مراسل «نيويورك تايمز».. وليلة الهروب من طالبان

بعد 7 أشهر في قبضة الحركة الأصولية

ديفيد رود مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» خلال لقائه مع بعض سكان هلمند («نيويورك تايمز»)
TT

تمكن ديفيد رود مراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، الذي اختطفته جماعة طالبان، من الهرب ليلة أول من أمس وحصل على حريته بعد ما يزيد على سبعة أشهر من الأسر في جبال أفغانستان وباكستان.

كان رود وصحافي محلي آخر هو طاهر لودين وسائقهما أسد الله مانغال قد اختطفوا خارج العاصمة الأفغانية كابل في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) خلال إجرائهم بحثا ضمن كتاب.

يأتي رود كواحد من بين فريق «التايمز» الذي فاز بجائزة بوليتزر هذا الربيع على تغطيتهم أحداث أفغانستان وباكستان العام الماضي. وقال رود لزوجته كريستين مولفيهيل، إن لودين كان بصحبته خلال تسلق جدار المكان الذي احتجزا فيه في شمال وزيرستان في باكستان، وتمكنا من الوصول إلى قاعدة عسكرية باكستانية حدودية، ويوم السبت تم نقلهما جوا إلى القاعدة العسكرية الأميركية في باغرام بأفغانستان.

وقالت مولفيهيل: «لقد نجحا في تسلق جدار المنزل». ولم يهرب السائق مانغال مع الرجلين، ويقول التقرير الأولي إن رود في صحة جيدة، بينما أصيبت قدم لودين خلال عملية الهروب.

من جهة أخرى نفى ناطق باسم حركة طالبان أمس أي تورط في خطف مراسل «نيويورك تايمز» وزميله الأفغاني في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في أفغانستان، اللذين تمكنا من الفرار أخيرا.

وصرح ذبيح الله مجاهد أحد الناطقين باسم طالبان التي قامت بعدة عمليات خطف في أفغانستان، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لسنا متورطين في هذه العملية البتة». وقال ذبيح الله في اتصال هاتفي من مكان مجهول إن حركته لم تخطف «الشخصين طاهر الدين والأميركي، أيا كان، وحتى عندما خُطفا لم نتبنَّ» تلك العملية. وأضاف: «إننا لا نعلم الجهة التي خطفتهما وكيف خُطفا». وتابع: «لا نعلم إن كان أُفرجَ عنهما أو فرّا. لم نتورط في هذه القضية البتة ولا نعلم من خطفهما».

وقد تعاملت «التايمز» والمنظمات الإعلامية الأخرى مع عملية الخطف بهدوء تام لحرصها على سلامة الرجال. وقال بيل كيلر المحرر التنفيذي للتايمز: «سادت وجهة نظر بين عائلة ديفيد وخبراء قضايا الاختطاف ومسؤولين في عدد من الحكومات وآخرين استشرناهم منذ الأيام الأولى لتلك الأزمة، بأن الإعلان عن عملية الخطف يمكن أن يزيد من المخاطر التي يواجهها ديفيد والرهائن الآخرون. ولم يتحدث الخاطفون كثيرا أيضا، لذا قررنا احترام تلك النصيحة كما فعلنا في قضايا الاختطاف الأخرى. وقام عدد من المؤسسات الصحافية الأخرى التي علمت بمحنة ديفيد بذات الأمر. ونحن بالغو الامتنان لهم على دعمهم».

ومنذ واقعة اختطاف الرجال الثلاثة كان هناك عدد من الاتصالات المتفرقة من الرجال وخاطفيهم. وقد عبرت مولفيهيل عن ارتياحها في نهاية الأزمة والشكر للعديد من الأفراد ـ من مسؤولين وغير مسؤولين ـ الذين قدموا المعلومات والنصائح والدعم. وقالت مولفيهيل: «إن العائلة تبدي بالغ امتنانها لكل من ساعد «النيويورك تايمز» والحكومة الأميركية والمختصين الآخرين ـ ونحن نأمل في أن نحظى بفرصة لم شمل الأسرة معه في سلام». وأضافت: «تزوجنا قبل تسعة أشهر، سبعة منها قضاها في الأسر». ورفض كل من كيلر وأسرة رود مناقشة تفاصيل جهود تحرير الأسرى، عدا القول إنه لم يتم دفع فدية ولم يطلق سراح أي من معتقلي طالبان أو معتقلين آخرين.

وقال كيلر: «الخطف، صناعة مزدهرة في أنحاء متفرقة من العالم، وكما أخبرنا الضحايا الآخرون، فإن مناقشة استراتيجيتك تقدم التوجيه للخاطفين الآخرين». كان رود، الذي يبلغ من العمر 41 عاما قد وصل إلى أفغانستان في بداية نوفمبر للعمل على كتاب حول تاريخ التدخل الأميركي هناك، عندما دعي لإجراء مقابلة مع قائد طالباني في لوغار خارج كابل. وأعلم رود، الذي اعتقل قبل سنوات خلال تغطيته الحرب في البوسنة، مكتب «التايمز» في كابل حول الشخص الذي يبلغونه في حال عدم عودته، كما أشار أيضا إلى اعتقاده بأن المقابلة هامة وأنه سيكون بخير.

وأشار والده هارفي رود إلى أنه في الوقت الذي يبدي فيه أسفه على قيام ابنه بتلك الرحلة، إلا أنه يتفهم دافعه وهو كما قال: «الحصول على جانبي القصة لكي يصور الكتاب الوضع بأمانة، ليس من جانب واحد فقط، ولكن من الجانب الآخر أيضا». ونظرا لتردي الأوضاع الأمنية في أفغانستان مارس الخاطفون عملياتهم بحق أثرياء أفغان ومتعاقدين أجانب وعمال إغاثة وأعضاء كنائس وصحافيين. وفي الخريف الماضي اختطفت ميليسا فونغ، مراسلة «هيئة الإذاعة الكندية» واحتجزت في حفرة رطبة تحت الأرض لما يقرب من شهر حتى ضغطت السلطات الأفغانية على خاطفيها لإطلاق سراحها. ويعد أسر رود من أطول عمليات الأسر في أفغانستان.

انضم رود إلى «التايمز» منذ 12 عاما بعد الفوز بجائزة بوليتزر في التغطية الدولية عام 1996 لتوثيقه المذبحة التي مورست بحق مسلمي البوسنة في سربرينيتشا.

يُعرف رود بين زملائه بالجرأة، لكنه برغم ذلك صحافي متواضع يعمل ببساطة مرتديا قمصان أكسفورد ومعتمرا قبعة بوسطن رد سوكس. ويتسم رود بالدماثة وطيب الحديث، وليس واحدا من أولئك الذين يبهجون زملاءهم بقصص الحرب، لكنه يوفر روايتها للمقالات.

وقال كيلر: «ديفيد رود صحافي مجتهد على نحو لا يعقل، يتحدث بعقل مفتوح وقلب كبير عن كل قصة صحافية».

زادت رغبة رود في أفغانستان خلال أشهر الذروة الثلاثة التي قضاها هناك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتم تعيينه خلال تواجده هناك كرئيس مشارك لمكتب «التايمز» في جنوب آسيا في الفترة من 2002 إلى 2005. استمر رود في السفر إلى أفغانستان في أعقاب عودته إلى نيويورك، حيث يعمل كعضو في قسم تحقيقات «التايمز».

وقد عمل الصحافي الأفغاني، لودن، الذي ساعد رود كمترجم، مع صحيفة «التايمز» اللندنية، وهو من أصول بشتونية من إقليم زابل وهرب بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979 مع عائلته إلى كويتا في باكستان ودخل المدرسة الثانوية هناك وتعلم الإنجليزية قبل العودة إلى بلده والاستقرار في كابل، وهو أب لسبعة أطفال جميعهم دون الثامنة والعائل الوحيد لأسرة مكونة من 17 فردا. أما مانغال الذي يقل لودن بانتظام فيعمل على سيارة مع أخيه.

نشأ رود في عائلة مترابطة في نيو إنغلاند وتخصص في دراسة التاريخ في جامعة بوسطن، وقد واتته الفرصة للعمل كصحافي في أواسط التسعينيات عندما أرسلته صحيفة «كريستيان» لتغطية النزاع في البلقان. وقد لعبت تغطيته القوية دورا رئيسيا في الكشف عن التطهير العرقي ضد مسلمي البوسنة.

وقد كان رود أول صحافي غربي يسافر إلى مناطق صرب البوسنة للبحث عن أدلة على المقابر الجماعية. ويبدو أن ما وجده رود أكد شكوكه: دماء وغائط بشري في ملعب كرة قدم، حيث كان يتم إطلاق الرصاص على السجناء المسلمين، ومسارات جرافات مؤدية إلى ثلاثة مستطيلات من الأماكن التي ردمت حديثا وصناديق ذخيرة وأرجل بشرية. وتقول فاي باورز، رئيسة تحريره السابقة في «كريستيان ساينس» إن رود لم يظن أن ما وجده لقي اهتماما كافيا للمذبحة، لذا قرر العودة مرة أخرى إلى مناطق المتمردين بمفرده وبصورة سرية.

وقالت: «حصلت على رسالة بريد إلكترونية مطولة تقول إنه لن يسامح نفسه إذا ما تم تجاهل المذبحة. لذا فإنه سيعود للحصول على المزيد من الأدلة». خلال رحلة العودة عثر على المزيد من القبور الجماعية والتقط صورا لأكوام من الملابس والعظام البشرية بالقرب من سد ترابي، لكن سلطات صرب البوسنة أطلقت سراحه بعد 10 أيام من التحقيقات المضنية.