأمن المجتمعي، ذلك لأن كل عملية إرهابية لا بد لها من فكر تستند إليه وتنطلق منه أيا كان ذلك الفكر، سواء أن كان دينيا أو غير ديني، مشددا على أن الفكر لا يواجَه إلا بالفكر، وأن المشكلات الفكرية لا تُحَلّ إلا عن طريق الحوار، معربا عن اعتقاده أن الحوار والمناصحة يمثّلان أفضل الحلول لهذه المشكلات.

ومن جهته أكد سيد حامد سعيد كاظمي وزير الشؤون الدينية بجمهورية باكستان الإسلامية، في سياق تعليقه على أوراق العمل على أهمية تكاتف الجميع من أجل مواجهة الفكر المنحرف وما يترتب عليه من أعمال تمس أمن ومكتسبات الشعوب، مثنيا على السياسة التي انتهجتها المملكة في مواجهة الإرهاب والتطرف والتصدي للأفكار الضالة ومعالجتها، وقال: «إننا نريد أن نستفيد من هذه التجربة في بلادنا». وكان الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عامّ المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، دعا في كلمته المشاركين في أعمال المؤتمر الذي افتُتح مساء أول أمس المؤتمر برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى السعي في إصلاح مجتمعاتهم، والعناية بمصالح الأمة، والسعي في النهوض بها، ورقيها والدفاع عن قضاياها والمحافظة على مكتسباتها وثوابتها.

ورأى المفتي العام أن العالم اليوم يموج بالمشكلات ويغصّ بالمعضلات ويتعرض للمحن والفتن ويواجه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقال: «إن عالمنا الإسلامي جزء من ذلك العالم، والعالم الإسلامي يشكو من تحالف الأعداء وهجومهم على الإسلام ومن جرأة بعض المنافقين على قضايا الأمة وعبادتها وثوابتها، كما يشكو من ضعف فكري عند بعض أبناء المسلمين مما يستدعي من بعض العقلاء والمفكرين والمسؤولين أن يوحّدوا صفهم ليضعوا الخطط المناسبة لإنقاذ الأمة».

كما رأى أن الأمة الإسلامية تقف اليوم على مفترق طرق، «فإما أن ترضى بالإسلام عقيدة ومنهاجا وتتمسك به تمسكا صحيحا لتؤدي رسالتها كما أراد الله (سبحانه وتعالى)، وإما أن تستسلم للأعداء ومكائدهم»، وقال: «إن عالمنا اليوم يفقد الأمن بمعناه الشامل، إذ أن الأمن من أعظم مطالب الحياة وهو ضرورة لكل مجتمع». وعند تأصيل العقيدة الصحيحة في النفوس الملاذ لإنقاذ البشرية من هذا الداء وإلى مجابهة الغزو الفكري بكل أنواعه.