السفير الأميركي يواجه رؤيتين عراقيتين مختلفتين لأميركا

هيل: علينا أن نغير الكيفية التي نقدم بها أنفسنا من دون الإيحاء بتراجع نفوذنا واهتمامنا

السفير الأميركي في بغداد كريستوفر هيل (رويترز)
TT

هناك رؤيتان متعارضتان للسياسة الأميركية حاليا بين العراقيين: الجيش الأميركي سوف يرحل عاجلا أو الجيش الأميركي لن يرحل أبدا. والمعضلة التي يواجهها السفير الأميركي كريستوفر هيل الذي عين أخيرا في العراق هي هل يحاول إقناع أصدقاء أميركا بأن الدعم الأميركي ما زال مستمرا أم يقنع المتشككين بأن الأميركيين سوف يرحلون حقا من العراق.

تولى هيل منصبه في وقت من التغيرات الكبيرة في التوجهات الأميركية ونهاية عصر من الاحتلال العسكري وبداية عصر من الدبلوماسية المدنية. وقال هيل واصفا مهمته في حوار السبت الماضي «إن القضية الأساسية هي أن نجري انتقالا ناجحا من الجيش إلى المدنيين وأن نتأكد من أن العراقيين لا يرون ذلك كتقليل من تأثير الولايات المتحدة أو اهتمامها ولكنه ببساطة تغير في الكيفية التي نقدم بها أنفسنا في هذا البلد». أو كما يصورها جوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية والضليع في شؤون العراق «إن دور هيل هو أن يغلق الباب بنعومة وألا تحدث ضجة حتى لا ينهار البيت بأسره».

ويرى الكثير من الأميركيين العراق باعتباره حرب الأمس وبدأ البعض الآخر يطلق عليه مجتمع ما «بعد الصراع»، ولكن وكما يقول هيل فإنه من الصعب حتى الآن استخدام كلمات مثل «طبيعي» و«عراق» في جملة واحدة. والإشكالية التي تواجه هيل والرئيس باراك أوباما حاليا هي أن القتال لم ينته وأنه إذا ما خرج العراق عن السيطرة مرة أخرى فإن ذلك سيحدث في أثناء توليهما لسلطاتهما؛ فلن تكون هناك إدارة بوش لإلقاء اللوم عليها. وعلى عكس ما يرغب الأميركيون، فإن العراق لم يصبح مجتمعا مستقرا، ولم يصبح دولة موحدة أو حتى مكانا يتوافق فيه المواطنون على تشكيل الحكومة.

ولم يتم دمج السنة حتى الآن سياسيا في هيكل السلطة العراقية، كذلك القوات السياسية العلمانية. وكلاهما لديه شكوك حول نوايا الحكومة ومدى ترحيبها بمشاركة السلطة معهم، وقد ازدادت شكوك السنة أخيرا باعتقال قادة حركة الصحوة الذين كان بعضهم متمردين سابقين بدلوا أماكنهم معرضين أنفسهم وعائلاتهم للخطر حيث إنهم حاربوا إلى جانب الأميركيين والحكومة العراقية.

ويرى الكثيرون أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها رئيس الوزراء نوري المالكي محاولة خطيرة لترسيخ سلطاته. ومن ذلك قراره بتشكيل قوات لمواجهة الإرهاب تابعة لمكتبه يعمل بها قاض على أهبة الاستعداد لإصدار تصريح اعتقال بأوامر من الرجال المقربين من المالكي. وآخر شيء يرغب فيه الأميركيون هو أن يسقطوا في غياهب التاريخ بسبب حرب بائسة لم تسفر سوى عن استبدال دكتاتور سني بآخر شيعي.

وليس من بين القليل الذي يتفق عليه العراقيون هذه الأيام نوعية العلاقة التي يرغبون في إقامتها مع الولايات المتحدة، حيث يشكك بعضهم في وعد أميركا بسحب قواتها بينما يرى البعض الآخر ذلك الوعد كخيانة وتخل عن العراق. ويشعر الكثير من العراقيين الذين عملوا مع الأميركيين سواء كمتعهدين للجيش أو حتى صحافيين بأن مجتمعهم يرفضهم لأنهم فعلوا ذلك، وقد حصل أكثر من ألفي عراقي بالفعل على امتياز الالتحاق ببرنامج الفيزا السريعة للاجئين العراقيين الذين يحتاجون إلى أن يقدموا أدلة أكثر من مجرد ارتباطهم بالعمل لدى أميركي. وتنتظر عدة آلاف أخرى بالفعل دورها للحصول على التأشيرة.

ويقول شاب صغير اسمه الحركي سامي ويعمل كمترجم في الجيش الأميركي: «لا أستطيع أن أعيش في العراق مرة أخرى». وكان سامي قد بدأ العمل مع الأميركيين في 2003 عندما كان يبلغ سبعة عشر عاما وسوف يحصل قريبا على الفيزا لكي يتمكن من المغادرة. يضيف سامي: «أنا رجل ميت في العراق، ليس لدي مستقبل، الجميع هنا يكرهون المترجمين حتى الحكومة العراقية لأنهم يلوموننا على كل الأعمال غير الإنسانية التي تعرضوا لها على أيدي الجنود الأميركيين ولكن كان يجب علينا أن نترجم لهم».

ولمؤيدي الزعيم الشيعي مقتدى الصدر رأي آخر، فهم مقتنعون بأن الأميركيين لن يرحلوا أبدا ويعتقد بعضهم أن الانفجارات الأخيرة في الأحياء الشيعية الفقيرة قام بها الأميركيون في مؤامرة مدبرة لمنحهم مبررات للبقاء. ويقول بهاء الأعرجي عضو اللجنة القانونية بالبرلمان وأحد مؤيدي الصدر: «كانت هناك عمليات سابقة لتسليم السلطة ولكن الأميركيين يستمرون في الإدارة».

ومثل تلك الشكوك هي التي جعلت الأميركيين يلاحظون أن عليهم أن يثبتوا للعراقيين أنهم يحترمون بنود الاتفاقية الأمنية التي أبرموها في نوفمبر (تشرين الثاني) والتي تفرض رحيل القوات المقاتلة من المدن بنهاية الشهر الجاري وإتمام الانسحاب العسكري بنهاية 2011.

ويحاول هيل أن يطمئن الأصدقاء والمتشككين على حد سواء، فيقول من مكتبه الذي تحميه قوات الأمن الأميركية في المنطقة الخضراء الحصينة: «ما نحاول أن نقوم به هنا هو أن نجعل العراقيين يفهمون أننا سوف نفي بالتزاماتنا في الاتفاقية الأمنية»، ولكن، وكما يدرك سفراء الحرب الثلاثة الذين سبقوه فإنه لا يوجد في العراق شيء سهل.

* خدمة: «نيويورك تايمز»