الكُتّاب الهنود يجدون أسواقا رائجة في وطن متغير

عالم غير «هاري بوتر» من أجل الأطفال الهنود

TT

افترش ما يقرب من 20 طفلا، صباح أحد أيام الآحاد، أرض أحد متاجر بيع الكتب التي طُليت باللونين القرنفلي والأصفر، يصغون إلى مؤلف هندي شاب يلقي على مسامعهم قصة قصيرة بعنوان «باني تشاترجي وعبء التوقع».

جلس الكاتب ساميت باسو، المؤلف الشاب على مقعد وطلب من الأطفال أن يذكروا أسماء الكتب التي يرغبون في أن يكونوا إحدى شخصياتها، فقال أحد هؤلاء الصبية: «أنا أرغب في أن أعيش في سلسلة روايات الكاتب البريطاني إنيد بلايتون (سكرت سفن)»، فيما أبدى آخر رغبته في أن يعيش ضمن شخصيات سلسلة «بيرسي جاكسون» التي ألفها الكاتب الأميركي ريك ريوردان، وقال ثالث إنه يفضل رواية «ماجيك تري هاوس» للكاتبة ماري بوبي أوزبورن. لكن أيا من الأطفال لم يأت على ذكر كتاب هندي واحد. لم تكن تلك مفاجأة، فعلى مدار أجيال عديدة كانت أعمال بلايتون والكتب الأميركية ذائعة الصيت وأبطالها مثل نانسي درو وهاردي بويز، تحتل أهمية كبيرة في قراءات أبناء الطبقة الهندية المتوسطة. ولم يكن هناك سوى عدد محدود من الكتاب الهنود الذين كتبوا قصصهم للأطفال باللغة الإنجليزية، لكن ذلك قد يشهد تغيرا.

وقد أدى ازدهار الطباعة ونهضة الطبقة المتوسطة، خلال العقد الماضي، إلى زيادة ثابتة في أعداد الكتب الهندية للأولاد التي تنبض بشخصيات وقصص محلية مميزة.

وقال فينكاتش، الشريك في متجر «يوريكا» للكتب الذي طُليت جدرانه بألوان مبهجة، والذي انتهج عادة دعوة المؤلفين الهنود لقراءة القصص للأولاد: «عندما افتتحت هذا المتجر منذ ستة أعوام، كانت نسبة الكتب الهندية 10% فقط، لكن تلك النسبة شهدت اليوم ارتفاعا لتصل إلى 60%».

وعلى رفوف المتجر عُرضت أسماء لروايات هندية مميزة مثل: «أنا لست دجاجة الزبدة»، و«ساري والدتي»، و«أوتوريكشا بلوز»، إلى جانب سلسلة قصص الأميركية مثل «كابت أندربانتس» وبريطانية مثل «هنري الكريه». أما الرحلة الشهيرة لغينغربرد مان فلها نظير هندي الآن بعنوان «ذا روتي رول».

وخلال الفترة الماضية نُشرت رواية تنبض بالحيوية تحت عنوان «دبل كليك»، كجزء من سلسلة مغامرات «فوكسي فور» التي كتبتها سوبهادرا سين غوبتا، والتي احتوت على كم كبير من الصور للهند المعاصرة. وفي الرواية تقوم أربع فتيات مراهقات بالتجول في الطرق الوعرة المليئة بالحفر في نيودلهي ليبحثن عن أدلة لحل لغز وهن يأكلن العدس خلال وجبة الغداء، ويدعين الآلهة الهندية العديدة ويساومن سائقي الركشا ويستمعن إلى موسيقى بوليوود الرائعة.

ويقول الناشرون إنهم يعتقدون أن بمقدور الأطفال الهنود التعلم بسهولة أكبر عبر استخدام المؤلفين لمفردات البيئة المحيطة كالعربات التي تجرها الثيران وأشجار التين وشخصيات المهراجا والرياح الموسمية أكثر من الهالويين وقصة السنّة.

وتقول سوديشنا شوما خوش، رئيس تحرير «بوفن إنديا» المتخصصة في نشر قصص الأطفال: «إنها الصيحة الأحدث في عالم النشر الهندي. فنحن نحاول أن نخبر الهنود بأن هناك عالما آخر غير (هاري بوتر) و(رآلد داهلي) و(إنيد بلايتون). إنه اكتشاف بدأ الأطفال الهنود في صنعه».

وتلعب مؤسسة «براثام بوكس» غير الربحية، التي تأسست منذ خمسة أعوام لطباعة كتب الأطفال الهندية بثماني لهجات محلية إلى جانب الإنجليزية، دورا مهما آخر في رواج القصص الهندية، إذ لا تتعدى تكلفة غالبية الكتب الموجودة ضمن مطبوعات الدار أكثر من 50 سنتا وتوزع عبر شبكة من المكتبات العامة في الأحياء الحضرية ومدارس القرى والمعابد. وقد استمرت مؤسسة «تشيلدرنز بوك تراست»، التي تديرها الدولة، المدافع الوحيد عن كتب الأطفال في الهند لمدة طويلة، ونشرت كتبا مثل «شارب راجا»، وسلسة «أمار تشيترا كاثا» الكوميدية ذائعة الصيت التي تتناول قصصا من التراث، لكنها لم تتمكن من مجاراة الكتب الأجنبية زاهية الألوان التي غزت الأسواق الهندية بقصصها الحديثة، والتي غالبا ما كانت تباع مصحوبة بدمى وألعاب وحقائب بلاستيكية وقبعات وملصقات. وقال باسو، الذي يبلغ من العمر 29 عاما، بعد أن قرأ للأطفال قصة أيوركا: «هناك كتاب هنود جيدون، وأعدادهم في تزايد. ولكن كيف لهم أن يتمكنوا من مجاراة الدعاية الضخمة التي يحصل عليها الكتاب الأجانب؟ فالكتب الهندية تقبع على الأرفف في انتظار أن تُشترى وتباع بأعجوبة. لذا فمن الصعب أن تتمكن من كسب قوتك ككاتب أطفال هنا في الهند».

لكن الكاتب الهندي راسكن بوند، ذا الأصول البريطانية، الذي يبلغ من العمر 75 عاما، يحظى بشهرة كبيرة بين الأطفال الهنود. وقد كتب بوند عددا لا يُحصى من الكتب خلال العقود الخمسة الماضية، ولا يزال يهيمن على خيال الأطفال الهنود بسلسلة رواياته «راستي» التي تأتي كمزيج بين قصص شبح الهمالايا الغامض ومغامرات المراهق الخجول والمحبوب الذي يعيش في التلال. ويجوب بوند بين الحين والآخر المدارس حيث ينتظر الأطفال في صفوف طويلة طمعا في الحصول على توقيعه.

بيد أن مهرجان أدب الأطفال الذي جاء تحت عنوان «بوكارو» الذي أقيم العام الماضي، حاول إقامة تواصل بين أكثر من 30 كاتبا والأطفال، وقد شهد المهرجان، الذي أقيم في المروج الخضراء الممتدة في العاصمة على مدار يومين تحت شمس نوفمبر (تشرين ثاني) المنعشة، حضور أكثر من 5,000 شخص من الأطفال وآبائهم. وقام المؤلفون بإقامة حلقات لقراءة قصصهم التي تنوعت شخصياتها ما بين حبات البازلاء والأشباح تبعها الدمى والعرائس.

وقالت ميتا كابور، التي ترأس وكالة أدبية تُدعى «سياحي»، إن الناشرين حاولوا لفترة طباعة الكتب الآمنة التي تحقق رواجا، والتي تتناول القصص الشعبية والأساطير وروايات «كليلة ودمنة»، وهي مجموعة من قصص الحيوانات التي تقدم دروسا في الحياة والقيم.

وتقول كابور، التي عملت مستشارة للمهرجان: «لقد تطلب الأمر جهدا مضنيا للتغلب على القوالب القديمة من القصص التي تقدم دروسا أخلاقية التي علقنا بها. لكنك لم تعد الآن بحاجة إلى أن تنهي القصة بعظة أخلاقية. وفي بوكارو اشترك الأطفال مع المؤلفين الهنود المتسمين بالمرح والعصرية والمغامرة والبعد عن الوعظ». وسيقام المهرجان الآن بصورة سنوية في دلهي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»