الحرس الثوري الإيراني يبدأ إدارة الأزمة ويسيطر على أمن طهران.. وقلق من انفلات الأمور

تحذيرات شديدة اللهجة للصحافيين الأجانب بعد سحب بطاقاتهم الصحافية * قائد «قوة القدس» يحذر أهالي كرمان من مثيري الاضطرابات * الإعلان عن اعتقال 26 شخصاً

الشيخ مهدي كروبي المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الاخيرة يتحدث امس في طهران لانصار مير حسين موسوي المرشح الرئاسي الاخر الخاسر والذين واصلوا التظاهر احتجاجا على النتائج (أ ف ب)
TT

بدأ الحرس الثوري الإيراني تولي زمام الأزمة السياسية في إيران والتي دخلت يومها الخامس أمس احتجاجا على نتائج الانتخابات من دون ظهور ملامح للتهدئة. وخرج أمس عشرات الآلاف إلى ميدان «هفت تير» بوسط طهران وهم يرتدون الشارات الخضراء ويحملون صور الذين قتلوا في المواجهات مع الأمن خلال الأيام الثلاثة الماضية.

وقال مصدران مطلعان لـ«الشرق الأوسط» إن الحرس الثوري يسيطر الآن على العاصمة طهران ومفاصلها الأساسية وذلك في مسعى «لإعادة الهدوء» وإنهاء الاحتجاجات تدريجيا، مع تزايد توتر القيادات السياسية في إيران من «انفلات الأمور بشكل يستحيل السيطرة عليه». وقال مصدر إيراني قريب من تيار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن الحرس الثوري بدأ منذ يوم أمس الدخول على خط الأزمة سياسيا وأمنيا. وترافق ذلك مع بيانين غير مسبوقين للحرس الثوري في الأزمة، البيان الأول يحذر وسائل الإعلام الالكترونية الإيرانية من «مواجهة عواقب» بسبب تغطية الأحداث، أما البيان الثاني فقد أصدره قائد «قوة القدس» العميد قاسم سليماني إلى أهالي مدينة كرمان، إحدى المدن التي تنتشر فيها المظاهرات، داعيا فيه إلى الهدوء، محذرا «مثيري الشغب» من مواجهة عواقب، وذلك بينما حذر محمد رضا حبيبي المدعي العام لأصفهان المتظاهرين «بشكل غير قانوني والمدعومين من عناصر أجنبية» من أنهم سيواجهون عقوبة الإعدام. وترافق ذلك مع دعوة القيادة الإيرانية المواطنين الإيرانيين إلى تشكيل «حشد مليوني» غدا في طهران خلال خطبة الجمعة المرتقبة التي سيلقيها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في جامع «جامعة طهران» حول الأزمة الحالية.

وقال المصدر الإيراني، وهو على دراية بالنقاش الدائر وسط المحافظين، إن الحرس الثوري تولى ملف أمن طهران من قوات الأمن والشرطة التابعة لوزارة الداخلية الإيرانية. وكان رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني قد انتقد وزير الداخلية صادق محصولي، المقرب من أحمدي نجاد، بعد سقوط نحو 7 قتلى بينهم طلاب في هجوم على جامعة «شريف صنعتي» إحدى أرقى الجامعات الإيرانية والتي تميل للتيار الإصلاحي، وذلك خلال المصادمات في ميدان «ازادي». وقال المصدر الإيراني إن الحرس الثوري يريد إعادة الهدوء للمدن الإيرانية وأولها طهران، موضحا أن انتشار المظاهرات وخروج عشرات الآلاف كل يوم في العديد من المدن الإيرانية يقلق كبار المسؤولين في البلاد. وأوضح «يرون أنه لا بد من السيطرة على الوضع قبل أن يصبح خارج إطار سيطرة أحد».

وبحسب المصدر الإيراني فإن الحرس الثوري سيعمل أولا على تهدئة المظاهرات وسيحاول الحد منها تدريجيا. وتابع: «خطبة الجمعة التي سيلقيها القائد ستكون حاسمة، فلا بد من أن تحدث تأثيراً للحد من الاضطرابات وتهدئة الوضع.. بعد ذلك سيعمل الحرس على استهداف العناصر التي قادت عمليات التخريب والاضطرابات».

ولم يستثن المصدر الإيراني سياسيين بارزين من التيار الإصلاحي، موضحا «بعض مستشاري موسوي هم سبب الأزمة الحالية لأنهم أعطوا له معلومات خاطئة حول الأصوات التي حصل عليها.. موسوي فاز في طهران هذا شيء مؤكد، لكن إيران ليست طهران». يذكر أن العشرات من السياسيين الإصلاحيين والصحافيين المؤيدين للتيار الإصلاحي اعتقلوا خلال الأيام الماضية ومن أبرزهم سعيد حجاريان ومحمد أبطحي ومحمد رضا خاتمي وبهزاد نبوي والمحلل رضا جلال بور والصحافي سعيد ليلاز وغيرهم. واستبعد المصدر الإيراني إعادة الانتخابات أو إجراء جولة ثانية بين موسوي وأحمدي نجاد، ملمحا إلى أن إعادة فرز بعض الدوائر هو أبعد خطوة يمكن أن يقدم عليها النظام.

ويسود القلق العميق أوساط الإصلاحيين مما سيأتي خلال الأيام والأسابيع المقبلة. وقال مسؤول من التيار الإصلاحي إن الوضع الآن يصور لخامنئي ليس على أنه اعتراض على تجاوز في الانتخابات وتغيير في النتائج، بل بات يصور على أنه «مؤامرة من رفسنجاني وموسوي وخاتمي على الولي الفقيه ومبادئ الثورة». وحذر المصدر الإصلاحي من أن تصوير الأزمة بهذا الشكل قد يفتح الباب أمام «حملة ملاحقات دموية» ضد كبار الإصلاحيين كما حدث عام 1999 خلال ولاية خاتمي عندما شهدت إيران أعنف مواجهات وعمليات اغتيال داخلية وسط المثقفين والكتاب والمفكرين الإصلاحيين منذ الثورة الإيرانية. ويأتي ذلك فيما شددت السلطات الإيرانية قيودها على التغطية الميدانية للأحداث في إيران. وأصدر الحرس الثوري بيانا، هو الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة، يحذر الصحافة الالكترونية الإيرانية (الفيس بوك والتويتر و البلوغرز) من بث الأخبار، محذرا من ملاحقات قانونية للمخالفين. وقال الحرس الثوري في بيان إنه يجب على المواقع الإنترنتية والبلوغرز «إزالة أي مواد» يمكن أن تؤدي إلى خلق التوتر. كما أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً شديد اللهجة تتهم فيه بعض وسائل الإعلام الأجنبية بأنها أداة في يد قوى دولية. وشددت وزارة الخارجية على أنها لن تتهاون إزاء من سمتهم بأنهم «يهددون الوحدة الوطنية» في إيران. وكانت وزارة الإرشاد والثقافة الإيرانية قد طالبت الصحافيين الأجانب في إيران بتسليم أوراق اعتمادهم الصحافية، وأصدرت أمرا يحذر من تغطيتهم لـ«المظاهرات غير القانونية»، في إشارة إلى المظاهرات التي يقوم بها أنصار مير حسين موسوي. كما حذرت من استخدامهم للكاميرات وطالبتهم بالمغادرة. أما الصحافيون الذين يعملون في إطار مكاتب صحافية لها مقرات في إيران، فقد صدرت إليهم تعليمات بعدم تغطية الأنشطة الميدانية والاقتصار على العمل في مكاتبهم. ووفقا لوزارة الإرشاد فإن الصحافيين الذين يغطون بشكل غير قانوني مسؤولون عن سلامتهم الشخصية. وجاء تحذير وزارة الإرشاد بعد أنباء عن طعن مصور أجنبي كان يقوم بتصوير مظاهرة لأنصار موسوي. وأثار التضييق الممنهج على تغطية وسائل الإعلام قلقا داخليا وتحسبا للتصعيد، عندما يغادر الصحافيون الأجانب ويصبح من الصعب بمكان نقل ما يحدث على الأرض. وقال الصحافي الإيراني ما شاء الله شمس الواعظين لـ«الشرق الأوسط» إن الصحافيين الإيرانيين تجمعوا من أجل دراسة الوضع الحالي، موضحا أن اتحاد الحريات الصحافية سيصدر بياناً حول الوضع الراهن. وتابع: «الكلام عن التدخل الخارجي في الأزمة تغطية على الحقيقة، لأنه في هذه الأزمة بالذات تعمدت الدول الكبرى النأي بنفسها عنها. الرئيس الأميركي باراك أوباما قال إنه من غير البناء التدخل في التعليق على الأزمة نظراً لتاريخ العلاقات بين إيران وأميركا». وخرج أمس عشرات الآلاف من أنصار موسوي لليوم الخامس على التوالي إلى ميدان «هفت تير» وهم يرتدون الأشرطة الخضراء على معاصمهم أو يلفونها حول جبهاتهم. وساد الصمت مسيرة أنصار موسوي بحسب ما طلب من قبل، إلا أن مسيرة أمس كانت أيضاً مسيرة حداد على الذين قتلوا حتى الآن في المظاهرات، وذلك بعدما أعلنت وسائل إعلام محلية وصحيفة «اعتماد ملي» الإصلاحية أن 7 أشخاص قتلوا خلال المظاهرات التي حدثت قبل 3 أيام في ميدان «ازادي» أو الحرية. وكان موسوي قد طالب أنصاره بأن تكون مسيرة أمس مسيرة حداد، داعياً إلى عدم إعطاء أي ذريعة لاستخدام القوة ضدهم. وجاءت المظاهرة بينما ساد التشكك في أن يؤدي قرار المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي بإعادة فرز أصوات بعض الدوائر «إذا اقتضت الحاجة» إلى حل للأزمة، وسط تذمر بين أنصار مير حسين موسوي الذين يريدون إعادة الانتخابات أو إجراء دورة ثانية بين أحمدي نجاد وموسوي. وقال علي أكبر محتشمي بور، أحد السياسيين الإصلاحيين البارزين الذي عمل في حملة موسوي على موقع «غلام نيوز»: «نعتقد أنه كان هناك تزوير لأن مراقبينا لم يسمح لهم بمراقبة الانتخابات.. ولدينا أدلة كثيرة على مخالفات»، معربا عن اعتقاده بأن قرار الإحصاء الجزئي لبعض الأصوات لن يستجيب لمطالب المتظاهرين، قائلا إن مجلس صيانة الدستور المنوط به التصديق على نتائج الانتخابات ونظر الشكاوى يوجد بين أعضائه مؤيدون لأحمدي نجاد وشاركوا في حملته الانتخابية. وأعلنت قوات الأمن الإيرانية عن اعتقال 26 شخصا قالت إنهم من مثيري الشغب والمحرضين على العنف خلال مظاهرات الأيام الماضية. وأوضحت السلطات أن كل المعتقلين من طهران، محذرة من أنها تراقب عن كثب من سمتهم بمثيري الاضطرابات وأنها لن تتسامح إزاء أي مظاهرات غير مرخصة.

وكانت إيران قد شهدت أول من أمس مظاهرة تحت عنوان عريض هو الحفاظ على الوحدة الوطنية، قام بها مزيج من أنصار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وقوات الباسيج شارك فيها عشرات الآلاف حمل بعضهم لافتات كتب عليها «الإعدام لمثيري الشغب». إلا أنها لم تكن المظاهرة الوحيدة، فقد تجمع أيضاً عشرات الآلاف من أنصار مير حسين موسوي في ميدان «فانك» بالعاصمة طهران في مسيرة صامتة. وقال شاب إيراني شارك في المظاهرة التي خرج فيها أنصار موسوي إن قوات الأمن الإيراني منعت مواجهات بين أنصار موسوي وأنصار أحمدي نجاد عندما كانا على وشك التلاقي على مفترق أحد ميادين العاصمة طهران. وقال الشاب الإيراني، الذي لا يريد ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «اعتقدت أن الطرق المؤدية إلى ميدان فانك سوف تكون مغلقة لمنع احتشاد أعداد كبيرة، إلا أنني عندما سألت أحد أفراد الأمن قال لي: ميدان فانك مفتوح. فذهبت. وكانت مظاهرة صامتة وحاشدة. ربما حتى أكبر من مظاهرة أنصار موسوي في ميدان ولى عصر». وغطى التلفزيون الإيراني ليلة أول من أمس مظاهرة «الوحدة الوطنية» بشكل موسع، وكان ملاحظا تركيزه على إذاعة الأغاني الوطنية وبث لقطات مطولة من الحرب العراقية ـ الإيرانية ولقطات من الطوابير التي اصطفت يوم الجمعة الماضي للتصويت في الانتخابات الرئاسية. كما بث التلفزيون مشاهد لإطارات محترقة، منتقدا أولئك الذين يتحركون بـ«دوافع خارجية للإضرار بإيران». وبالرغم من حالة الاستنفار اليومية في الشوارع، إلا أن الطبقة السياسية لم يصدر عنها الكثير باستثناء دعوة المرشد الأعلى بإعادة فرز عدد من الدوائر إذا دعت الحاجة وبحضور ممثلين من المرشحين الأربعة للانتخابات للتأكد من سلامتها. إلا أنه تحت السطح تتجمع «كرة ثلج» بين مسؤولين كبار في النظام يلومون بشكل متزايد مير حسين موسوي على الأزمة الحالية. وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن مكتب المرشد الأعلى يأخذ على موسوي الرسالة العلنية التي أعرب فيها عن رفضه لنتائج الانتخابات وتشكيكه في نزاهتها. وكان محمد كوثري عضو البرلمان الإيراني وأحد القادة السابقين للحرس الثوري قد ألقى باللوم على موسوي وقال إنه «المسوؤل الأكبر» عما سماه بأعمال الشغب والاضطرابات التي شهدتها إيران. ونقل تلفزيون «العالم» عن أحد المحليين قوله عندما سئل إذا كانت المظاهرات في شوارع طهران تشكل ضغطا على الحكومة وهل تذكر بالثورة المخملية في الجمهوريات السوفياتية، فرد «جورجيا ما هي.. ضاحية بالنسبة لإمبراطورية إيران، وبالتالي لن يستطيعوا أن يقوموا بثورتهم الملونة هذه. الداخل الإيراني سيظل عصيا على الهزيمة. وبعد عودة الهدوء ستلتئم الأجواء بين القيادة الإيرانية». وبرغم انقطاع الاتصالات بكل أشكالها من تليفونات ثابتة أو جوالة أو رسائل قصيرة أو إنترنت أو أي محطات تلفزيونية أجنبية، إلا أن أنصار موسوي لجأوا إلى وسائل أخرى للإبلاغ عن تجمعاتهم من بينها الاتصالات الشفوية وعبر مكبرات صوت في بعض الأحياء حتى بات من الطبيعي أن تكون سائرا في الشارع أو في سيارة أجرة فتجد شخصا يهمس بصوت منخفض: اليوم الساعة 5 في هفت تير، أو عبر حمل لافتات مكتوب عليها موعد ومكان التجمع لليوم التالي. وفيما من المقرر أن يتجمع أنصار موسوي اليوم في ميدان «فردوسي» بجنوب شرقي طهران، قالت زهرا وهي شابة في العشرينيات من العمر: «سنواصل التظاهر لأننا نعرف أننا حصلنا على غالبية الأصوات». ويأتي ذلك فيما انضم آية الله العظمى علي منتظري إلى المنتقدين للانتخابات ونتائجها. وأصدر بيانا على موقعه قال فيه: «لا أحد يمكن أن يصدق الأرقام التي ذكرت حول نتائج الانتخابات»، موضحا أن النظام يعالج اتهامات موسوي بحدوث تزوير ثم المظاهرات العارمة في المدن الإيرانية بـ«أسوأ طريقة ممكنة.. الحكومة التي لا تحترم أصوات الناس ليس لها شرعية دينية أو سياسية، وأسأل الشرطة ورجال الأمن ألا يبيعوا دينهم. إن تلقي الأوامر من القيادات لن يعفيهم من المسؤولية أمام الله»، واختتم منتظري بقوله: «إن المسألة أصبحت مصداقية النظام في أعين الشعب».