اللبنانيون يودعون اليوم «قرارهم التاريخي» في صناديق الاقتراع

المعارك تتركز في 6 دوائر من أصل 26

TT

عند السابعة من صباح اليوم، تكون قد بدأت تسقط أوراق الاقتراع في صناديق الانتخابات البرلمانية اللبنانية، وفي السابعة مساء تسقط الأوراق الأخيرة، مسدلة الستارة على واحدة من أهم التجارب الانتخابية التي يشهدها هذا البلد الذي عاش أربع سنوات من عدم الاستقرار.

وإذا كان «اتفاق الدوحة» الذي أوقف بروفة الحرب الأهلية التي حصلت في 7 مايو (أيار) 2008 قد حسم عددا كبيرا من المقاعد لصالح أطراف معينة بقوة الصوت الواحد، وتحديدا في الشارع الإسلامي، فإن كل الأنظار تتجه نحو الدوائر التي ستشهد معارك انتخابية حامية ستحدد وجه البرلمان اللبناني المقبل، ومعه وجه لبنان كما يعتقد الكثير من السياسيين اللبنانيين.

ومن أصل 26 دائرة قسم على أساسها لبنان، ستنحصر المعارك في ست دوائر هي: بيروت الأولى، المتن، بعبدا، جبيل، الكورة، زحلة. إضافة إلى احتمال حصول معركة في دائرة البترون، ومعركة داخلية بين الحليفين مرشحي النائب ميشال عون ومرشحي رئيس مجلس النواب نبيه بري في جزين. وتسعى القيادات التي أمنت الفوز وارتاحت إلى مقعدها الثابت في البرلمان، إلى الحصول على أكبر نسبة تصويت، محولة الانتخابات إلى استفتاء على الشعبية، كما يفعل النائب سعد الحريري في دائرة بيروت الثالثة وفي دائرتي عكار والمنية ـ الضنية، وكما يفعل رئيس مجلس النواب نبيه بري وحليفه «حزب الله» في دوائر الجنوب والبقاع الشمالي.

وينص قانون الانتخابات الحالي على تقسيم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية، وهي التقسيمات نفسها التي اعتمدت في قانون عام 1960 الذي جعل من القضاء دائرة انتخابية واحدة، مما يقلل إلى حد بعيد الاختلاط الطائفي، ويجعل كل طائفة تصوت لنوابها مع تفاوت في بعض الأقضية فرضته الوقائع الديموغرافية التي حلت بلبنان منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم مع النمو السكاني الإسلامي والتراجع المسيحي، الأمر الذي جعل عدد الناخبين المسلمين (1897193 ناخبا) يفوق بنحو الثلثين الصوت المسيحي (1257618)، مع استمرار تقاسم مقاعد البرلمان مناصفة (64 لكل طائفة).

وقد أدى ذلك إلى قبول الأطراف بأن ينتخب بعض النواب المسيحيين بأصوات المسلمين، وينضمون إلى كتل قياداتهم كما في الشوف والشمال والبقاع الشمالي والجنوب، علما بأن مفارقة كبرى تسجل في هذا الإطار، تكمن في أن العدد الرسمي لسكان لبنان يبلغ نحو 4 ملايين نسمة وفقا لمؤسسة تشجيع الاستثمارات في لبنان (ايدال)، فيما يبلغ عدد ناخبيه 3 ملايين و160 ألف ناخب.

وقد استفادت المعارضة من القانون الجديد في الحصول على أرجحية الفوز في بعض الأقضية، كما في قضاء زغرتا في شمال لبنان وقضاء بعبدا في جبل لبنان، بالإضافة إلى إمكان المنافسة في دوائر أخرى كحال قضاء الكورة وقضاء البترون والدائرة الأولى في بيروت، علما بأن اتفاقا جرى في الدوحة قضى بتقاسم مقاعد الدائرة الثانية بين المعارضة والأكثرية بواقع مقعدين لكل منهما. وفي المقابل، تأمل الأكثرية بالحفاظ على أكثريتها البرلمانية في المجلس الجديد من خلال رهانها على تبدل في «المزاج المسيحي» من ضفة عون الذي أعطاه المسيحيون 70 في المائة من أصواتهم عام 2005، مستدلين إلى ذلك بأن صهر عون الوزير جبران باسيل كان الأول في نسبة الأصوات التي نالها في قضاء البترون في ذلك التاريخ (ولم يفز لأن القضاء كان ضمن دائرة الشمال، فيما تقول معظم الإحصاءات الحالية إنه يحل في المرتبة الثالثة في القضاء حاليا).

وإذا كان الشمال بدوائره الثلاث عكار والمنية ـ الضنية وطرابلس قد أعطى ولاءه لتيار «المستقبل» وحلفائه، وكذلك فعلت دائرة بيروت الثالثة، فإن قضاءي الشوف وعاليه شبه محسومين للنائب وليد جنبلاط. وفي المقابل تبدو الأمور محسومة لبري و«حزب الله» في الجنوب والبقاع الشمالي. وسوف تتركز المعارك الأكثر حماوة في دائرتي زحلة والمتن الشمالي، وهما دائرتان كانتا من حصة المعارضة في المجلس الحالي. ورغم انسحاب النائب ميشال المر من تكتل «التغيير والإصلاح» بزعامة النائب ميشال عون وانتقاله إلى الضفة الأخرى بإعلانه التحالف مع «14 آذار»، فإن وضع عون الانتخابي بقي مقبولا في المتن. وترجح بعض الاستطلاعات حصوله على نحو 4 مقاعد من أصل ثمانية مقاعد مدعوما بالصوت الأرمني الذي سيلعب دورا رئيسيا في أي فوز يحققه، بالإضافة إلى نحو 4 آلاف ناخب شيعي يصوتون في المتن. علما بأن المر اعتاد أن يلعب انتخاباته «على المسطرة» وفقا للتعبير اللبناني، وهو يتمتع بماكينة انتخابية قوية ومنظمة تجعل من أرقامه الأدق لبنانيا، وقد أكد في مقابلة أجريت معه أول من أمس نيل تحالف «14 آذار» 6 مقاعد من مقاعد الدائرة.

وفي زحلة، لم تعد الصورة مريحة لتحالف المعارضة الذي يضم عون والنائب الياس سكاف الذي يمثل تقليديا زعامة «عاصمة الكثلكة» (من كاثوليك)، فرغم حصوله في انتخابات عام 2005 على 6 مقاعد من 7، تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال المناصفة في المقاعد مع فريق «14 آذار» الذي سجل تقدما لافتا في هذا القضاء، على أمل أن يصلح فوزه في زحلة والمتن ما أفسده قانون الستين.

ولا تخلو دائرة الكورة في شمال لبنان بدورها من التنافس الحاد، وهي إحدى دوائر المنافسة الشديدة. وتأمل «14 آذار» في الحفاظ على مقاعدها عبر لائحة يترأسها نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي تقول الأرقام إنه من «الثوابت» في هذه الدائرة، فيما يبدو أن المعارضة واثقة من فوزها بمقعد مقابل. وتبقى المعركة على المقعد الثالث بين الأكثرية والمعارضة المتمثلة بتحالف الحزب القومي السوري الاجتماعي وتيار «المردة» وتيار عون.

وفي جبيل، تبدو الصورة مختلفة مع التنازلات المتبادلة بين لائحة ناظم الخوري، المستشار السابق لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ولائحة «14 آذار»، مما شكل لائحة غير معلنة رفعت أسهم الطرفين في مواجهة عون القوي انتخابيا في المنطقة بحضوره المسيحي والقوة الناخبة الشيعية الكبيرة في القضاء (نحو 14 ألف ناخب) الذي يضم نحو 74 ألف ناخب. فيما لا تزال حظوظ عون أقوى في قضاء كسروان الذي يضم خمسة مقاعد مارونية. أما في دائرة بيروت الأولى ذات الغالبية المسيحية، فتدور معركة غير متوقعة النتائج إلى حد كبير. ذلك أن هذه الدائرة تنتخب للمرة الأولى مستقلة منذ عام 1972، ولا اتجاهات واضحة للرأي فيها. غير أن استطلاعات رأي نشرت أخيرا تقول إن كلا من اللائحتين ستنال مقعدا مؤكدا في هذه الدائرة المؤلفة من خمسة مقاعد، فيما ترجح فوز «14 آذار» بالمقاعد الثلاثة الأخرى.

وتبقى معركة وحيدة خارج سياق التنافس الانتخابي بين فريقي «14 آذار» و«8 آذار» في قضاء جزين في الجنوب حيث الغالبية مسيحية، إذ يخوضها بري وعون في «مواجهة داخلية» هدفها تحديد الأحجام داخل المعارضة بعد فشل الطرفين في الاتفاق على تقاسم مقاعدها حبيا، وتقول التوقعات إن لكل من بري وعون مقعدا محسوما في الدائرة، وتميل أرجحية المقعد الثالث إلى عون.