موسوي وجها لوجه أمام خامنئي: ما يحدث يهدد «أسس الجمهورية».. ومستعد للشهادة

مقتل شخص في هجوم انتحاري على مرقد الخميني * موسوي وكروبي يقاطعان اجتماع مجلس الأوصياء * مصدر محافظ لـ «الشرق الأوسط»: رفسنجاني كان يقول إنه يحب خامنئي.. لكنه كاذب

جانب من المواجهات التي شهدتها طهران بين أنصار مير حسين موسوي والشرطة الايرانية أمس (إ.ب. أ)
TT

في أكبر تحد لسلطة المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي منذ تولى مهام منصبه عام 1989، وجه المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة الإيرانية مير حسين موسوي انتقادات غير مسبوقة لم يوجهها أحد من قبل لخامنئي متهما إياه بأنه «يهدد الطابع الجمهوري» للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهاجم موسوي بشدة الكلمة التي ألقاها خامنئي خلال صلاة الجمعة أول من أمس، التي صادق فيها على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران. واتهم موسوي، على موقعه الإنترنتي، خامنئي بأنه يهدد «الطابع الجمهوري» للجمهورية الإسلامية ويسعى لفرض «نظام سياسي جديد». ولم تجرؤ أي شخصية سياسية في إيران حتى الآن على توجيه مثل هذه الانتقادات إلى خامنئي منذ أن تولى مهام منصبه. وتضع هذه الانتقادات موسوي في موقع «العين بالعين» أمام خامنئي. وحث موسوي الإيرانيين على تنظيم إضراب على مستوى البلاد إذا ألقت السلطات القبض عليه وذلك في كلمته إلى مؤيديه في جيهون (منطقة بجنوب غربي طهران). كما اعتبر موسوي في بيانه على موقعه الإنترنتي أن مطالبته بإلغاء نتائج الانتخابات «هي حق ثابت» لن يتغير، متعهدا «الوقوف دائما إلى جانب» الإيرانيين دفاعا عن حقوقهم المشروعة. وقال: «إن كان هذا الحجم الهائل من التزوير والتلاعب بالأصوات.. الذي أساء إلى ثقة الناس، يستخدم باعتباره الدليل الجلي على عدم حصول تزوير، فإن هذا يطعن في الطابع الجمهوري للنظام نفسه ويثبت عمليا أن الإسلام لا ينسجم مع نظام جمهورية».

وتابع: «إن هذا المصير سوف يسعد مجموعتين: مجموعة وقفت ضد الإمام (الخميني) منذ بداية الثورة ورأت في النظام الإسلامي طغيان الصالحين الذين يريدون سوق الناس قسرا إلى الجنة». وأضاف: «والمجموعة الثانية هي التي تدعي الدفاع عن حقوق الشعب وترى في الإسلام عقبة على طريق قيام جمهورية». وكان خامنئي استبعد في خطبة الجمعة حصول أي تزوير في الانتخابات الرئاسية، مصادقا على فوز أحمدي نجاد. وحض موسوي على حماية أصوات الشعب. وقال: «إن لم تقابل ثقة الناس بحماية أصواتهم وأن لم يتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم بتحركات مدنية سلمية، فسوف تكون هناك في المستقبل طرق خطيرة تقع مسؤوليتها على أولئك الذين لا يسمحون بسلوك سلمي».

وتابع موسوي مؤكدا «بقوة» تمسكه بالمطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات وتنظيم انتخابات جديدة. وقال إن هذا الطلب «ينبغي أن تنظر فيه لجنة جديرة بالثقة وينبغي أن لا تستبعد مسبقا إمكانية أن يفضي إلى نتيجة». وكان لافتا أن بيان موسوي ضد خامنئي سحب من موقعه الإنترنتي لفترة ثم عاد ثانية للظهور من دون تفسير. وبينما وجه الإصلاحيون دوما انتقادات ضمنية إلى خامنئي على أساس أن طريقة حكمه «تهدد الأسس الديمقراطية والجمهورية» لإيران، فإنها المرة الأولى التي يتحدث فيها أى سياسي إيراني بهذه الصراحة. وذكر وقوف موسوي أمام سلطة خامنئي، بالطريقة التي وقف بها قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني أمام شاه إيران، عندما اتهمه أيضا بعدم احترام الأسس الديمقراطية ودعا إلى إضراب عام في البلاد. وعاشت إيران أمس يوما عصيبا وعنيفا شهدت فيه سقوط قتيل وجرحي وتفجيرات وإطلاق النار على المتظاهرين في شوارع العاصمة التي انتشر فيها الآلاف من قوات الباسيج في تطور بالغ الخطوة للأوضاع في إيران. وبعد أن كانت المظاهرات في إيران تتم خلال الأيام السبعة الماضية بتنظيم كبير ولم تشهد إلا أعمال عنف محدودة، كان يوم أمس يوما فارقا، إذ إن أعمال العنف امتدت بشكل واسع في العاصمة. وعلى الرغم من اللغة الحادة التي استخدمها المرشد الأعلى لإيران لإسكات المتظاهرين، فإنه والحلقة المقربة منه تعتبر أن هذه الأيام، وأمس بالذات، أسوأ يوم له في السلطة منذ أن تولى منصب الولي الفقيه. فعلى الرغم من التحذيرات شديدة اللهجة التي أطلقها خامنئي ووزارة الداخلية الإيرانية وقوى الأمن بحظر التظاهر، فإن آلاف الإيرانيين خرجوا أمس في مظاهرات العاصمة، خاصة عند جامعة طهران، وذلك بعدما أغلقت قوات الباسيج ميدان «انقلاب» الذي كان من المقرر أن يشهد مظاهرة كبيرة بحضور مير حسين موسوي ومحمد خاتمي وجمعية علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز). أما التحدي الآخر الكبير لسلطة خامنئي فلم يأت من الشارع الإيراني فحسب، بل جاء أيضا من موسوي وكروبي. فقد قال موسوي أمس لأنصاره إنه مستعد للشهادة وإنه سيواصل مسيرته. كما قال في بيان على موقعه الإنترنتي إن «التزوير في الانتخابات خطط له منذ أشهر»، ومتحديا بشكل علني وصريح كل ما دعا إليه خامنئي في خطبة الجمعة أول من أمس. أما كروبي فقد جدد دعوته لإجراء انتخابات جديدة، وصعد أيضا برفضه هو وموسوي حضور اجتماع كان مقررا أمس مع مجلس الأوصياء لنظر التجاوزات في الانتخابات. وقال مصدر إيراني إصلاحي من طهران لـ«الشرق الأوسط» إن موسوي وكروبي لن يسعيا إلى تأجيج المواجهات في الشارع الإيراني، إلا أنهما في الوقت ذاته «يرفضان بشكل قاطع ما قاله خامنئي». وقال المصدر الإيراني: «موسوي وكروبي أعلنا أنهما سيحضران اجتماع مجلس الأوصياء، إلا أن ما قاله خامنئي أوضح أنه لا يستمع إلى ما يريده الشارع، وبالتالي لا فائدة من الاشتراك في هذا الاجتماع، لأن ما يقدمه هو شيء جزئي أمام ما نطالب به». وفيما يبدو أن الإصلاحيين والشارع الإيراني المؤيد للحركة الإصلاحية «ثابت» في موقفه من رفض الانتخابات ولن يوقف المظاهرات احتجاجا عليها، وضح أيضا أن خامنئي ومكتبه وكبار مستشاريه وقادة الحرس الثوري ثابتون أيضا على موقفهم. وكان أمس دليلا عمليا على رجحان كفة التيار الأكثر تشددا بين أجنحة النظام، إذ إن قوات الباسيج انتشرت بآلاف في ميادين وشوارع طهران. وكان مسؤول إيراني قريب من تيار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد كشف لـ«الشرق الأوسط» قبل ثلاثة أيام أن الحرس الثوري قد سيطر على مفاصل طهران وتولى زمام معالجة الأزمة على الصعيدين الأمني والسياسي. وأوضح المصدر الإيراني آنذاك أن خطة السلطات الإيرانية هي أولا محاولة تهدئة الأمور على الأرض، ثم بدء «استئصال العناصر التي حرضت على العنف»، رافضا نفي ما إذا كان ذلك يتضمن قادة كبار من الحركة الإصلاحية.

وفيما باتت المواجهة الآن علنية بين الجناح الأكثر تشددا والمؤسسة الأمنية من ناحية، والتيار الإصلاحي والشارع من ناحية أخرى، استمرت مساعي من وراء الستار من قبل فريق خامنئي لتحييد رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني، ودفعه لإعلان رفضه للتصعيد ودعوته للتهدئة، إلا أن هذه المحاولات فشلت حتى الآن. وكان لافتا أن وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء القريبة من الحرس الثوري أعلنت أمس أن رفسنجاني «سيصدر بيانا مهما» للأمة الإيرانية من دون أن توضح المزيد، إلا أن مكتب رفسنجاني رد فورا على «فارس» نافيا أن الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء والرجل القادر على إقالة خامنئي بحكم سلطاته الدستورية، سيصدر أى بيان. وأوضح مكتب رفسنجاني أن معلومات «فارس» غير صحيحة. ويثير صمت رفسنجاني قلقا وخوفا بين الجناح المتشدد في السلطة الإيرانية، إذ إن رفسنجاني هو «همزة الوصل الوحيدة» بين الإصلاحيين والمتشددين بحكم نفوذه بين الطرفين، واستمرار صمته يعني دعمه لتحركات الشارع الإيراني والإصلاحيين. ويبدو أن الأزمة بين رفسنجاني وخامنئي وصلت إلى طريق مسدود، فقد قال مصدر قريب من المحافظين لـ«الشرق الأوسط»: «رفسنجاني كان دوما يقول إن حبي لخامنئي لا يعادله شيء.. إلا أن الأحداث أكدت أن رفسنجاني كاذب. فما يحدث يتم تحت عينه». وقال مصدر إيراني قريب من الإصلاحيين لـ«الشرق الأوسط» إن الجناح المتشدد في النظام الإيراني يتحمل مسؤولية تدهور الأزمة وانفتاحها على آفاق لا يعلم أحد إلى أين ستتجه. وقال: «لم يكن لدى خامنئي خطة «ب». في خطبة الجمعة استخدم أقسى لغة ممكنة لإخافة الشارع والإصلاحيين. لم يكن من الممكن أن يكون أكثر تشددا أو قسوة. لكن في اليوم التالي خرج الآلاف على الرغم من قوات الأمن التي احتلت شوارع وميادين طهران. ما الذي بمقدوره أن يفعله أكثر من هذا؟ لقد خسر من الجولة الأولى. والآن السؤال: ما الذي سيفعله؟ هل سيتشدد أكثر أم سيتجه إلى مهادنة؟ لا أحد يعرف. اعتقادي أنه عندما بدأ بالتشدد ولم يترك مساحة لحل وسط، لم يترك أمامه مجالا سوى رفع سقف التشدد، لأن المحيطين به الآن سيقولون له: لا يمكننا أن نتراجع لأن أى تراجع أو مهادنة ستكون انتصارا لموسوي وفريقه. هذا بالنسبة لخامنئي والمحيطين به يعادل الهزيمة لهم. أى انتصار لموسوي في هذه الأزمة هو هزيمة شخصية للمرشد». وعلى الرغم من أن طهران لم تشهد أمس مظاهرات «منظمة» وذلك بعدما أعلنت جمعية العلماء المجاهدين (روحانيون مبارز) التي أساسها خاتمي، إلغاء تظاهرها، ثم إعلان كروبي أنه لن يشارك في المظاهرة أيضا فيما لم يصدر عن موسوي تأكيد بالمضي قدما في المظاهرة، فإن المظاهرات العفوية خرجت في أنحاء متفرقة من طهران وبالآلاف. وعمدت السلطات الإيرانية إلى تفريق أى تجمع قبل أن يكبر بحسب شهود عيان تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» ووكالات «رويترز» و«وكالة الصحافة الفرنسية» و«أسوشييتد برس». وقال أحد الشهود إن قوات الباسيج استخدمت الهراوات والغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق أى مظاهرة، إلا أن ما لا يقل عن 2000 تجمعوا أمام جامعة طهران. وقال شاهد عيان إن أنصار موسوي أضرموا النار في مبنى في جنوب طهران يستخدمه مؤيدو الرئيس محمود أحمدي نجاد. وقال الشاهد أيضا إن الشرطة أطلقت النار في الهواء لمنع مواجهات دموية بين أنصار موسوي وأنصار أحمدي نجاد في شارع كارجار في طهران. وجاءت المظاهرات وسط حالة من التوتر والاستنفار غير مسبوقة في إيران منذ سنوات. إذ فجر «إرهابي» نفسه بعد ظهر أمس في ضريح الإمام الخميني في طهران، ما أسفر عن سقوط قتيل وثلاثة جرحى على الأقل، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية. وقال نائب قائد الشرطة الإيرانية حسين ساجدينيا بحسب ما نقلت عنه وكالتا «فارس» و«مهر» للأنباء، إن «إرهابيا فجر حزامه الناسف في ضريح الإمام الخميني»، مشيرا إلى أن «المهاجم قتل وأصيب أحد زوار الضريح بجروح». من جهته، ذكر تلفزيون «برس تي في» أن الاعتداء أسفر عن قتيل وجريحين، من دون أن يوضح مصدر خبره. ونقلت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية عن «مسؤولي الضريح» قولهم إن الجريحين أصيبا بجروح «سطحية». وقالت وكالة الأنباء الإيرانية، من دون أن تذكر مصادر، إن ثلاثة جرحى سقطوا، بينهم مواطنان من بلد عربي لم يذكر. وجاء الاعتداء بعد يومين من تحذيرات السلطات الإيرانية من عمليات «إرهابية». يذكر أن ضريح الخميني عبارة عن مجمع ضخم من عدة أبنية، والانفجار وقع في المكان الذي يخلع فيه الزوار أحذيتهم قبل الدخول إلى المجمع. وبتطورات أمس، تدخل إيران حاليا مرحلة جديدة من المواجهة العلنية المفتوحة بين التيار الإصلاحي بزعامة موسوي والجناح المتشدد في المؤسسة الإيرانية الحاكمة وعلى رأسه خامنئي، ويبدو من الملامح الأولى لهذه المرحلة عدم قبول الإصلاحيين لأي حلول وسطى تؤدي الى استمرار احمدي نجاد في السلطة، وبدء معركة حقيقة حول دور المرشد الأعلى في النظام.