عم يونس: الكلام حلو.. بس المهم التنفيذ

أوباما ترك انطباعا جيدا في القاهرة.. وكثيرون أسعدهم خلو الشوارع من الزحام

TT

على «عجلة رالي 28» معتنى بها جيدا عبر عم يونس كوبري قصر النيل كعادته يوميا. وكان «رجل بنطاله اليمنى» داخل جوربه. لكي لا تتسخ من شحم «الجنزير»، هكذا أوضح من دون تعجل وهو يبدي استغرابه من حال الطريق «هو فيه إيه النهارده؟».

يعرف عم يونس أن «رئيس أميركا» قادم إلى القاهرة. سمع عن الأمر في التلفزيون ومن زملائه في «المصلحة» حيث يعمل «عامل بوفيه» منذ سنوات طويلة.. «أنا فاكر». ما لم يكن يعرفه أن الرئيس قادم اليوم أو لعله نسي.. «ما ييجي أهلا وسهلا.. لو على كده ياريت ييجي كل يوم».

لا يفضل عم يونس الحديث في السياسة، لكنه يدرك أنها تؤثر على حياته اليومية «طبعا.. بس السياسة ليها ناس وربنا يهديهم للي فيه الخير». وببساطة اختصر صخب الشعارات الرنانة في كلمة «العدل».

لقد غابت هذه الكلمة عن خطاب أوباما لكن على الرغم من ذلك شعر الشارع العربي بصدق خطابه على الأقل هذا ما يؤكده د. عمرو صالح الخبير في مجال التنمية البشرية.. «نجح أوباما في أن يشعر الجميع بالصدق».

يقول د. عمرو «أظهر الرئيس الأميركي موهبة فذة وقدرة على التواصل باستخدام بلاغة الجسد بمنتهى البراعة».

ترجل عم يونس عن دراجته التي يعتز بها كثيرا فقد حفظت له كرامته الإنسانية التي تهدرها المواصلات العامة قائلا «هو الكلام حلو.. بس سمعناه ياما المهم التنفيذ».

بائع الجرائد الذي اعتاد افتراش الرصيف في مدخل شارع الهرم لم يكن موجودا اليوم. رغم أن الرئيس الأميركي قد استقل طائرة مروحية في زيارته لمنطقة الأهرامات الأثرية، بعد أن بدل ملابسه بجامعة القاهرة وتخلى عن زيه الرسمي. يقول د. عمرو صالح «ظهرت شخصية أوباما الحقيقية ليس فقط من خلال خطابه التاريخي الذي استطاع فيه بذكاء شديد تطويع كل إمكاناته الإنسانية والعقلية والجسدية، وإنما كذلك من خلال الرغبة في أن يبدو بسيطا في زيه وفي سلوكه».

ويؤكد د. عمرو أن أوباما استخدم العديد من أدوات لغة الجسد أو التواصل الإقناعي في خطابه بالقاهرة، قائلا: «هناك العديد من مفاتيح لغة الجسد الناجحة، خلاف الصدق التام الذي يعد حجر الزاوية الرئيس، فهناك عوامل أخرى نجدها في خطاب أوباما، وهي الاهتمام بالمظهر، إظهار حالة من الألفة والتودد والتفهم في بداية الخطاب وهو ما فعله حينما بدأ بكلمة السلام عليكم وذكره لبعض آيات القرآن وحديثه عن التاريخ الإسلامي بعمق وتأثير. توافق الصوت واللفظ مع حركة الجسد مما يعني أنه متوافق نفسيا ومتزن تماما مع ما يقول ولا يدعيه أو يقوله بلا اقتناع شخصي، فالرسالة المتناقضة لا يمكن أن تعطي قبولا ولا انطباعا بالمصداقية وهذا لم يحدث مع أوباما».

لقد استجاب الكثيرون لنصائح كانت وسائل الإعلام المصرية قد عممتها أمس الأول.. «خليك بالبيت». توقعت فيها زحاما واختناقات مرورية غير مسبوقة خاصة أن الآلاف من رجال الشرطة الذين انتشروا في شوارع القاهرة منذ مساء الأربعاء الماضي مانعين اصطفاف السيارات على جوانب الطرق الرئيسية قد ساهموا في تأكيد تكهنات المصريين بصعوبة الخروج صباح يوم الزيارة المرتقبة.

لكن المضطر خرج مبكرا لتفادي زحاما محتملا. سارة التي تجنبت مترو الأنفاق وجدت «ميني باص» بسهولة بالغة، وقد عبرت به كوبري الجامعة على الرغم من كونها كانت على بعد ثلاث ساعات من خطاب الرئيس الأميركي في جامعة القاهرة. تقول سارة السيد وهي لا تخفي سعادتها ودهشتها «كان الطريق فاضي خالص.. وكان فيه صف عساكر على الجانبين وفي النص.. وقيادات كبيرة طول الطريق». لم يكن مسموحا المرور بجوار تمثال «نهضة مصر» حيث أغلق الشارع الذي يفضي للجامعة.

مر يوم الزيارة بشكل طبيعي، لم تشهد القاهرة زحاما ومن بقي في البيت استطاع أن يتابع عن كثب خطاب أوباما. ويؤكد د. عمر أن «علم لغة الجسد يشير إلى أن اللفظ يؤثر بنسبة 7 % في الآخر، وأن طبقة الصوت ورنينها تؤثر بنسبة 38 % أما حركات الوجه والجسم فتؤثر بنسبة 55%».

في حي المنيل فتحت ورشة زين الدين لأعمال الزخرفة على الجص أبوابها. وقد أخبرنا صاحبها الذي لم تكن لديه مشكلة على الإطلاق فمنزله قريب من ورشته، أن جده أمين زين الدين شافعي قد شارك في أعمال الترميم التي أجريت بجامع السلطان حسن. أضاف بفخر وقد علم أن الرئيس الأميركي سوف يزور جامع السلطان حسن وأن ابن عمه «يوسف» كان واحدا ممن شاركوا في مشروع الحفاظ على الحرف التقليدية، حيث قام بتدريس أعمال الزخرفة على الجص بالجامع نفسه.

المشكلة التي واجهت البعض كانت إحجام «الميكروباصات» الخاصة عن العمل وكانت هذه المشكلة أكثر صعوبة في الطرق التي تغيب عنها المواصلات العامة. عبد الناصر سمير الذي اعتاد أن يستقل الميكروباص من الطريق الدائري يؤكد أنه وجد صعوبة في الوصول لعمله رغم أن الشوارع كانت فارغة تقريبا.

وكأن القاهرة صباح يوم الجمعة، عاش المصريون أو البعض منهم على الأقل «خميس» غير مسبوق، صباح صيفي رائق. بلا زحام أو إشارات مرور. وعند السادسة والنصف غادر الرئيس الأميركي القاهرة وقد ترك انطباعا جيدا لدى الشارع المصري، وأصص زهور زينت الطرق حيث مر، وألوانا زاهية للعلم المصري.