الانتخابات اللبنانية.. بين الحصص المذهبية والخيارات السياسية

كيف يقبل الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم للمجلس النيابي؟

TT

«انتخابات لبنان تجري وفق نظام فريد من نوعه في العالم». هكذا وصف وزير الداخلية اللبناني زياد بارود «النظام الأكثري النسبي الذي يعتمد توزيع الحصص الطائفية. وسيصوت وفقه أكثر من ثلاثة ملايين لبناني الأحد المقبل. هذا النظام الذي لا مثيل له، ينتج صراعات من النوع الاستثنائي أيضا، ومبارزات شديدة العنف، محكومة سلفا بتنازلات متبادلة وحلول توافقية، طالما أدهشت المتفرجين على المشهد اللبناني وتناقضاته المريبة. وعلى مبعدة أيام فقط من صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس نيابي جديد، تحتدم معارك شرسة، وتستنفر الطوائف حناجرها وأصواتها، لتنتزع كل طائفة الحصة الأكبر من «كعكة الجمهورية».

كيف تصوت الطوائف هذه المرة؟ ما هي حساباتها؟ وكيف يقاس مزاجها؟ ملف من ثلاث حلقات، يلقي الضوء على مسار الانتخابات النيابية اللبنانية. يتوجه الأحد المقبل الناخبون اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم للمجلس النيابي للسنوات الأربع المقبلة، وسط اهتمام عربي ودولي كبيرين. ويقدر عدد المقترعين بحسب لوائح الشطب، بأكثر من ثلاثة ملايين ناخب، يتوزعون على 26 دائرة انتخابية، عدد المسيحيين منهم 1,257,618 ناخبا أي ما نسبته 38,97% أما عدد المسلمين فهو 1,897,193 ناخبا أي ما نسبته 60,38%. والسنة هم الأكثر تعدادا من حيث عدد الناخبين فهم 851,670 ناخبا يليهم الشيعة 840,308 ناخبا، فالموارنة 690,368 ناخبا. ويتنافس أكثر من 450 مرشحا على 128 مقعدا، يتقاسمها المسلمون والمسيحيون مناصفة، فهناك 64 مقعدا للمسلمين موزعة على النحو التالي: السنة 27، الشيعة 27، الدروز 8، العلويون 2. وهناك 64 مقعدا للمسيحيين: الموارنة 34، الروم الأرثوذكس 14، الروم الكاثوليك 8، الأرمن الأرثوذكس 5، الأرمن الكاثوليك 1، الإنجيليون 1، والأقليات المسيحية1 الأخرى1، وهذه الفئة تشمل الناخبين المسيحيين من الأرمن البروتستانت والسريان والأرثوذكس والكاثوليك، كما تتضمن الأقباط الأرثوذكس والكاثوليك وكذلك الأشوريين والنسطوريين. جدير بالذكر أن ثلاثة مرشحين أرمن كانوا قد فازوا بالتزكية قبل بدء العملية الانتخابية.

رغم أن المقاعد النيابية موزعة على الطوائف فذلك لا يعني أن كل طائفة تنتخب ممثليها، رغم أن هذا ليس صحيحا دائما، فالتركيبة اللبنانية الديموغرافية أعقد من أن تسمح بتحقيق هذه الغاية التي يطمح إليها كثيرون في نظام طائفي متجذر، فلبنان الذي يتعايش فيه حوالي 69 حزبا سياسيا والمكون من 18 طائفة دينية تكاد تكون معظم مناطقه مختلطة سكانيا، ومهما صغرت الدائرة الانتخابية تكون في معظم الحالات من مكونات مذهبية متعددة. وباستثناء دائرة بشري المارونية الخالصة في شمال لبنان، نكاد لا نعثر على دائرة انتخابية أخرى لها الحالة نفسها. إلا أن معظم الدوائر يغلب عليها انتماء طائفي معين مثل بعلبك ـ الهرمل أو النبطية وبنت جبيل ذات الأغلبية الشيعية، وصيدا وطرابلس والمنية ـ الضنية ذات الصبغة السنية. وثمة دوائر شديدة الاختلاط مثل زحلة (10 طوائف)، بيروت الثانية (10 طوائف)، بيروت الثالثة، معقل سعد الحريري (11 طائفة)، بعبدا وتشمل الضاحية الجنوبية (8 طوائف). ورغم أن ثمة دائما طائفة مرجحة وقد تكون كاسحة، إلا أن صغر حجم الدوائر بحسب قانون الانتخاب الحالي، وتقارب النتائج المحتملة بين المرشحين في بعض الحالات، يجعل من أصوات الأقليات الصغيرة ضمن كل دائرة ولو بلغت مئات الأصوات، بالغة الأهمية، خاصة في المناطق التي تشهد منازلات حادة.

هذه الفسيفساء الديموغرافية اللبنانية، هي من النعم التي جعلت لبنان عصيا على التقسيم، عسيرا على الابتلاع أو التجزئة، وألزمت طوائفه على مدار سنوات دموية طوال، أن تعض على الجرح وتتصالح وتتعايش وتتبادل المصالح الانتخابية، على نحو قد يدهش من لا يعرفها عن قرب. رغم الضجيج الكبير المثار حول هذه الانتخابات ترجح استطلاعات الرأي على اختلافها، بأن أيا من الطرفين المتنافسين الأساسيين على مقاعد المجلس أي 8 و14 آذار، لن يفوز بأغلبية ثلثي المقاعد ليحكم باسم ما يمكن أن يسمى «بالأكثرية». وتستند الاستطلاعات على حسابات جدية كون أكثر من 100 مقعد بات أمرها محسوما لهذه الجهة أو تلك بسبب ضعف المنافسة أو شبه انعدامها في دوائرها. ويعتبر الباحث محمد شمس الدين أنه، تبعا لدراسات أجريت، كانت المعركة في فبراير (شباط) الماضي تنحصر على 22 مقعدا. وبمرور الوقت، تضاءل عدد المقاعد المتصارع عليها بشكل كبير. ويقول: «أرجح أن يكون ما حسم من المقاعد لغاية الآن هو 60 مقعدا لكل طرف، والمعركة كلها تدور على 8 مقاعد لا أكثر موزعة على النحو التالي: بيروت الأولى 2، البترون 1، الكورة 1، زحلة 3، صيدا 1، مما يفسر ضراوة المعركة رغم قلة المقاعد المتنازع عليها، ومما يؤكد أيضا أن زحلة التي يدور الصراع فيها على 3 مقاعد قد تكون من أهم الدوائر». كمال فغالي لا يشارك زميله شمس الدين الرأي ويؤكد أن استطلاعاته بينت تقدما واضحا للمعارضة بمقاعد عديدة، (نتحفظ عن ذكر عددها بسبب القانون اللبناني الذي يمنع نشر الاستطلاعات في الأسبوع الذي يسبق الانتخابات). ويقول فغالي استنادا إلى دراساته إن «المنازلة هي على 12 مقعدا، 7 مقاعد منها مرجحة للمعارضة و5 مرجحة للموالاة، ومقعدان وسطيان لمرشحين محسوبين على رئيس الجمهورية». ويرى فغالي أن «المعارك ضارية في بيروت الأولى، زحلة، الكورة، البترون والبقاع الغربي». ويوافق ربيع الهبر من شركة «ستاتيستيكس ليبانون» على أن الفوز سيكون إلى جانب المعارضة لكن بفارق ضئيل جدا من المقاعد. والجدير بالذكر أن الماكينات الانتخابية لفريقي 8 و14 آذار لا تزال تؤكد كل منها أن فريقها هو الرابح.

الاستطلاعات لن تمنع أي طرف من خوض الصراع وكأنما النتيجة لم تحسم. وفيما لا توجد منافسة جدية من أحزاب الموالاة لحزب الله في الدوائر ذات الغالبية الشيعية، فإن جل ما تأمله المعارضة في دائرة مثل طرابلس هو أن تحقق خرقا بمقعد واحد للرئيس عمر كرامي أو المرشح جان عبيد، وفي البقاع الغربي أن تسجل خرقا بفوز عبد الرحيم مراد، وربما فوزا بمقعد في المنية ـ الضنية. ويبدو أن المعركة التي يخوضها المعارض أسامة سعد في صيدا ضد فؤاد السنيورة تركت لتحسم بين السنة أنفسهم، من دون تدخل ظاهر على الأقل، من حزب الله. ثمة من يقول إن هناك تواطؤا بين الطرفين، أو رغبة في احترام الخطوط الحمراء. لكن النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني حسن حب الله قال لنا إنه يرفض كلمة «تواطؤ» ويعتبرها خطيرة، ويعيد ما يحدث إلى «طبيعة قانون الانتخاب الذي قسم البلاد إلى دوائر صغيرة ذات صبغات واضحة الانتماء طائفيا، وهو ما حال دون أن تكون هذه الانتخابات وطنية الطابع لسوء الحظ. وبالتالي حسمت سلفا دوائر للموالاة وأخرى للمعارضة. فالانتخابات المباشرة تحتاج تدخلا مباشرا في دائرة ضيقة لها انتماؤها الطائفي». يوحي كلام النائب حب الله برغبة حزب الله في عدم إثارة حساسيات طائفية. وردا على سؤاله: لماذا لم تتدخل المعارضة للم شمل حلفائها في مدينة مثل طرابلس بحيث لم يستطع حلفاء الحزب تشكيل لائحة قوية تواجه 14 آذار قال حب الله «إن المعارضة تخوض الانتخابات موحدة في كل الدوائر، وملتزمون بذلك، وندعو كل مناصرينا ليصوتوا لحلفائنا أينما كانوا».

تكاد استطلاعات الرأي تشبه اللبنانيين أنفسهم في انقساماتهم واختلافاتهم، لكنها كلها تؤكد أن النتائج التي توصلت إليها لن تطرأ عليها مفاجآت كبرى إلا في حال توافد عدد كبير من اللبنانيين المقيمين في الخارج للتصويت في الانتخابات، وهؤلاء لم تشملهم الاستطلاعات. وقد ارتفع عدد الوافدين من مطار بيروت اعتبارا من 26 مايو (أيار) الماضي ـ بحسب محمد شمس الدين من «الدولية للمعلومات» ـ من 5500 شخص إلى 7500 شخص يوميا، أي بمعدل ألفي وافد في اليوم، يضاف إليهم الناخبون الآتون من سورية، وهؤلاء عددهم لا يستهان به أيضا. وهذا يعني وجود كتلة كبيرة من الناخبين لم تشملها الاستطلاعات، كما أنها تتفرق في المناطق، ولا تعرف توجهاتها السياسية أو الدوائر التي ستقترع فيها، خاصة أن النتائج في الدوائر ذات المعارك الحادة، قد تتغير بفارق مئات قليلة من الأصوات. كمال فغالي مدير «مكتب الإحصاء والتوثيق»، يوافق على أن «المفاجأة التي قد تطيح ببعض الاستطلاعات لن تكون من المترددين الذين لا يتجاوزون 4% أو 5% من الناخبين، وإنما من كثرة عدد القادمين من الخارج للاقتراع» ويستدرك فغالي: «لكن لو جاء مقترعون للموالاة والمعارضة بالنسبة نفسها، فهذا سيحدث توازنا، ولن يكون لقدوم مئات آلاف اللبنانيين، أي تأثير على النتائج التي توقعتها الاستطلاعات».   يتم الاقتراع هذه المرة تبعا لقانون عام 1960 الذي اتفق عليه الأفرقاء اللبنانيون في الدوحة العام الماضي، بعد أحداث 7 أيار (مايو) 2008، رغم اعتراف مختلف القوى بأنه قانون مجحف، ويقوي العصبيات الطائفية لأنه يقسم البلاد إلى دوائر صغيرة. وقد أدخلت بعض التعديلات على هذا القانون الذي يقارب عمره النصف قرن، بينها مراقبة حجم الإنفاق الانتخابي لكل مرشح، وإنشاء هيئة مخصصة لمراقبة الانتخابات، وكذلك اقتراع كل المواطنين في يوم واحد، على عكس الانتخابات السابقة التي كانت تنظم في المناطق، على أسابيع متتالية، وهو ما يضع الجيش والقوى الأمنية هذه المرة، في حالة استنفار قصوى لحفظ سلامة المقترعين الذين سينتقلون للوصول إلى الصناديق في المحافظات كافة، خاصة أن المواطن اللبناني لا يقترع مكان سكنه، وإنما في المنطقة المسجل بها قيده، مما سيجبر عشرات آلاف اللبنانيين على الانتقال إلى قراهم خلال هذا اليوم للإدلاء بأصواتهم. وقد أعلن اليوم السابق على الانتخابات كما اليوم الذي يليها عطلة رسمية لتفادي أزمة سير خانقة على الطرقات.

وعلى عكس الكثير من ناخبي الدول الديمقراطية، فإن اللبنانيين بحسب استطلاع أجرته «الدولية للمعلومات» لا ينتخبون أشخاصا لبرامجهم، أو أحزابا لرؤية وطنية محددة، بقدر ما ينتخبون لخيار سياسي بعينه. وهذه المرة فإن الاصطفاف والنزاع بين فريقي 8 و14 آذار على أشده، والعصب المذهبي مشدود ومستنفر. ورغم أن ثمة دراسات تعتبر أن بعض المناطق المسيحية حسمت كل مقاعدها أو غالبيتها مثل زغرتا والمتن وكسروان، فإن هذا لن يمنع أن تكون المنافسة لا تزال ضارية، لإحساس كل فريق أن تغيير المعادلات لا يزال ممكنا حتى اللحظة الأخيرة. فوفقا لتقسيمات الدوائر الانتخابية التي تم التوافق عليها في اتفاق الدوحة، ومع استمرار الشارع السني في تأييده الكبير لتيار المستقبل، وبقاء الغالبية الشيعية على تمسكها بالحزبين الكبيرين «أمل» و«حزب الله»، فيما يظهر المسيحيون انقساما كبيرا حول قيادة واحدة قوية جامعة، يجعل الجنرال عون رغم ما يمثله من شعبية واسعة مضطرا لخوض معركة قاسية ضد خصومه المسيحيين من قوى 14 آذار، ضاربا الرقم القياسي في عدد مرشحيه الذي بلغ ستين مرشحا في مختلف المناطق اللبنانية.

ورغم أن الأحزاب الأكثر شعبية اليوم لدى طوائفها مثل «المستقبل» عند السنة و«التيار الوطني الحر» عند المسيحيين و«حزب الله» عند الشيعة لا تزال تحظى بالتأييد الأوسع، إلا أن انتخابات 2009 تختلف جذريا في ظروفها عن انتخابات 2005. فتلك انتخابات جرت إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وموجة من التفجيرات والاغتيالات الأخرى التي طالت فرق 14 آذار، وجاءت أيضا بعد خروج الجيش السوري من لبنان. فترجمت الأصوات في صناديق الاقتراع حينها، حالة انتقامية أكثر مما عبرت عن خيارات شعبية وسياسية حقيقية. أما هذه المرة، فثمة عوامل أخرى تتحكم في أمزجة الناخبين، لعل أهمها على الإطلاق «الخوف من الآخر». فالسنة يصوتون، بحسب ما يتردد في الشارع، «كي لا نستضعف من الشيعة» والمسيحيون «لإعادة الحقوق للطائفة» فيما لا يشذ الشيعة عن الطائفتين السابقتين ويصوتون لمن منحهم القوة بعد حرمان. ويقول كمال فغالي الذي أجرى عدة استطلاعات للرأي بأن: «قوة عون الأساسية في الانتخابات المقبلة هي تحوله في نظر الناخبين المسيحيين إلى جسر يعيد المسيحيين إلى الدولة. وقوة الحريري الأساسية في الانتخابات ليست الأموال حسبما يقال، وإنما قناعة الناخبين السنة بأنه قادر على تعزيز حضورهم، داخل النظام المذهبي. وقوة جنبلاط الأساسية في الانتخابات المقبلة هي أنه الزعيم الذي يحمي أبناء طائفته وحقوقهم. أما قوة حزب الله وحركة أمل عند مناصريهم ليست المقاومة كما يتردد، وإنما تقوية حضور أبناء الطائفة في الدولة. والدولة في نظر الناخب اللبناني وظائف وخدمات ومغانم».

وبحسب الإحصاءات فإن 80% من الناخبين سيسقطون في صناديق الاقتراع لوائح جاهزة، إما لفريق 14 أو 8 آذار، وهذا يظهر حدة الاصطفاف كما أن نسبة الناخبين، بحسب التوقعات ستكون مرتفعة وقد تصل في بعض المناطق إلى 60%. ويعلق الباحث عبدو قاعي، الذي ألف كتبا عديدة حول المجتمع اللبناني والطائفية ونظامها السياسي، أنه قضى 38 سنة من عمره يجري دراسات عملية على الأرض، ويبحث ويحاول أن يصلح، لكن النتيجة أن «12% فقط من اللبنانيين اليوم لهم توجهات مدنية فيما 88% منهم طائفيون». ويعتبر قاعي أن «التمسك بالطائفية بالشكل المتزايد الذي نراه اليوم هو نتيجة الخوف من الفراغ، إذ أن بدائل النظام الطائفي غير موجودة. والزعماء اللبنانيون لا يملكون التفكير بما هو أفضل، فلا قرارهم بيدهم، ولا الأموال التي يصرفونها ملكهم».

ويستطرد: «هناك نزعة عصبية تتزايد ليس فقط في لبنان بل حتى في أوروبا، حيث عادت الجماعات لتتكتل وفق انتماءاتها الجماعية، وإن كانت عندنا أكثر وضوحا، بحيث أنها تتجسد بصورة بذيئة تمزق المجتمع». ويؤكد قاعي أنه «حتى في عز الحرب الأهلية، كان ثمة وثوق بالدولة. كان هناك لبنانيون يتمردون على التقسيمات الطائفية، ويجتازون خطوط التماس تحت زخ الرصاص معرضين حياتهم للموت، متحدين الوضع الذي فرض عليهم. أما اليوم فالناس تهجر المناطق المختلطة، وكل يعود إلى ملته». وتسمع من مواطنين لبنانيين ما يقوله قاعي وإن بطريقة مختلفة، إذ غالبا ما يقولون إنهم غير راضين عن سلوك السياسيين ولا يرون أنهم قدموا ما أسعفهم أو أمن لهم عيشا كريما، لكنهم مع ذلك سينتخبونهم لمرة أخرى لأن البدائل غير موجودة.

هناك خلاف حول توصيف أهمية هذه الانتخابات، فثمة من يعتبرها مصيرية ستحدد مستقبل لبنان وربما المنطقة أيضا، وهذا هو موقف فريق 14 آذار بشكل عام الذي يخالفه حزب الله ويسخر منه أحيانا. لكن بالتدقيق في المواقف يتبين أن الطرفين الأساسيين في لبنان ينظران إلى هذا الاستحقاق على أنه مفصلي بالفعل.

فحليف حزب الله، ميشال عون، لم يخف أن «لبنان على مفترق مصيري من تاريخه» ووصف الانتخابات التي يخطط لها أهل الحكم بما أعدوا من قدرة مالية وإعلامية بأنها «فخ خطير». وحليف ثان للحزب هو رئيس الوزراء الأسبق عمر كرامي لم يتردد في اعتبارها «مصيرية لأنها تجري في جو انقسام كبير في كل لبنان وعلى كل الأمور الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية». لكن وزير الداخلية زياد بارود يعتقد أن الانتخابات في لبنان تجري على أساس «قانون فريد من نوعه يقوم على المحاصصة الطائفية، وفي ظل نظام سياسي يستند إلى (ديمقراطية توافقية) يحول دون خروج الانتخابات بتحولات كبرى». ويرى بارود «أن هذا النظام الأكثري البسيط مع لوائح مفتوحة، المعتمد في لبنان، غير موجود في أي مكان في العالم». ويضيف: «لدينا نظام دستوري يحول دون حصول منعطفات مصيرية دراماتيكية بعد الانتخابات». وبارود هو أحد المقربين من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أطلق موقفا لافتا قبل أيام لا يتناسب وموجات التخويف التي يطلقها فريقا الموالاة والمعارضة، ومعلنا «يوم الثامن من حزيران يوما جديدا. ومهما كانت نتائج الانتخابات يجب أن تعكس الحكومة الجديدة في تشكيلها روح الدستور الميثاقية، حكومة جامعة، واعدة حاضنة وضامنة بكل أطيافها وليس بجزء منها». وأكد سليمان أن «لا مثالثة في الميثاق بل مشاركة جامعة». هذه الإشارة من رئيس الجمهورية بعد نجاحه في إقناع الأطراف بتشكيل المجلس الدستوري (أي الجهة القضائية المخولة الاحتكام إليها لتقديم أي طعن في الانتخابات) اعتبرها الباحث شمس الدين إشارة على صفقة ما تمت بين الأفرقاء في السلطة، قد نرى نتائجها التوافقية بعد الانتخابات».

وإذ يدعو رئيس الجمهورية اليوم إلى العمل على تغيير النظام الانتخابي، والذهاب إلى قانون النسبية، فإن الباحث عبد الغني عماد يعتقد أن ثمة «مشكلة كبرى في النظام السياسي برمته لأنه مولد للانقسامات. وهي انقسامات سرعان ما تنقسم على نفسها أيضا. فالنظام قائم على توزيع الحصص. وكل أربع سنوات ومع بدء التحضير لانتخابات جديدة، يبدأ شحن البطاريات الطائفية، ولا حل من دون تغيير جذري». واللافت بحسب عماد في النظام السياسي القائم حاليا «أن له قدرة هائلة على تدجين الفعاليات السياسية المنخرطة فيه. فميشال عون كان من كبار العلمانيين، وكذلك بدأ الحزب التقدمي الاشتراكي قبل أن يصبح درزيا خالصا، ومثله كان حزب البعث العربي الاشتراكي». أما الباحث وجيه كوثراني فيرى «أن النظام الحالي القائم على الطائفية، هو في عمقه زبائني، بحيث يعمل السياسي أو رئيس الطائفة على جذب الزبائن عبر توزيع الحصص عليهم. وهذا كان سائدا أيام الزعامات التقليدية التي كانت تعددية داخل الطائفة الواحدة وتتبادل المصالح مع زعامات الطوائف الأخرى. أما الخطورة اليوم فهي في بروز ظاهرة الكتلة الواحدة لكل طائفة التي لا تتقن تبادل المصالح مع غيرها».