الربيعي: ما زلت مستشارا للأمن القومي العراقي.. وقدت صدام إلى حبل المشنقة ووقعت شهادة وفاته

قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: الصدر ليس مثل نصر الله وشيعة العراق يختلفون عن شيعة إيران

موفق الربيعي (تصوير: حاتم عويضة)
TT

قيل الكثير عن موفق الربيعي الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي العراقي طوال الأعوام التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق، فهناك من أكال له بالمديح والثناء، لكن خصومه يتهمونه بـ«العمالة» للأميركيين تارة وللإيرانيين تارة أخرى، لكن الربيعي، وهو طبيب، عاش سنوات طويلة في لندن، يقول «أجل أنا عميل.. ولكن للعراق»، مؤكدا عراقيته وبأنه فخور بذلك.

والربيعي كان عضوا في حزب الدعوة الاسلامية لاعوام طويلة حتى ترك الحزب قبل نحو 15 عاما، وعاد الى العراق بعد الاطاحة بالنظام العراقي السابق، وأصبح عضوا في مجلس الحكم المنحل الذي تألف من 25 شخصية سياسية بادارة الحاكم المدني الاميركي السابق في العراق بول بريمر. وكان الربيعي واحدا من اوائل السياسيين العراقيين الذين التقوا بالرئيس العراقي الاسبق صدام حسين بعد القاء القبض عليه مباشرة في ديسمبر (كانون الاول) 2003، كما أنه قاده بنفسه إلى حبل المشنقة حين حضر عملية اعدامه في نهاية ديسمبر 2006، وكتب شهادة وفاته، ويؤكد أنه أنه ما زال يحتفظ بتمثال ضخم لرأس صدام بمكتبه لكي لا ينسى ما فعله صدام بالشعب العراقي، على حد تعبيره. عين الربيعي مستشارا للامن القومي العراقي في أبريل (نيسان) 2004، واستمر بعمله حتى اعلنت الحكومة العراقية في مايو (أيار) الماضي عن حل المستشارية واحالة الربيعي إلى التقاعد. وأعلن الربيعي مؤخرا عن تشكيل حزب الوسط لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة المزمع اجراؤها في يناير (كانون الثاني) المقبل. لكن الربيعي أكد لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار اجرته معه اثناء زيارته لمقر الصحيفة بلندن، أنه ما زال مستشارا للأمن القومي. وأقر بأن الأميركيين ارتكبوا «كوارث» في العراق، وأن الحكومة الحالية ارتكبت آلاف الأخطاء، وأن إدارة صدام للخدمات والمجال الزراعي والصناعي في البلاد كانت أفضل بكثير. وفيما يلي نص الحوار:

* بداية، كيف تحب أن نعرفك؟

ـ أنا مستشار الأمن القومي العراقي

* لكن هناك قرار من مجلس الوزراء بحل المستشارية؟

ـ أولا المستشارية أسست بقانون رقم 68 ومجلس الوزراء قرر إحداث توصية لمجلس النواب لالغاء هذا القانون، وقد جاءت هذه التوصية، لأن مجلس الوزراء ليست له الصلاحية لالغاء القوانين. والأمر الثاني أن مجلس النواب عمل قانونا عراقيا عرق فيه قانون 68 وجعله بصفة عراقية وتمت القراءة الأولى له.

* هل هناك قرار سياسي وراء حل المستشارية؟ ـ السبب الذي أعطي (لحل المستشارية) هو لتعريق قوانين بريمر، هناك فكرة اساسية وهي أننا نريد أن نبني دولة مؤسسات. دور المستشارية هو التنسيق بين وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني، أي التنسيق بين الاجهزة الامنية والاستخباراتية، وكذلك صناعة سياسات وخطط بحيث لا تتعارض هذه الوزارات مع بعضها، ونعتقد أن المستشارية جزء اساسي من بناء الدولة العراقية، وكذلك المنظومة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وهذا هو سبب حرصنا على بقاء المستشارية وبقاء منصب المستشار. هناك بعض الاشخاص لم يستطعوا أن يفهموا الدور المؤسساتي للمستشارية.

* كيف تصف لنا علاقتك برئيس الوزراء نوري المالكي؟ ـ بعض الأطراف السياسية حاولت تسييس موضوع المستشارية، أنا قلت إن القضية «فنية» وليست «في النية» أنها ليست قضية سياسية. حاول البعض أن يستثمر ذلك لاحداث فجوة وخلاف بيني وبين السيد المالكي، علاقتي بدولة رئيس الوزراء علاقة أخوية منذ 30 سنة، وعملنا داخل حزب واحد لمدة 30 سنة وخلال الـ15 سنة الماضية، أي عندما تركت الحزب بقيت علاقة الصداقة. وبعد ذلك عملت على دعم الحكومة ومستمر بعملي على دعم حكومة المالكي إلى الانتخابات. حاول الكثيرون أن يوقعوا بيني وبين رئيس الوزراء، واعتقد أنهم فشلوا، فلدينا وجهات نظر متطابقة حول قضايا معينة، ووجهات نظر مختلفة حول قضايا أخرى، وهذا أمر طبيعي جدا، دوري هو دور المستشار ولا أصنع القرار له.

* هل لك أن تعطينا مثالا حول ما اختلفتما عليه؟

ـ أنا أريد أن أعطي أمثلة على ما اتفقنا عليه، ربما اتفقنا على 99 في المائة من القضايا، سواء على المستوى الوطني المتعلق بالقضايا السياسية والامنية والاقتصادية، أو على مستوى السياسة الاقليمية والدولية. وربما أعطيكم مثالا حول انسحاب القوات من العراق، فأنا من الناس الذين تبنوا انسحاب القوات الاجنبية بوقت مبكر ربما من صيف 2006، وكان رأيي، الذي لم أطرحه في الإعلام، لكن دولة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس وقيادات الائتلاف (العراقي الموحد الحاكم) يعرفون وجهة نظري وهو كلما خرجت القوات الاجنبية من العراق كان ذلك أفضل للعراق، فقواتنا الأمنية أكثر قدرة لدحر الإرهاب والميليشيات والتطرف، ولذلك كانت المفاوضات صعبة مع الطرف الأجنبي. أنا اعتقد أن اتفاقية انسحاب القوات كان من الممكن أن نحقق أفضل مما حققنا، وكان من الممكن ان نحقق خروج القوات الاميركية في نهاية 2009 أو ربما بنهاية 2010، لو كنا قد لعبناها بالشكل الصحيح، لكن هناك عوامل عدة منها موضوعية وأخرى ذاتية وأسباب عديدة، قبلنا بما هو موجود. بالنسبة للاستفتاء أقول إنه ينبغي أن يكون بأقرب وقت، وأدعو الشعب العراقي أن يقول «لا» للاتفاقية، فإذا قال «لا» سنعطيهم (الأميركيين) مهلة 12 شهرا، أي أن ينتهي الوجود الاجنبي في بداية سنة 2011 بدلا من نهايتها.

* عودة على موضوع الانتخابات، هلى أن حزب الوسط سيدخل ضمن الائتلاف العراقي الموحد القادم؟

ـ لا، اعتقد أن العملية السياسية جمدت منذ انتخابات 2005، وهي الآن متعثرة وبحاجة إلى تنشيط وحوافز جديدة ودماء جديدة. إن أكثر من 50 في المائة من الناخبين لم يشتركوا في الانتخابات الاخيرة (مجالس المحافظات في يناير (كانون الثاني) الماضي)، وهذا مؤشر كبير على أن الناس تشعر بالفتور، فهناك خمول في العملية السياسية، والناس تعبت من الوجوه التقليدية وتكرار الأسماء ذاتها. نحن بحاجة إلى مشاركة الأشخاص الذين لم يدخلوا في العملية السياسية، لكنهم تأثروا بها. أما الأمر الآخر فقد تمكنا من بناء بنية تحتية على المستوى السياسي، فلدينا انتخابات وحكومات متعاقبة وبرلمان واستفتاء وتداول السلطة، كما بنينا البنى التحتية، فعلى الصعيد الأمني، فقد بنينا الأجهزة الأمنية وهزمنا «القاعدة» والميليشيات، لكن لم نستطع أن نتوصل إلى المواطن العادي، أي الطبقات المحرومة والمتأثرة، فالخدمات أمر كارثي، المواطن العادي حصل على حريته وكرامته بزوال الدكتاتورية، لكن الحصة التموينية كارثة، نظلم الحصة التموينية في العهد السابق أكثر منه كفاءة في العهد الحالي، وفي الزراعة كان صدام حسين يوفر السماد والبذور والآلات الزراعية والوقود، أما الآن أي منها لا يتوفر. وفي العهد الماضي كان النظام يشتري بأسعار مدعومة إنتاج المواطنين، الآن هذا النظام إن لم يكن ضعيفا جدا فهو معدوم. أما الصناعة فلدينا 198 شركة عامة، كانت كفاءتها آنذاك أكثر من 65 في المائة، أما الآن فكفاءتها أقل من 15 في المائة.

* لكن بحسب المقربين من المالكي فإنه يتجه لتشكيل ائتلاف، بعيدا عن المذهبية والطائفية لخوض الانتخابات المقبلة، فما المشكلة في الانضمام إلى الائتلاف الجديد؟ ـ لدينا ثلاثة خيارات في الوسط، الأول أن نخوض الانتخابات لوحدنا، فنحن نعتقد أن قوة الكادر وقوة قياداته التي ستطرح نفسها تستطيع أن تجلب كل الخير للعراق، أما الخيار الثاني فهو أن نأتلف مع أي فصيل يتبنى المشروع الوطني، وأن يعبر أعضاؤه، تكوينيا، الحدود المذهبية والعرقية. أما بالنسبة للائتلاف مع الائتلاف العراقي الموحد فلدينا شرطان، الأول أن تتكون مكونات الائتلاف من الأطياف والأطراف والمذاهب العراقية كافة، وبشكل حقيقي وليس ذر الرماد في العيون، وثانيا أن يتبنى الائتلاف مشروعا وطنيا وليس طائفيا لبناء دولة المؤسسات وليس دولة احزاب وبناء سلطة. لقد نجحنا في بناء سلطة ورجال سلطة وحكم، لكننا فشلنا في بناء دولة المؤسسات وفشلنا في بناء رجال دولة. نريد بناء دولة مؤسسات، أي دولة محايدة لا تنظر إليك على أنك شيعي أو سني أو مسيحي أو مسلم، أي أن يكون عندها عمى ألوان لا تبصر فيه سوى العراقي من غير العراقي. نحن لا نريد أن نتحول إلى لبنان آخر.

* انتقدتم كثيرا العملية السياسية والحكومة العراقية، وحددتم الفشل في إقامة دولة مؤسسات، ولكنكم كنتم جزءا من هذه الحكومة والعملية السياسية..

كنت جزءا من الحكومة والعملية السياسية وما زلت، وقد ارتكبنا الآلاف من الأخطاء التعبوية والسوقية والاستراتيجية والتكتيكية، سواء في العملية السياسية أو الأمنية أو في توفير الخدمات، فليس من المعقول أن مستويات إنتاج الكهرباء لم تصل الى المستوى المطلوب، فهل من المعقول أن يحفر الناس في مدينة الصدر بئر ماء ليشربوا، والعراق جالس على ثاني بركة نفط في العالم؟ وهل من المعقول أن العراقي ليست لديه قطعة أرض مساحتها مائة متر مربع ليبني بيتا عليها؟ الآن لا أحد يستطيع أن يتحجج بالوضع الأمني. فالأمن تحسن وكان وراءه عدة أسباب مثل بناء القوات المسلحة والتواصل مع الدول الاقليمية ودول الجوار، سواء السعودية وتركيا وسورية، وكذلك بناء الصحوات، ونجحنا في قلب الطاولة على الارهاب والميليشيات، لكن المواطن لا يأكل أمنا أو سياسة. إن اهتماماتنا ليست اهتمامات المواطن في بعض الأحيان، فنحن نناقش لساعات المادة 140 عن كركوك، مع أهمية المادة الكبرى لمستقبل العراق، لكن المواطن العادي ليس لديه ماء صالح للشرب أو مدارس.

* هل أنت راض عن أدائك الشخصي خلال الأعوام السابقة؟

ـ جدا، والحمد لله. خلال الخمسة أعوام الماضية منذ أبريل (نيسان) 2004 وحتى الآن استطيع أن أقول إني أضع رأسي على الوسادة وأنا مرتاح، لأنني لم أتسبب في إراقة قطرة دم واحدة لا فعلا ولا قولا ولا أمرا. فأنا مرتاح مائة في المائة من هذا الجانب، وكذلك لم اوسخ يدي بفلس واحد من الأموال العراقية. ودعوني أكشف لكم سرا، فمنذ أن بدأت أعمل في الدولة العراقية في مجلس الحكم، أي منذ 13 يوليو (تموز) 2003 وأنا أتسلم راتبا مقداره حوالي عشرة ملايين دينار (نحو 7 آلاف دولار أميركي) لم أصرف منه فلسا واحدا على نفسي وكل ما أتسلمه أضعه في ظرف وأرسله إلى قضاء الشطرة، حيث أهلي وعشيرتي هناك، لأوزعه على عوائل تسكن في بيوت من الطين. وأن كل ما انفقه على نفسي هو من ثروتي الخاصة، فعندما دخلت العراق (بعد سقوط النظام السابق) كان لدي في لندن ثلاث شركات بعتها وعملت أموالا جيدة منها تعيشني وأطفالي عقودا قادمة من الزمن، ولهذا لم أمد يدي على فلس حلال أو حرام من العراق.

* تصرون على إخراج منظمة مجاهدين خلق الإيرانية التي تتخذ من معسكر أشرف شمال شرقي العراق مقرا لها، لدرجة أن الأمر يبدو وكأن هناك مشكلة شخصية مع المنظمة؟ ـ لا ليس لدي مشكلة شخصية معها، لكن الدستور يمنع وجود أي منظمة إرهابية داخل العراق، وقلنا إن «القاعدة» منظمة إرهابية ويجب أن تخرج خارج العراق، وكذلك الأمر مع الميليشيات، إن كانت أجنبية، وحزب العمال الكردستاني أيضا نصر أن يخرج، وكذلك مجاهدين خلق. هذه المنظمة حالة خاصة، لأننا لا نريد اعطاء ذريعة لايران لضرب العراق، كما تضرب تركيا حزب العمال الكردستاني في كردستان بذريعة أنهم ينطلقون من الأراضي العراقية لتنفيذ عمليات إرهابية داخل تركيا. إيران تريد أن تستخدم نفس الذريعة، ولذلك قلنا أن نحول هؤلاء الإيرانيين الموجودين في معسكر أشرف إلى غرب البلاد، لأنهم قريبون من الحدود الإيرانية حتى لا يشكلوا تهديدا للأمن الوطني الإيراني، ولكي يصبحوا خارج مرمى النيران الإيرانية. وكذلك لنرفع أي ذريعة من الإيرانيين للتدخل في شؤوننا الداخلية. لقد طلبنا من الإيرانيين أن يصعدوا إجراءاتهم الأمنية على الحدود لمنع تسريب الأسلحة للميليشيات وقد استجابوا لذلك في المدة الأخيرة. ومقابل ذلك يجب أن نفعل شيئا كموقف حسن نية، ولذلك قلنا إن أمام عناصر مجاهدين خيارين، إما العودة لإيران، لكن ليس بالقوة، أي بطريقة إنسانية وفق القوانين الإنسانية ووفق الدستور ووفق ما أعطينا من وعود ومواثيق لدول العالم والولايات المتحدة. والخيار الثاني هو أن يعودوا للدول التي جاءوا منها، فالغالبية العظمى منهم لم يأتوا من إيران، بل جاءوا من أميركيا وأوروبا، ولديها اقامات وجوازات سفر تلك الدول. وبعضهم مطلوب للعدالة العراقية وآخرون للعدالة الأميركية، إذ تضعهم أميركا في قائمة الارهاب. نريد أن نعيش مع جيراننا بسلام ولا نعطي ذرائع للآخرين لضربنا، وهناك مثال على ذلك وهو أن الأميركيين أعطوا لأنفسهم ذريعة لأن يذهبوا إلى داخل الأراضي السورية لقتل «أبو غادية»، الذي كان يدرب عراقيين، ومجموعة من الارهابيين و«القاعدة» داخل سورية بالقرب من الحدود العراقية، وكان يبعثهم لذبح العراقيين، فقتلوا أخاه وجلبوا جثتيمها.

* هل هناك ضغوط إيرانية لغلق معسكر أشرف أم أنه قرار عراقي؟ ـ إنه قرار خالص مائة في المائة من الحكومة العراقية، بالتأكيد أن الإيرانيين يهمهم هذا الملف ويتحدثون عنه، لكن لا توجد ضغوط ولا شروط، لكنهم على استعداد على أن يعطوا جوازا إيرانيا لكل الإيرانيين الموجودين في المعسكر، كما أعطوهم عفوا في حال العودة لبلدهم وقد عاد منهم 250 شخصاً، ومنظمة الصليب الأحمر سلمتنا تقريرا حول عدم تعرض هؤلاء العائدين إلى ضغوط في إيران، وإيران مستعدة لدعم جهود الصحوة العراقية لتسفيرهم إلى أوروبا. نريد غلق هذا الملف بطريقة حضارية وإنسانية ولا نريد أن نضغط على أي شخص للعودة إلى إيران، لكن هذا بلدنا، فنحن نملك العراق ولا نريد أن يشاركنا فيه أي إيراني، سواء كان إيرانيا معارضا أو مواليا للحكومة الإيرانية.

* لدى الحكومة العراقية علاقة طيبة مع الجارة إيران وكذلك أنتم، لكن فوجئنا باتهامكم طهران بدعم «القاعدة» في العراق وكذلك الميليشيات، ثم تراجعتم مرة أخرى، هل لك أن توضح لنا هذا الأمر؟ ـ نحن أقنعنا الأميركيين، ولا نقول خدعناهم، لياتوا للعراق لازالة صدام حسين، فقالوا إن هؤلاء عملاء لأميركا، وشنعوا بأن موفق الربيعي عميل لأميركا، ثم قلنا إن أكثر من 55 في المائة من الذين يفجرون أنفسهم بالعراق يأتون من (دول) مجلس التعاون (الخليجي) من المملكة العربية السعودية، لكن هذا لا يعني أن الحكومة السعودية تتبناهم، وهؤلاء المتطرفون والتكفيريون يأتون أيضا من شمال أفريقيا عبر سورية، فعملنا مع الأجهزة الأمنية السعودية ومع الأخوة في المملكة من أجل تجفيف منابع الارهاب، والحمد لله جففنا الكثير منها، فاتهمونا بأننا عملاء للسعودية. ثم عملنا مع إيران لأن الأسلحة وعبور الميليشيات ودعمها يأتي من الحدود العراقية الإيرانية، فتواصلنا وترابطنا وزرنا إيران عدة مرات، ومرة نضغط على الإيرانيين سياسيا ومرة إعلاميا ومرة عبر أصدقائهم الموجودين في العراق أو أصدقائهم في إيران، والآن قضينا على المتطرفين في الميليشيات، والآن لا توجد ميليشيات، فاتهمونا بأننا عملاء لإيران. ثم عملنا مع السوريين، والآن من مائة مفجر يعبر الحدود السورية في الشهر الواحد واحد أو اثنان، وإجراءات سورية تصاعدت على الحدود، فقالوا بأننا عملاء لسورية. نحن نعمل مع أي بلد من أجل مصلحة العراق، نحن عملاء للعراق، ونتشرف بذلك، لكن الآخرين لا يفهمون ذلك.

* كيف تصف علاقتك الآن مع الجانب الإيراني؟ ـ أنا لم أعش في إيران، ولا أعرف اللغة الفارسية ولست من أصول إيرانية، وإنما من أصول عربية ولا اتطابق مع الإيرانيين سياسيا، ولا يمكن وصف علاقتي بهم بأنها مودة وصداقة، لكن اعتقد أنه في العراق يجب أن نجد معادلة للتعايش مع الجمهورية الاسلامية في إيران، وهذه الصيغة ليست صيغة مواجهة مثلما عمل صدام حسين، بل صيغة تعاون وتنسيق وصداقة وخلق شبكة من المصالح التجارية والاقتصادية والدينية والمذهبية والثقافية، وان تكون هذه الشبكة من الكبر والضخامة بحيث أن أي إيراني يفكر مائة مرة قبل أن يقرر أن يتدخل في الشأن الداخلي للعراق. أنا أرحب بملايين الزوار الإيرانيين للعراق، فكل زائر يمثل بالنسبة لي برميل نفط، فالآن يدخل يوميا حوالي 2500 زائر ويخرج مثلهم، وكل واحد منهم يدفع 60 دولارا للحصول على تأشيرة دخول. وهؤلاء الإيرانيون ربما سينفتحون على الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق والانترنت، ولعلهم يتنفسون الهواء الطلق في العراق، ولعل الذين يرون الآن أن إيران خطر على الأمن القومي العراقي، ربما بعد 10 سنوات ترى إيران أن الحريات العامة والديمقراطية في العراق ستشكل خطرا على الأمن القومي الإيراني.

* هناك من يقول إن الرهائن البريطانيين المختطفين في العراق موجودون الآن في إيران؟ ـ نحن كدولة لا نتفاوض مع خاطفين ولا اعتقد أن أميركا وبريطانيا تفعلان ذلك أيضا. نحن يهمنا اطلاق سراح الرهائن، ويهمنا أن كل الفصائل المسلحة وغير المسلحة أن تعود إلى الصف الوطني والعملية السياسية وندخل في مصالحة وطنية وبالتحديد أولئك الذين لم يتورطوا بالدم العراقي أو الأموال العراقية. نحن نعتقد أن الأجواء ستتهيأ للمصالحة الوطنية وعودة تيارات مهمة لو اطلق سراح الرهائن، كما أنه سيعجل بخروج الاجنبي، فالجيش البريطاني الآن ينسحب في نهاية أغسطس (آب) فمعيب على هذا الجيش أن يعود لبلده وأن يترك خلفه مواطنين مختطفين.

إن الحكومة العراقية على استعداد لتقديم كل الدعم لاجراء المصالحة الوطنية وعملية اطلاق سراح الرهائن، والحكومة العراقية قامت بعمل كبير جدا ورئيس الوزراء مشرف شخصيا على الملف. وقد بذلنا جهودا كبيرة وانا مطلع اطلاعا تفصيليا على هذا الملف واصبحنا قريبين جدا من خط النهاية.

* هل ما زال الرهائن في العراق؟ ـ لا تعليق لدي.

* هل هناك مخاوف من عودة مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، إلى العراق، مع توفر تقارير عن سعي إيراني لكي يلعب دورا مماثلا لدور حسن نصر الله في لبنان؟ ـ العراق غير لبنان، والأمر الآخر أن السيد مقتدى غير السيد حسن نصر الله، عندما نقارن يجب أن نقارن متشابهات وليس مختلفات، السيد مقتدى من الممكن أن يساهم ببناء العراق ودولة المؤسسات ودعم العملية السياسية وتنشيطها، نعتقد أن عودته إلى العراق ستشكل اضافة ايجابية، سواء للائتلاف (العراقي الموحد) أو العملية السياسية بشكل عام أو العملية النيابية الدستورية. هذه المقارنة غير دقيقة، وهي على الأكثر تعبر عن مخاوف غربية جزء منها تصفية حسابات مع إيران، والجزء الآخر عدم المعرفة بالعراق، فشيعة العراق غير شيعة ايران والوضع العراقي يختلف عن اللبناني أو الإيراني، فللعراق خصوصية، حتى الأميركيون لم يفهموها رغم مرور ست سنوات، والآن عادوا بأذيال الخيبة والفشل، لديهم قصور في فهم البلد وقد ارتكبوا كوارث في العراق، لكن نؤكد بأننا لا نؤمن بولاية الفقيه في العراق، بل بولاية 275 شخصا (يقصد البرلمان) ولدينا مرجعية واحدة فقط إلا وهي الدستور.

* هل صحيح أنك تحتفظ بتمثال صدام حسين؟

ـ نعم احتفظ في مكتبي برأس كبير لصدام حسين، وهو نفس التمثال الذي أسقطه العراقيون في إحدى الساحات الشهيرة ببغداد، ووراء التمثال قصة جميلة جدا، ففي أحد أيام عام 2003، اتصل بي شخص أميركي من القاعدة الأميركية في الكويت، وسأل إن كنت أعمل في الحكومة العراقية، واجبته بنعم، فقال لي إن لديهم تمثالا في صندوق خشب، وهو موجود داخل طائرة على وشك التوجه الى مدينة تامبا الاميركية وقد أخذه أحد الجنرالات الأميركيين. وتبين أنه عند مرور التمثال بجهاز الفحص اكتشف المسؤولون في القاعدة العسكرية بالكويت أنه رأس صدام، فرفضوا تسليمه للجنرال الأميركي وأنزلوه من الطائرة، وسألوني إن كنت ارغب بتسلمه. فوافقت وذهبنا الى القاعدة وأخذناه إلى مطار الكويت المدني، وقد كلفنا الكثير من الأموال ثم نقلناه إلى مطار بغداد وبعدها إلى مكتبي ويبلغ وزنه حوالي 80 كيلو غراما.

* ولماذا قررت الاحتفاظ به؟

ـ لقد وضعته لكي أتذكر يوميا صدام حسين، ولا أنساه، ولا أنسى ما فعله بالشعب العراقي، وكذلك لأتذكر أن أي إنسان يعامل شعبه مثلما عامل صدام شعبه ستكون هذه نهايته، أي لكي نعتبر منه.

* وماذا عن لقائك الأول به لدى إلقاء القبض عليه؟

ـ ذهبت أنا وزميلاي، أحمد الجلبي وعدنان الباجة جي، وكان هناك بريمر وقائد قوات الاحتلال، وكان صدام جالسا على سرير في غرفة صغيرة مطأطأ الرأس، مرتديا دشداشة بيضاء وسترة زرقاء. ثم عرفونا عليه. ومن دون أن اسلم عليه قلت له: صدام حسين لعنة الله عليك كيف تفعل ذلك بشعبك! فرد علي: الله يلعنك ويلعن والديك. لقد بدا قويا وصلفا. ثم سألته لماذا عدمت الصدر فأجابني أي صدر؟ فقلت له محمد باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر، فهز يده (علامة على السخرية) فقال صدر.. رجل؟ ثم اشاح بوجهه. وقد استمر الحديث فترة طويلة من الزمن حتى قال لنا بريمر هيا لنذهب، وعندما نهضنا نظر لنا صدام وقال: هل هذا كل شيء؟ لقد كان يظن بأننا سنقتله، أي كما فعل هو مع عبد الكريم قاسم. وعندما خرجنا فكرت أن اقفز على صدام وأنا طبيب وأعلم بأني لو أمسكت به من الوريد في عنقه لمدة نصف دقيقة فإنه (سيموت)، لكنني تراجعت وقلت لو فعلت ذلك فإن لا فرق بيننا، لكننا التقينا بعد ذلك كثيرا في السجن والمحاكمة الأولى الثانية والثالثة.

* وماذا عن إعدامه؟

ـ لا أنكر ولا استعر من حقيقة أني أخذته إلى المشنقة بيدي وبقي ينظر لي حينها شزرا وأنا أبادله نفس النظرات واستمر ذلك ربما لدقيقتين فقال لي: دكتور لا تخاف.

* ما قصده بذلك؟

ـ قال لي إنها (المشنقة) للرجال، لكن هو الذي يجب أن يشعر بالخوف وليس أنا فهو الذي سيعدم. لقد حضرت عملية الاعدام بصفتي مسؤولا امنيا وطبيبا، وقد وقعت على شهادة وفاته. وصدام لم يتعرض لأي اهانة خلال فترة السجن أو الفترة التي تسلمناه فيها، وهي لمدة ساعة أو ساعة ونصف قبل اعدامه، لكن ربما حدثت أشياء غير لائقة بعد الاعدام سأتحدث عنها في مذكراتي. وهو لم يتعرض لأي خرق لحقوق الإنسان، سوى هتافات لم تكن مناسبة وغير صحيحة، وتم تسريبها من قبل حراس السجن.

* وماذا عن مذكراتك؟

ربما لن اكتبها الآن، لكن بعد 10 أعوام، وستكون مفصلة عن هذه الفترة، أنا في السياسة منذ عام 1966، وربما سأطلق عليها تجربتي في نصف قرن من العمل السياسي العراقي.