فوز نجاد.. التصادم الأخير في معركة النفوذ بين خامنئي ورفسنجاني

الحرس الثوري وجزء كبير من الهيئات الاستخباراتية «يشعرون بتهديد كبير من الإصلاحيين»

TT

هناك الكثير من الطُّرف التي يتندر بها منتقدو محمود أحمدي نجاد, لكن، لا يعد أحمدي نجاد، الذي أعلن عن إعادة انتخابه لمدة أربعة أعوام أخرى، شخصية كرتونية على الإطلاق.

وسواء كان فوزه الانتخابي بنسبة 63 في المائة يعكس إرادة الشعب حقا أم كان نتيجة لعملية تزوير، فإن هذه النتيجة تؤكد على أن أحمدي نجاد هو ذلك الرجل القاسي الشديد الذي يعكس أفكار النخبة السياسية والعسكرية والدينية، وأن تلك النخبة متحدة ويحدوها حماس أكبر من أي وقت مضى منذ قيام ثورة عام 1979.

وكرئيس لإيران، فإن أحمدي نجاد يتبع السلطة الفعلية داخل البلاد، المرشد الأعلى، وهو آية الله على خامنئي، الذي له القول الفصل في أمور الدين والدولة كافة. وبإعادة انتخابه، يبدو أن خامنئي وحاشيته تمكنوا في الوقت الحالي من تحييد قوى الإصلاح التي يرونها تهديدا لنفوذهم، حسب ما يقوله محللون سياسيون.

وقال إيراني له اتصالات جيدة، ولكن رفض ـ مثل معظم من أجريت معهم مقابلات ـ ذكر اسمه على ضوء المناخ المتوتر حاليا: «سوف يغيّر هذا شكل الجمهورية الإسلامية إلى الأبد، فسوف يزعم أحمدي نجاد أن له تفويضا مطلقا، ما يعني أنه لا يحتاج إلى تقديم تنازلات».

ويشار إلى أنه عندما انتخب أحمدي نجاد رئيسا للبلاد للمرة الأولى في عام 2005، أبدى ولاءه للمرشد الأعلى وانحنى أمامه بأدب مقبّلا يديه.

وفي يوم السبت، أبدى المرشد الأعلى حماسه الشخصي للرئيس المنتخب، وأثنى على نتيجة «الانتخابات» واصفا إياها بأنها «نعمة إلهية» قبل انقضاء فترة الطعن الرسمية التي تستمر ثلاثة أيام. وفي يوم الأحد تباهى أحمدي نجاد بإنجازه عن طريق إقامة حشد للاحتفال في قلب منطقة معارضة داخل طهران، وعقد مؤتمرا صحافيا استهزأ خلاله بالغرب وسخر مما يشبه الإقامة الجبرية التي يعيش فيها منافسه البارز.

وتعليقا على العروض التصالحية التي قدمتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، أشار ضمنيا إلى أن استعداده للتصالح مع الحكومات الغربية يعتمد على استعداهم لقبول انتخابه الذي يحفه الجدل.

وعندما وُجّه إليه سؤال عن توقعات تفيد بأنه خلال ولايته الثانية سوف يكون له منهج أكثر اعتدالا، قال: «هذا ليس صحيحا، سوف أكون أشد وأشد».

ويمكن أن يقوم بذلك، فعلى ضوء دعم المرشد الأعلى والمؤسسة العسكرية، قام بتهميش جميع الشخصيات الكبرى التي مثّلت تحديا لصورة إيران كدولة إسلامية ثورية.

وبصورة كبيرة، فإن انتصاره يعد التصادم الأخير وربما النهائي في معركة على السلطة والنفوذ استمرت لمدة عقود بين خامنئي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق المؤيد للنموذج الإسلامي للحكومة، ولكنه يريد اتجاها أكثر براغماتية في ما يتعلق بالاقتصاد والعلاقات الدولية والأوضاع المجتمعية داخل البلاد.

وانحاز رفسنجاني مع عائلته إلى المرشح الإصلاحي الرئيسي خلال السباق وهو مير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق الذي دعا إلى مساحة أكبر من الحرية ولا سيما حرية المرأة، كما أنه أكثر ميلا إلى التصالح بالنسبة إلى الغرب. ومن مناصري موسوي أيضا الرئيس السابق والبراغماتي محمد خاتمي.

ويقول محللون سياسيون إن الرجال الثلاثة، مع دعم واسع وخيبة الأمل بخصوص أحمدي نجاد، كانوا يمثلون تحديا لسلطة المرشد الأعلى وحلفائه.

ويقول محلل سياسي، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من العقاب، إن الحرس الثوري النخبوي وجزءا كبيرا من الهيئات الاستخباراتية «يشعرون بتهديد كبير بسبب الحركة الإصلاحية». وأضاف: «يشعرون أن الإصلاحيين سوف يكونون منفتحين على الغرب وسيكونون متساهلين في الملف النووي». «إنه صدام لطريقتين في التفكير: الثوري والدولي. إنها قضية نفوذ».

ومنذ إعلان نتيجة الانتخابات يوم السبت، كان موسوي بطلا خلال احتجاجات شديدة مناوئة للحكومة نشبت في طهران، ولكن تمكّن ضباط شرطة مكافحة الشغب من احتوائها حتى الآن، وتعطيل إرسال الرسائل النصية، وهي أداة تنظيم هامة.

وعندما وُجّه سؤال إلى أحمدي نجاد عن منافسه، قال: «لقد قاد (سيارته) رغم أن الإشارة حمراء، وحصل على مخالفة مرورية».

وما لم تحقق الاحتجاجات الشعبية نقلة غير متوقعة، فإن الانتخابات يمكن أن تطيح بالفئات المناصرة للإصلاح، ولا سيما الأغنياء والذين يتمتعون بتعليم أفضل، لتعود إلى حالة من خيبة الأمل السلبية، وهذا ما تقوله بعض الشخصيات المعارضة.

وقال مناصر لموسوي: «لا أعتقد أن الطبقة المتوسطة سوف تخرج وتشارك في الانتخابات مرة أخرى».

وعندما استرعى أحمدي نجاد انتباه الغرب للمرة الأولى، كان قد أطيح به من منصب حكومي صغير قبل أن يصبح عمدة لطهران، حيث تمكّن من تكوين شخصيته كسياسي شعبي واعد، ورفض أن يستخدم السيارة الفارهة المخصصة للعمدة أو أن يقيم في مكتب العمدة الضخم، ورفض أن يأخذ راتبه.

وقبل أربعة أعوام، نصّبه المرشد الأعلى البديل الرئاسي الأصولي لمرشحين اثنين رأى المرشد الأعلى أنهما أقل ثقة، وهما رفسنجاني ومهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق (خاض رجل الدين الإصلاحي كروبي الانتخابات الأخيرة أيضا).

وعلى الرغم من انتخاب أحمدي نجاد في المرة الأولى شابتها مزاعم بوقوع تزوير، كان يعتقد أنه شخصية شعبية ذكية. وكان يتمكن من استثارة الجماهير بهجومه المبهم على فساد النخبة ووعود بإعادة توزيع الثروات وإعادة المجد الإيراني. وباللعب على شعور العالم الإسلامي بأنه ضحية للغرب بسبب العداء لإسرائيل تمكن من التزلّف إلى الشارع العربي على الرغم من أن الزعماء العرب غالبا يأنفون عنه، وأكسبه ذلك في المقابل مصداقية داخل إيران.

ويقول محلل إيراني: «الجيل القديم من الثورة الإسلامية كان يتلاشي شيئا فشيئا، واعتقدنا أنهم في النهاية سيفسحون المجال أمام الإصلاحيين، ولكنهم وجدوا أحمدي نجاد، وكان اختيارا حكميا. إنه شخصية شعبية من طراز جديد».

وكان والد أحمدي نجاد، الذي تخرج في كلية الهندسة، يعمل حدادا، ويقول محللون سياسيون إنه ربما شكّل معظم خبراته في الحرس الثوري. وترأّس أحمدي نجاد البلاد في فترة ارتفعت فيها معدلات التضخم والبطالة، ولكنه ضخ عوائد البترول في الميزانية وهو ما ساعده على الإبقاء على صورة النمو والاستحواذ على مشاعر الموظفين الحكوميين والجيش والمتقاعدين.

والأكثر أهمية أنه تمكّن من توحيد أفرع السلطة المتعددة التي تستجيب في النهاية للمرشد الأعلى. وسمح للحرس الثوري، النخبة داخل الجيش، بالتوسع في مناطق أخرى، بما فيها صناعة البترول وغيرها من الأنشطة التجارية مثل بناء السفن.

وخلال ولاية أحمدي نجاد زادت ميزانية مجلس صيانة الدستور، الذي يشرف على الانتخابات، بمقدار 15 ضعفا. ويشرف المجلس على نتائج الانتخابات التي عُقدت يوم الجمعة وعلى أغلبية برلمانية موالية لأحمدي نجاد.

ولفترة من الوقت بدا أن أحمدي نجاد يخسر تأييد المرشد الأعلى. وتحت ولاية أحمدي نجاد فُرضت عقوبات من جلس الأمن على إيران وارتفعت معدلات البطالة والتضخم وزادت الاضطرابات في الداخل مع ازدياد القيود المجتمعية. وترك وزيران منصبيهما، وانتقدا إدارته للدولة. وبدأ الرئيس يتعثر كثيرا، ورفع من مستوى التوتر مع الغرب. ويقول محللون سياسيون إن المرشد الأعلى أقره على أساس أن المواجهة مع الغرب سوف تساعد على الإبقاء على آيديولوجيته الثورية وقاعدة نفوذه. ويعتقد بعض الإيرانيين أن النبرة التصالحية للرئيس أوباما إزاء إيران تنذر بتهدئة الحساسية الإيرانية والقوى المؤثرة التي تدافع عنها.

وأوضح أوباما أنه ما زال ينوي الانفتاح على إيران على الرغم من التساؤلات المطروحة حول شرعية أحمدي نجاد وأن توحُّد سلطة متشددة يمكن أن يعيق من استراتيجيته.

ويقول جمال عبد الجواد مدير قسم العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة: «لن تكون الفترة القادمة سهلة، وسيتسم أي تغيير بالضعف والصعوبة لأن لدينا نخبة متحدة بدرجة كبيرة في اتجاهها المتشدد».

* كتب بيل كيلر من طهران ومايكل سلاكمان من القاهرة خدمة «نيويورك تايمز»