حرب تصريحات بين إيران ودول غربية.. وطهران تتهم بريطانيا بالتآمر.. ولندن تنفي

لاريجاني يدعو لإعادة النظر في العلاقات مع لندن وباريس وبرلين.. وميركل تطلب إعادة فرز الأصوات.. وفرنسا تدين «القمع الوحشي»

رجال أمن إيرانيون ينظرون إلى امرأة على الأرض أثناء مرورهم بها بدراجاتهم النارية أمس (رويترز)
TT

دخلت إيران وعدد من الدول الغربية أمس، في حرب تصريحات، بعد اتهام مسؤولين إيرانيين بارزين بينهم الرئيس محمود أحمدي نجاد لواشنطن ولندن تحديدا بالتدخل في الشؤون الداخلية، والتآمر على البلاد، وردت تلك العواصم بالنفي، مع تصعيد لهجتها ضد طهران، لوقف العنف على المتظاهرين، والسماح لهم بحرية التعبير، فيما طالبت برلين بإعادة فرز أصوات الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بسبب مزاعم بتزويرها، ودعت روما إلى حل المسألة سلميا.

وطالب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الولايات المتحدة وبريطانيا بوقف «تدخلهما» في الشؤون الداخلية للجمهورية الإسلامية. وقال في تصريحات على موقعه الإلكتروني: «ليس عن طريق الإدلاء بتصاريح متسرعة تدخلون إلى حلقة أصدقاء الأمة الإيرانية». وأضاف: «لهذا السبب أطلب منكم أن تقِفوا تدخلكم في شؤوننا الداخلية».

ونقلت وكالة «الطلبة» للأنباء عن أحمدي نجاد قوله خلال اجتماع مع رجال الدين والعلماء: «من خلال إصدار التصريحات الهوجاء لن تضعوا أنفسكم حتما في دائرة الصداقة مع الدولة الإيرانية، بالتالي أنصحكم بتصحيح مواقفكم الخاصة بالتدخل». وذكرت وكالة أنباء «الطلبة» أن أحمدي نجاد الذي كثيرا ما ينتقد الغرب بشدة كان يوجه تصريحاته إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون. وحث أوباما الذي يحاول إصلاح العلاقات مع إيران منذ توليه السلطة في يناير (كانون الثاني) طهران على «وقف جميع الأفعال العنيفة وغير العادلة ضد شعبها».

وقال أحمدي نجاد إن الدول الغربية تريد التقليل من مكانة إيران بعد الانتخابات لكنهم ارتكبوا خطأ. وأضاف: «ستضيف الأحداث الأخيرة قطعا إلى عظمة وقوة الجمهورية الإسلامية».

وانتقدت وزارة الخارجية الإيرانية بشدة بريطانيا ودولا غربية أخرى أمس، بسبب بيانات بشأن الانتخابات الرئاسية التي أجرتها الجمهورية الإسلامية في 12 يونيو (حزيران). وفي خطاب إلى دبلوماسيين أجانب في طهران أذاعه التلفزيون الإيراني على الهواء ندد وزير الخارجية منوشهر متقي بما وصفه بـ«تصريحات تمثل تدخلا» في شؤون بلاده من جانب مسؤولين بريطانيين في ما يتعلق بالانتخابات. وقال إن بريطانيا «استهدفت الانتخابات» الإيرانية منذ فترة طويلة، وأشار إلى أن أشخاصا لهم صلة بالمخابرات البريطانية توجهوا إلى بلاده قبل الانتخابات. وأضاف متقي أنه لاحظ أن «بعض الوافدين الجدد» يأتون إلى البلاد من بريطانيا في الأسابيع التي سبقت الانتخابات. وتابع بقوله: «هم عناصر منتمية إلى جهاز المخابرات البريطاني، أرادوا أن يأتوا إلى هنا ليُرَوا وليكون لهم تأثير مؤكد».

وذكرت محطة «برس تي في» التلفزيونية الناطقة بالإنجليزية التي ترجمت تصريحات متقي أنه تحدث عن «خطط شريرة» لبريطانيا وكذلك ندد بـ«التصريحات غير المسؤولة» لفرنسا.

واعلن وزير الخارجية التشيكي يان كوهوت الذي تتولى بلاده حاليا رئاسة الاتحاد الاوروبي أمس ان الحكومة الايرانية استدعت سفراء وممثلي بلدان الاتحاد الاوروبي ال27 المعتمدين في طهران. وقال كوهوت ان الاتحاد الاوروبي يحضر رد فعل سيعلن عنه اليوم.

من جهته دعا رئيس البرلمان علي لاريجاني لإعادة النظر في العلاقات مع كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا نظرا إلى تصريحاتها «المخزية» بشأن الانتخابات الرئاسية في إيران. ووصف في كلمة وجهها إلى البرلمان موقف الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا تجاه انتخابات الرئاسة الإيرانية بأنه «مخزٍ» ودعا لجنة السياسة الخارجية والأمنية في البرلمان إلى أن تدرج إعادة النظر في العلاقات مع الدول الأوروبية الثلاث في جدول أعمالها». كما هاجم الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي يوم الجمعة ما وصفه بتدخل القوى الكبرى التي شككت في نتيجة الانتخابات قائلا إن أعداء إيران يحاولون تقويض شرعية مؤسستها الإسلامية.

من جانبه نفى وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند أمس بشكل «قاطع» أن تكون دول أجنبية تمارس تأثيرا على المتظاهرين الإيرانيين الذين يحتجون في طهران خصوصا على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. وأعلن ميليباند في بيان: «أرفض بصورة قاطعة الفكرة القائلة بأن هناك دولا أجنبية تسعى إلى التأثير على المتظاهرين أو تحريكهم». وتابع بأن «المملكة المتحدة ترى أنه لا جدال في أن يكون للشعب الإيراني حق اختيار حكومته، وعلى السلطات الإيرانية ضمان حيادية نتائج الانتخابات الرئاسية، وحماية مواطنيها». وأضاف الوزير: «وبالتالي فإنني أعبّر عن الأسف إزاء العنف المتواصل في حق الذين يحاولون ممارسة حقهم في التعبير»، مشيرا إلى أن «ذلك من شأنه أن يسيء إلى مكانة إيران في أعين العالم، وإن تحميل المسؤولية للأجانب أمر لا يُغتفر».

وأضاف أن محاولة متقي «تحويل الخصومة بين الإيرانيين بشأن نتائج الانتخابات إلى معركة بين إيران ودول أخرى بينها بالخصوص بريطانيا، لا أساس له». واعتبر ميليباند أن الأخبار التي أوردها التلفزيون الحكومي الإيراني عن مقتل عشرة أشخاص في التظاهرات الأخيرة في طهران «تزيد من مستوى القلق بين الإيرانيين وفي العالم». وقال وزير الخارجية البريطاني إن إيران مخطئة باتهامها دولا أجنبية بلعب دور في الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية. من جانبها دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس السلطات الإيرانية إلى إعادة فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وكذلك عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين الرافضين لنتائج هذه الانتخابات. وقالت ميركل في بيان: «أدعو القادة الإيرانيين إلى السماح بالتظاهرات السلمية وإلى عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين والإفراج عن المعارضين الموقوفين والسماح للإعلام بتغطية (الأحداث) بحرية وإعادة فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية». وأضافت ميركل أن «ألمانيا إلى جانب كل من يريد في إيران استخدام حقه في التعبير عن رأيه والتجمع بحرية». وخلصت إلى القول: «يجب احترام حقوق الإنسان والمواطن، وهذا الأمر ينطبق أيضا على إيران».

وفي روما أعرب وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني عن «حزنه لوقوع خسائر بشرية» في إيران، داعيا طهران إلى تسوية «سلمية وسريعة» للأزمة التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية. وفي بيان صدر عن مكتبه أعرب الوزير عن «القلق والأسف خصوصا لأعمال العنف والخسائر البشرية في إيران». وأضاف: «نطلب بالتالي من الحكومة الإيرانية أن تتحرك بشكل طارئ لإيجاد ظروف تتيح تسوية الأزمة الداخلية سلميا»، داعيا إلى «ضمان حماية الأرواح البشرية قبل كل شيء».

وتابع البيان بأن «إيطاليا ترى أن تسوية الأزمة يجب أن تتم عبر مواجهة مفتوحة وسلمية بين الحكومة وبقية هيئات المجتمع الإيراني». وفي حين تأمل روما في مشاركة إيران في اجتماع وزراء خارجية مجموعة الثماني في ترييستي (شمال شرق) الأسبوع المقبل قال فراتيني إن «إيطاليا تحترم إيران وسيادتها وتعترف لها بدور هام على الصعيد الإقليمي» لا سيما «في استقرار أفغانستان حيث بإمكان إيران أن تقدم مساهمة مفيدة جدا». وأعرب عن الأمل أن تتم تلك المساهمة خلال الاجتماع الذي سيُعقَد من مساء الخميس إلى السبت والذي سيخصص يوم الجمعة لاستقرار باكستان وأفغانستان. وخلص الوزير إلى القول: «إن ايطاليا في هذا السياق الإيجابي والبنّاء تعتبر أن من مصلحة إيران البحث عن استقرار داخلي مع المجتمع المدني، يكون في انسجام مع تقاليد الحضارة الكبيرة في البلاد».

وفي باريس وصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي موقف طهران «حيال الرغبة الشرعية في الوصول الى الحقيقة لدى قسم كبير من ابناء الشعب الايراني» بانه «غير مبرر». وندد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في بيان بـ«القمع الوحشي» الذي تعرض له المتظاهرون في طهران داعيا الى اطلاق سراح المعتقلين فورا.

وجاء في بيان كوشنير «علمت بذهول بأن تظاهرات امس (السبت) في طهران اسفرت عن العديد من الضحايا بما في ذلك قتلى، ما زال عددهم غير أكيد». وتابع «انني اندد بهذا القمع الوحشي وادعو الى الافراج فورا عن المعتقلين». وتجمع عدة مئات كثيرون منهم طلاب وشخصيات عامة من بينهم وزير الثقافة السابق جاك لانج وخطيب المسجد الاكبر في باريس دليل بوبكر.